İslam Filozoflarının Tarihi
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Türler
ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها ما في الحس وما وراء الحس بهذا النظر وتلك البراهين، وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه، وهو الذي فرعوا عليه قضايا أنظارهم، أنهم عثروا أولا على الجسم السفلي بحكم الشهود والحس، ثم ترقى إدراكهم قليلا فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة والحس في الحيوانات، ثم أحسوا من قوى النفس بسلطان العقل ووقف إدراكهم، فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات الإنسانية، ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان، ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر، تسع مفصلة ذواتها جملة، وواحد أول مفرد وهو العاشر، ويزعمون أن السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها بالفضائل، وأن ذلك ممكن للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من الأفعال بمقتضى عقله ونظره وميله إلى المحمود منها واجتنابه للمذموم بفطرته، وأن ذلك إذا حصل للنفس حصلت لها البهجة واللذة، وأن الجهل بذلك هو الشقاء السرمدي، وهذا عندهم هو معنى النعيم والعذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف من كلماتهم.
وإمام هذه المذاهب الذي حصل مسائلها ودون علمها وسطر حجاجها فيما بلغنا في هذه الأحقاب؛ هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونيا من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون، ويسمونه المعلم الأول على الإطلاق، يعنون معلم صناعة المنطق، وهو أول من رتب قانونها واستوفى مسائلها وأحسن بسطها، ولقد أحسن في ذلك القانون ما شاء لو تكفل له بقصدهم في الإلهيات.
ثم كان من بعده في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل إلا في القليل، وذلك أن كتب أولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي، تصفحها كثير من أهل الملة وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم، وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها، وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة، وأبو علي ابن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرها.
واعلم أن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه، فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول واكتفاؤهم به في الترقي إلى الواجب؛ فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله، فالوجود أوسع نطاقا من ذلك
ويخلق ما لا تعلمون
وكأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط والغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين المقتصرين على إثبات الأجسام، خاصة المعرضين عن النقل والعقل، المعتقدين أنه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء، وأما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات ويعرضونها على معيار المنطق وقانونه فهي قاصرة وغير وافية بالغرض.
أما ما كان منها في الموجودات الجسمانية ويسمونه العلم الطبيعي فوجه قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم وبين ما في الخارج غير يقيني؛ لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة، والموجودات الخارجية متشخصة بموادها. ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي، اللهم إلا ما يشهد له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين، فأين اليقين الذي يجدونه فيها؟ وربما يكون تصرف الذهن أيضا في المعقولات الأول المطابقة للشخصيات بالصور الخيالية لا في المعقولات الثواني التي تجريدها في الرتبة الثانية، فيكون الحكم حينئذ يقينيا بمثابة المحسوسات، إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال الانطباق فيها، فنسلم لهم حينئذ دعاواهم في ذلك، إلا أنه ينبغي لنا الإعراض عن النظر فيها، إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه، فإن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا ولا معاشنا (!) فوجب علينا تركها.
وأما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس، وهي الروحانيات، ويسمونه العلم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة؛ فإن ذواتها مجهولة رأسا ولا يمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها، لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية، إنما هو ممكن فيما هو مدرك لنا، ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها، فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات وجودها على الجملة إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوال مداركها، وخصوصا في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد، وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه.
وقد صرح بذلك محققوهم، حيث ذهبوا إلى أن ما لا مادة له لا يمكن البرهان عليه؛ لأن مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية، وقال كبيرهم أفلاطون: «إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى يقين، وإنما يقال فيها بالأحق والأولى.» يعني الظن، وإذا كنا إنما نحصل بعد التعب والنصب على الظن فقط، فيكفينا الظن الذي كان أولا، فأي فائدة لهذه العلوم والاشتغال بها ونحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحس من الموجودات، وهذه هي غاية الأفكار الإنسانية عندهم.
وأما قولهم إن السعادة في إدراك الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين فقول مزيف مردود، وتفسيره أن الإنسان مركب من جزأين: أحدهما جسماني والآخر روحاني ممتزج به، ولكل واحد من الجزأين مدارك مختصة به، والمدرك فيهما واحد وهو الجزء الروحاني، يدرك تارة مدارك روحانية وتارة مدارك جسمانية، إلا أن المدارك الروحانية يدركها بذاته بغير واسطة، والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس، وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه واعتبره بحال الصبي في أول مداركه الجسمانية، التي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضوء وبما يسمعه من الأصوات، فلا شك أن الابتهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ، فالنفس الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذة لا يعبر عنها، وهذا الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم، وإنما يحصل بكشف حجاب الحس ونسيان المدارك الجسمانية بالجملة. والمتصوفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنفس بحصول هذه البهجة، فيحاولون بالرياضة إماتة القوى الجسمانية ومداركها حتى الفكر من الدماغ؛ ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب والموانع الجسمانية، فيحل لهم بهجة ولذة لا يعبر عنها، وهذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم، وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم.
Bilinmeyen sayfa