Dünya Felsefe Tarihi: Karl Jaspers'ın Yazdığı Son Metin
تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية: آخر نص كتبه الفيلسوف كارل ياسبرز
Türler
هنالك عالم يمثل كل ما هو «دقيق»، ويمكن أن يتحقق فيه التقدم إلى ما لا نهاية، وتتسع المعارف بصورة مستمرة، ويتم توصيلها إلى أفهام الناس جميعا ونقلها من حضارة إلى أخرى بغير تغيير. ويضم هذا العالم قدرا هائلا من المعارف المحددة التي يمكن البرهنة على صحة محتواها، كما يتفق الإجماع العام على الاعتراف بنتائجها. غير أن هذا العالم ليس هو كل العالم؛ فعالم المعارف الدقيقة أو الضرورية يفتقر قبل كل شيء إلى الكلية، ونحن نستطيع أن نميز فيه جوانب جزئية، ولكننا لن نميز الكل أبدا، اللهم إلا إذا كان كلا نسبيا في علاقته بكل آخر، لا الكل ذاته وبصورة مطلقة. أضف إلى هذا أننا لا ندرك في هذا العالم إلا بعض الوقائع الموضوعية المحددة، في حين يوجد خارجها شيء آخر مختلف عنها، وأقصد به الذات التي تعرفها، بجانب موضوعات أخرى ترتبط في علاقة معها.
ثم إن هذا العالم يفتقر كذلك إلى قيمة مطلقة تهم وجودنا الحميم؛ ذلك لأنه لا يقدم أية إجابة عن الأسئلة المتعلقة بحقيقتنا الذاتية أو كينونتنا الخاصة، ونحن نملك شعورا أصيلا بجدية هذه الأسئلة: فحقيقة كوننا موجودين تنطوي في صميمها على سر معتم غامض؛ هذا السر يعطي الحياة وزنا لا نهائيا، ففي هذه الحياة يتقرر شيء ما، ومن المهم أن أعرف كيف أعيش ولأجل أية غاية أعيش. ونحن نملك كذلك شعورا بالمطلق، يمكنه أن يقف في مواجهة كل ما هو جزئي، هذا الشعور شامل محيط؛ لأنه ليس بحاجة للخضوع لأي موضوع، ونحن نجد كذلك أن ما يمكن إثبات صحته يظل من ناحية المضمون شيئا لا يكترث به وجودنا الذاتي الحميم (صحيح أن الجهد الذي نبذله للتوسع في معارفنا لا يمكن أن يكون شيئا نقف منه موقف عدم الاكتراث، ولكن مضمون الشيء الدقيق وحسب هو الذي لا يهم وجودنا الشخصي). إن الحقيقة التي تشد أزر حياتنا وتوجهها لا يمكن أن تحتاج إلى إثبات أو برهان ملزم.
هنالك طرق عدة لإيقاظ شعورنا بالكل، وتنبيه وعينا بما لا يمكن إثباته بصورة ضرورية، وعلى أمثال هذه الطرق تسير الفلسفة. إنها تضع ما ليس بموضوعي في قالب المعرفة الموضوعية، وتظهر ما يهم الوجود في صورة مرئية للعين، ولا بد أن يكون لتاريخ هذه الفلسفة طابع مختلف عن تاريخ العلوم.
والواقع أن تاريخ العلوم نفسه لا يخلو من أهمية بالنسبة لموضوع العلم ذاته، وذلك بقدر ما ينطوي على شيء من تاريخ الفلسفة؛ فالفلسفة في نهاية الأمر هي المحرك للبحث العلمي، ولا بد أن يكون «الدقيق» أو «الصحيح» من الأهمية بحيث يستحق البحث عنه، وقد تنبع هذه الأهمية من أهداف محددة، ودوافع تقنية، وقد تستجيب لحاجات عملية، ولكن هناك وراء ذلك أهمية لا يتيسر إثباتها بطريقة ملزمة ومؤكدة، وإنما تأتي من علاقة بالكل وبالوجود، وتكون العنصر الفلسفي الذي لا يستغني عنه أي علم حقيقي. ولهذا تظهر أهمية تاريخ العلم أمام الباحث أيا كان مجال بحثه، لا بوصفه نوعا من تراكم الكشوف، بل من حيث هو إبراز ل «المهم» وتوضيح ل «المبادئ» الكامنة في صميم الكل. هذا الاهتمام التاريخي الذي نجده في جميع العلوم الجزئية يعبر عن اللحظة الفلسفية الحاضرة في كل معرفة أصيلة. (2)
ولكن كيف يكون تاريخ الفلسفة على الدوام أمرا جوهريا لا غنى عنه للفلسفة؟ هذا هو السؤال. فإذا لم تكن الحقيقة الفلسفية معرفة دقيقة ملزمة للفهم، بل كانت استيعابا باطنيا للوجود، فلا بد أن يتغير وجهها، ويتحول شكلها، من عمل فلسفي إلى آخر. ومن ثم يمكننا أن نقول: كل شيء حق على نحو معين، بالنسبة إلى هذا الإنسان وإلى هذا العصر. ويمكننا - على العكس من ذلك - أن نقول: لا شيء حق؛ إذ لا يمكن لشيء مما مضى أن ينقل بالطريقة نفسها، كما أن الحقيقة الفلسفية تتغير مع تطور الإنسان وتبدل مواقفه وأحواله. بهذا لن نجد شيئا نهائيا مؤكدا، ولن نعثر على الحقيقة في أي مكان، وسنكتشف أن الإنسان لم يحقق المثل الأعلى ولم يبلغ المعرفة المطلقة في أي مكان؛ أو ربما اكتشفنا أن هذه المعرفة المطلقة موجودة بمعنى آخر على الدوام، وأنها حاضرة في الشكل الذي تفرضه عليها لحظتها التاريخية. وستكون مهمة تاريخ الفلسفة في هذه الحالة هي تفهم كل شيء، وعدم استبعاد شيء، وتقبل الأعمال على ما هي عليه وتسليط الضوء عليها.
مثل هذا الموقف من التاريخ لا بد أن يصدم إحساسنا بمعنى الحقيقة، ولا بد أن نسخط عليه ونرفضه حتى لا يتحول تاريخ الفلسفة في مجموعه إلى خليط مضطرب، وصور من الصراع اليائس العقيم، ومبارزة زائفة بغير طائل بين الآراء الذاتية وأشكال الحياة المختلفة، ولن يكون تاريخ الفلسفة في هذه الحالة سوى تاريخ الأوهام والأخطاء البشرية، ولن يحظى في النهاية إلا باهتمام نفسي أو مرضي.
هذا الموقف نفسه؛ أعني هذه النزعة التاريخية التي تجعل كل شيء نسبيا؛ ستدمر معنى الحياة، ولن يكون في وسعنا أن نقيم علاقة بين الحقيقة الخالدة والتاريخ بغير إفساد الحقيقة، ما دام التاريخ يعلمنا أن نشك في كل شيء، وألا نؤمن بشيء. ولهذا يتعين علينا أن نؤكد دائما بكل وضوح أن ما هو حق لا تقتصر حقيقته على عصر أو زمن معين، ولا تنحصر قيمته داخل حدود تاريخية ضيقة، وما لا يصدق على كل العصور والأزمان بصورة مطلقة شاملة فليس من الحق في شيء. (3)
وتسعى الفلسفة التي وعت طابعها الخاص للوصول إلى تصور عن تاريخها يجمع أطراف التصورات المضادة والسابقة يصهرها في بوتقته. إنها لتسعى إلى الفلسفة الخالدة التي لا يستحوذ عليها أحد، ومع ذلك فهي حاضرة على الدوام، لا تحدد بأي أسلوب فكري ولا تنغلق فيه، وتظل واحدة متغلغلة في أعماق كل شيء، وهي تتجلى في أشكال متعددة كان كل شكل منها بالنسبة إلى صاحبه شيئا كليا وحقيقيا، ولم يزل كذلك بالنسبة إلينا، دون أن نضطر للالتزام به أو لتقييد وجودنا الخاص به. هذه الفلسفة الخالدة تتطلع إلى الشامل الذي يتطلع إليه الجميع، ويمكن أن نقدم الآن بعض سماتها المميزة: (أ)
إن الفلسفة تتضمن عنصرا أو مستوى يتم فيه التوصل إلى الدقة، وتحصيل المعارف، وتحقيق التقدم على غرار العلوم الجزئية. ويتمثل هذا بوجه خاص في مجال المنطق في شمول المقولات ووضوحها، كما يتمثل في العلوم، بقدر ما تحدد موقف البحث الفلسفي وشروطه الضرورية. في هذا المستوى الفلسفي نجد أخطاء أسقطت، وفروضا تم تجاوزها، كما نجد فكرة حقيقية عامة الصدق، بيد أن من الصعب دائما تحديد معالم هذا المستوى؛ لأن الخطأ نفسه يمكن أن يتخذ شكل رؤية فلسفية فريدة لا يمكن أن تستبدل بها رؤية أخرى، ولا يمكن إصدار حكم نهائي على قضية سقطت وفسد محتواها ولم تزل مع ذلك تحتفظ بحيوية لغة تاريخية لم تسقط ولم تفسد. صحيح أن البحث الفلسفي يوسع مجاله، ويتطهر من شوائبه، ولكن بغير أن يتحول إلى شكل منهجي منسق للفلسفة الحقة التي يمكن أن يوافق عليها جميع الناس، وعملية التوسع والتطهير المذكورة تعد أحد العوامل الداخلة في تكوين الفلسفة الخالدة، ولكنها ليست نسقا أو نظاما يكفل المعرفة الدقيقة. (ب)
يمكن أن تعبر الفلسفة عن نفسها في صورة نظام خاص مكتمل، يحمل الطابع الشخصي لصاحبه، ويدل على الأسلوب الأصيل للتحقق الفلسفي، وكل نظام من هذه الأنظمة يمثل مجموعا حيا متماسكا لا يمكن تخطيه؛ إذ يبقى قيمة متفردة هي نسيج وحدها؛ لأنها تكمن في صميم الكل، وتعبر عن الفلسفة الخالدة. ويمكننا من الناحية الصورية أن نقارن بين هذا الجانب من تاريخ الفلسفة - بوصفة صيغة زمنية وشكلا متغيرا من أشكال الفلسفة الخالدة - وتاريخ الفن، فالفلسفة والفن يشتركان في كونهما حقائق كلية باقية في كل زمان، تصدق قيمتها بهذه الصفة الكلية أو لا تصدق على الإطلاق.
Bilinmeyen sayfa