İslam Filozoflarının Tarihi
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Türler
وأول من غير هذا الدواء الأعظم (أي سلوك ظاهر الشرع) هم الخوارج ثم المعتزلة ثم الأشعرية ثم الصوفية، ثم جاء أبو حامد (يعني الغزالي خصمه اللدود) فطم الوادي على القرى، وذلك أنه صرح بالحكمة كلها للجمهور وبآراء الحكماء على ما أداه إليه فهمه، وذلك في كتابه الذي سماه بالمقاصد، فزعم أنه ألفه للرد عليهم ثم وضع التهافت فكفرهم في مسائل ثلاث (وهي التي سبق ذكرها). ثم قال في كتابه «جواهر القرآن»: إن الذي أثبته في التهافت هي أقاويل جدلية، وإن الحق إنما أثبته في «المضنون على غير أهله»، وهذا كله خطأ بل ينبغي أن يقر الشرع على ظاهره ولا يصرح للجمهور بالجمع بينه وبين الحكمة.
ثم انتقل ابن رشد للمبحث الخامس في معرفة الأفعال، وهي إثبات خلق العالم وبعث الرسول والقضاء والقدر والتحوير والتعديل والمعاد. ويظهر للقارئ أن هذا المبحث هو أكبر المباحث شأنا؛ لأن به محاولة حل مسائل الحياة والكون، بعد أن مهد لها ابن رشد بأبحاثه وفنونه تمهيدا يدل على خطة مرسومة وغاية مقصودة وطريقة مختارة. فقال عن خلق العالم إن الذي قصده الشرع من معرفة العالم هو أنه مصنوع لله ومخترع له، وأنه لم يوجد عن الاتفاق ومن نفسه، وقد سلك الشرع بالناس في تقرير هذا الأصل الطريق البسيطة القليلة المقدمات، التي نتائجها قريبة من المقدمات المعروفة بنفسها أو بالبداهة. وينهي ابن رشد عن سلوك غير هذا النوع من الطرق بالجمهور، ويرمي من يحيد عن الطريق البسيطة في تفهيم الجمهور ومخاطبتهم بالجهل والزيغان. فقد لجأ الشرع إلى دليل قطعي بسيط مبناه على أصلين معترف بهما عند الجميع.
الأول أن العالم بجميع أجزائه موافق لوجود الإنسان ولوجود جميع الموجودات التي ههنا.
والأصل الثاني أن كل ما يوجد موافقا في جميع أجزائه لفعل واحد ومسددا نحو غاية واحدة فهو مصنوع وأن له صانعا. وهذا النوع من الاستدلال هو النوع الموجود في القرآن واستشهد ابن رشد ببعض آيات منها:
ألم نجعل الأرض مهادا * والجبال أوتادا ، ثم قال تعليقا على هذه الآية عبارة تدل على عدم علمه بدوران الأرض وهاك نصها: «إن الأرض خلقت بصفة يتأتى لنا المقام عليها، وإنها لو كانت متحركة أو بشكل آخر غير الموضع الذي هي فيه أو بقدر غير هذا القدر، لما أمكن أن نوجد فيها ولا أن نخلق عليها.» فقول ابن رشد «وإنها لو كانت متحركة» دليل قاطع على عدم علمه بأن الأرض متحركة في الواقع، فكيف يكون تعليل ابن رشد لهذا الدليل لو كان عالما بحركتها ودورانها؟ وهل يصلح هذا الدليل لإقناع الجمهور في كل العصور، حتى عصرنا هذا الذي أصبح برنامج التعليم المدرسي فيه أوسع من سائر علوم القرون الوسطى؟
واستمر ابن رشد في الاستدلال بسكون الأرض على حكمة الخلق فقال: «وأما قوله تعالى «والجبال أوتادا» فإنه نبه بذلك على المنفعة الموجودة في سكون الأرض من قبل الجبال، فإنه لو قدرت الأرض أصغر مما هي، كأن كانت دون الجبال، لتزعزعت من حركات باقي الاسطقسات؛ أعني الماء والهواء ولتزلزلت وخرجت من موضعها.» على أن ذكر هذه النصوص لا ينقص قدر ابن رشد؛ لأنه لم يكن عالما طبيعيا ولا فلكيا ولا رياضيا، بل كان فيلسوفا ولا لوم عليه إذا لم تصل إليه في عصره وفي وطنه وبلغته تلك الحقائق العلمية التي اكتشفت بعده بأجيال، ولكننا أوردنا هذه الملاحظة لتقدير قيمة الدليل الذي قدمه ابن رشد بحسن نية وجعله ميزانا لإقناع الجمهور بخلق العالم. ولعل مبالغة ابن رشد في التبسط في التدليل للعامة، وشدة رغبته في إقناع الجمهور بأمور سبق ثبوتها في أذهانهم؛ هو الذي دعاه إلى الطعن في طرق الأشعرية الذين حاولوا التدليل ببراهين مركبة تنطبق على عقلية أرقى نوعا من عقلية الجمهور، لأن ابن رشد يعتقد اعتقادا جازما بأن «ليس يمكن للجمهور أن يتصوروا معنى ليس له مثال في الشاهد».
من أجل هذا يقول ابن رشد إن الآيات
وكان عرشه على الماء
و
خلق السماوات والأرض في ستة أيام
Bilinmeyen sayfa