İslam Filozoflarının Tarihi
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Türler
يقول ابن خلدون إن الحياة البدوية هي الطور الأول لكل جماعة أو قبيلة، وإنها لا تنافي الطبيعة الإنسانية، ويمتاز البدو بالحركة الدائمة والتنقل وهم يعيشون من القطعان التي يرعونها، فإن كانت إبلا عاشوا في الصحراء لملائمة جوها وأحوالها الظاهرة للإبل، وإن كانت غنما وأبقارا عاشوا في الوديان لكونها أشد ملائمة لهذا النوع من الحيوان من سواها، وإن عيشة البدو واضطرارهم للقناعة بالقوت والثياب وحاجتهم إلى الشجاعة والقوة للدفاع عن أنفسهم وأموالهم تفضلهم على المتحضرين.
يقول ابن خلدون إن العصبية هي التي تدفع بالقبيلة إلى الألفة والمحبة، وتدفعها أيضا إلى الاتحاد والوئام والدفاع عن المصالح المشتركة، وإن شيئين يقويان العصبية وهما احترام العرف والعادة، والحاجة الدائمة للهجوم والدفاع. ثم تكلم عن الأسرة وتكوينها، فقال إن كل أسرة تفقد صفاتها النبيلة في آخر الجيل الرابع، وإن القبائل تبقى قوية ما دامت محافظة على قوتها وعصبيتها، وقال إن صفاء الدم ونقاوة الجنس شرطان أساسيان لا يمكن لقبيلة أن تنال القوة أو تستبقي العصبية بدونهما، وخلاصة القول على القبيلة أن العصبية هي قوامها وقوتها، وأنها بدونها لا تستطيع الحياة أو المقاومة، وأن القبائل ذات العصبية هي وحدها دون سواها القادرة على الفتح والامتلاك.
وقد انتقل ابن خلدون لتحول القبيلة إلى طور الغزو وتأسيس الدولة، ولا شك عندنا في أن سوسيولوجيته هذه مبنية على تاريخ العرب والبربر بصفتها قبائل، وعلى تاريخ الإسلام بصفته دولة. انتقل ابن خلدون إلى الكلام على حياة الحضر، وأن لهذا الحكيم الفضل الأول في التفريق بين السياسة والأخلاق وبينها وبين العقائد والشرائع، وقد كانت السياسة قبل زمنه ممتزجة بها جميعا، فهو يعد بحق أول مؤلف سياسي في الشرق ومن الأوائل في الغرب.
يقول ابن خلدون إن العصبية والفضيلة تحفظان قوة القبائل، ولكن لا بد لهما من عامل ثالث وهو إما السياسة وإما الدين، وهذا العامل الثالث هو الذي يوجه قوة القبيلة نحو منفعتها الحقيقية ويعين مورد القوة التي تكتسبها القبيلة بالفتح، وبعبارة أخرى يريد ابن خلدون أن يقول إنه مهما كانت القبيلة قوية فإنها في حاجة إلى «مثل أعلى» تقصد إليه وتجعله كعبة آمالها، وقد ضرب مثلا بقبائل العرب قبل الإسلام، ثم انتقل إلى الأمم التي دالت دولتها وغزتها القبيلة القوية المستجدة، وأسهب في شروط الفتح وظروفه وفي الصعوبات التي يلقاها الفاتح، وقرر أن أثر الفاتح في المغلوب يزول بمجرد الفتح ويبدأ الغالب يتأثر بأحوال المغلوب.
وذكر ثلاثة أسباب لسقوط الأمم القوية هي ضعف الأشراف وتشدد الجنود المرتزقة ثم الترف، وقال إن الدولة لا يطول أجلها أكثر من ثلاثة أجيال، وإن لها كالفرد طفولة وشبابا وشيخوخة، ولكن هذا لا يمنع الدولة من السقوط في أول أدوار حياتها. نقول إن هذه النظرية وإن صدقت على الدول الإسلامية فلا تصدق على غيرها، وإن كثيرا من آراء ابن خلدون في السيادة والتغلب والفتح يذكرنا بكتاب الأمير تأليف مكيافيلي الذي نقلناه إلى العربية عام 1912، ولا ريب في أن الفضل في هذه الآراء لابن خلدون؛ لأنه أسبق من حكيم فلورنسا ووزيرها.
وليس هذا المجال مجال نقد فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، ولكننا أردنا تلخيص مبادئه. يرى القارئ أن أهم ما حاوله ابن خلدون في مقدمته الخالدة هو اكتشاف القانون الذي بمقتضاه تكونت المدنية العربية في الغرب. وحاول ابن خلدون باكتشاف هذا القانون أن يضع أساس فلسفة الاجتماع معتقدا - كما اعتقد بعده بستة قرون أوجست كومت - أن حوادث التاريخ هي مصدر الاستنباط والاستنتاج الذي يعتمد عليه العالم الاجتماعي. (راجع تاريخ فلسفة العرب تأليف بوير).
إن حياة ابن خلدون وأخلاقه تجعل الشبه بينه وبين مكيافيلي مؤلف كتاب الأمير شديدا جدا، ولا فرق بينهما في تاريخ مولدهما إلا قرن واحد. وظروف كل منهما في عصره وفي المناصب التي تقلب فيها والأشخاص الذين احتك بهم تكاد تكون واحدة. وقد استفاد كل منهما خبرة وعلما واسعا بأخلاق الناس وقوانين الأمم وأحوالها.
كان ابن خلدون في عصره فذا وأمثاله في كل عصر نادرون. لقد تشبع بفلسفة ابن رشد، واستطاع أن يتملص من كثير من معتقدات أهل عصره، واستطاع أيضا أن يسبق أوجست كونت في شيئين:
الأول:
القول بأن الفلسفة هي علم الموجودات، وهذا الرأي لم يقل به أرسطو المسمى بالأستاذ الأول والمعلم الأول، ولكن قال به أوجست كومت بعد ابن خلدون بستة قرون فابن خلدون في هذه النقطة أعلى إدراكا من أرسطو وأسبق إلى اكتشاف تلك الحقيقة الكبرى من فلاسفة أوروبا إلى أواسط القرن التاسع عشر.
Bilinmeyen sayfa