İslam Filozoflarının Tarihi
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Türler
ولكن ابن رشد يقيم القيامة على الأشعرية لقولهم بهذا الرأي، على أن ابن رشد نفسه لم يتمكن من الإقدام على هذا البحث بدون الالتجاء إلى التأويل الذي نهى عنه وعابه على أرباب المذاهب الأخرى، وذلك في عرض الاستشهاد بالآيات القرآنية التي يظهر فيها التناقض فقال: «فإن قيل: فما الحكمة في ورود هذه الآيات المتعارضة في هذا المعنى حتى يضطر الأمر فيها إلى التأويل وأنت تنفي التأويل في كل مكان؟» وكان جوابه أن تفهيم الأمر على ما هو عليه الجمهور في هذه المسألة اضطره إلى هذا وفي هذا القدر كفاية.
المسألة الخامسة وهي مسألة المعاد، قال إنه مما اتفقت على وجوده الشرائع واختلفت في الشاهدات التي مثلت بها للجمهور تلك الحال الغائبة، وذلك أن من الشرائع من جعله روحانيا، أعني للنفوس، ومنها من جعله للأجسام والنفوس معا.
وإن الشريعة الإسلامية رأت أن التمثيل بالمحسوسات هو أشد تفهيما للجمهور، والجمهور إليها وعنها أشد تحركا، فأخبرت أن الله تعالى يعيد النفوس السعيدة إلى أجساد تنعم فيها الدهر كله بأشد المحسوسات تنعيما وهو مثلا الجنة، وأنه تعالى يعيد النفوس الشقية إلى أجزاء تتأذى فيها الدهر كله بأشد المحسوسات أذى وهو مثلا النار.
والشرائع كلها متفقة على أن للنفوس من بعد الموت أحوالا، وذكر ابن رشد انقسام المسلمين في تلك المسألة إلى ثلاث فرق، وإن بعض هذه الثلاث قد انقسم إلى طائفتين ثم قال: «والحق في هذه المسألة أن فرض كل إنسان فيها هو ما أدى إليه نظره فيها، بعد أن لا يكون نظرا يفضي إلى إبطال الأصل جملة، وهو إنكار الوجود جملة، فإن هذا النحو من الاعتقاد يوجب تكفير صاحبه، فهذا كله ينبني على بقاء النفس أو تنبيه على ذلك.»
وهذا ختام بحث ابن رشد، وقد نبهنا إلى أهم ما جاء فيه وبينا على قدر ما استطعنا وجهة نظر هذا الحكيم العميق الفكر البعيد النظر. (42) تهافت الفلاسفة وتهافت التهافت
لهذين الكتابين شأن عظيم جدا في تاريخ الفلسفة العربية، فأولهما تهافت الفلاسفة ألفه أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، وبفضل هذا الكتاب وكتاب «إحياء علوم الدين» وصفه أنصاره ومريدوه بأنه الإمام، وحجة الإسلام، لأنه نصب نفسه مدافعا عن العقيدة، ومحاميا عن الشريعة ضد الفلسفة والفلاسفة في جميع الأجيال وعلى مر القرون من أول حكماء اليونان، الذين يسميهم القدماء إلى ابن سينا وهو أحدث الفلاسفة عهدا في عصر الغزالي.
وليس هنا مجال الكلام على هذا الكتاب تقريظا أو نقدا، إنما محل الكلام عليه عند فحص مؤلفات الغزالي وترجمته وتلخيص تعاليمه. أما تهافت التهافت فهو الرد الذي دبجه يراع ابن رشد بعد ظهور الكتاب في عالم الوجود بنحو مائة عام. وقد وضع ابن رشد نفسه بالنسبة للفلسفة والفلاسفة في موضع يعادل مكانة الغزالي بالنسبة للشريعة؛ أي إنه نصب نفسه محاميا ومدافعا ومحاربا ومقارعا ونصيرا وظهيرا للحكماء من أول عهد الحكمة اليونانية إلى وقته؛ أي بعد وفاة الغزالي بنحو قرن من الزمان.
فإن الغزالي توفي في مستهل القرن السادس للهجرة، وابن رشد توفي في ختامه، فحق لابن رشد أن يكون حجة الحكمة والحكماء كما كان الغزالي حجة الإسلام، فإن كتاب التهافت بقي مائة سنة قائما يشن الغارة على الفلسفة والفكر الحر ويسفه أحلام الحكماء ويكفرهم ويلعنهم ويتوعدهم بعذاب النار ويستنزل عليهم سخط الخلق وغضب الخالق، ولم يتقدم أحد من فلاسفة الشرق أو الغرب للرد على هذا الكتاب أو تفنيد بعض ما جاء فيه، مما يلحق العار والخزي بالفلاسفة أجمعين.
فلما تصدى ابن رشد لهذا الكتاب بالنقد والتفنيد محا عن أسلافه وأساتذته وتلاميذه وإخوانه من أهل الحكمة وصمة لم يقدر غيره على محوها عنهم، وأعاد الحياة إلى الفلسفة، فاستردت تاجها وبهجتها، بعد أن أدمى الغزالي فؤادها وأصمى مهجتها، ولنبدأ الآن بالكلام على تهافت التهافت، بعد مقدمة وجيزة من تهافت الفلاسفة، تبين اسمه والغرض من وضعه. (42-1) اسم الكتاب وغايته
قال الغزالي: «ابتدأت بتحرير هذا الكتاب، ردا على الفلاسفة القدماء، مبينا تهافت عقيدتهم وتناقض كلمتهم فيما يتعلق بالإلهيات، وكاشفا عن غوائل مذهبهم وعوراته التي هي على التحقيق مضاحك العقلاء، وعبرة عند الأذكياء، أعني ما اختصوا به عن الجماهير والدهماء، من فنون العقائد والآراء.» (42-2) الفلاسفة الأقدمون وقصد الغزالي من تأليف الكتاب
Bilinmeyen sayfa