Edebiyat Bilimi Tarihi: Batılılar, Araplar ve Victor Hugo
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Türler
وعدا هذا ففي التاريخ الذي انتشرت فيه الديانة المسيحية حدث في العالم انقلاب كبير لم يتيسر معه أن لا يحصل انقلاب في العقول؛ لأن الانقلابات التي حدثت قبل ذاك التاريخ كانت عبارة عن سقوط دولة، وقيام أخرى ولم يكن لذلك تأثير كبير في قلوب العموم؛ بل المصيبة الحاصلة من تلك الانقلابات كانت كالصاعقة لا تصيب إلا الأماكن العالية، والمقامات المرتفعة فعبروا عنها بأشعار الحماسة.
ففي الاجتماع الإنساني القديم كان الفرد سافلا حتى كانت المصائب لا تؤثر عليه؛ إلا إذا نزلت بيته وأصابت أهله، ولا يعرف الواحد من أهل تلك القرون الخالية البؤس ولا التعاسة خارج الآلام البيتية، ولا كان يسمع في تلك الأجيال بأن المصائب العمومية الحادثة في المملكة تمس المعيشة الفردية؛ فلما حدثت تلك الانقلابات الكبيرة إبان انتشار الديانة المسيحية، وأصبحت الأمم الأوروبية في هرج ومرج يتلاطمون كالأمواج في البحر العجاج، وانقرض التمدن القديم باستيلاء الأقوام البربرية على ممالك الرومان حدث من ذلك تأثير في قلوب العامة، وانفعال في نفس كل فرد من أفرادهم، وأخذوا يفكرون في مصائب الدهر ومرارة الحياة، وعرفوا بأن هذه الدنيا الفانية ما هي إلا هزر ولعب وكدر وتعب لا ينبغي للعاقل أن يغتر بها. فهذا الشعور الذي ولد اليأس في قلوب المشركين كما علم من حال الأديب الروماني قاتون، ولد في قلوب المنتصرين الماليخوليا وهي السوداء.
وفي ذاك التاريخ أيضا تولد فكر التجسس والاختبار؛ لأن تلك الوقائع العظيمة كانت أشبه برواية كبيرة مثلت على مرسح الدنيا، وشهد المتفرجون عواقبها المدهشة، فهذه الوقائع عبارة عن وثبة وثبها الشمال على الجنوب، وتغير بسببها شكل العالم الروماني، فأصبح يقاسي نزاع الموت وبلغت روحه التراقي، فلما مات هذا العالم قام جمهور من النحويين والبيانيين والسفسطائيين يتقاتلون على جنازته، ويقلبون جسده الذي لا حراك به، ويشرحون ويفسرون ويعبرون ويحللون ويناقشون، ويجادلون كأنهم ذباب يتساقط على جيفة التمدن القديم، فمن سعادة هؤلاء المشرحين للعقول، وحسن حظهم أنهم وجدوا جيفة يجرون عليها أول تجاربهم، ويسبرون قروحها بمسبارهم، فكان أول جسد شرحوه جسد أمة ميتة.
وعلى هذا الوجه نرى الآن ظهور جنية الماليخوليا، والتفكر بجانب عفريت التحليل والتضاد، ونجد في أحد طرفي هذا الدور الانتقالي البياني الشهير لونجين (210-273م)، ولد في حمص من سوريا، وألف باليونانية في علم البيان رسالة الإعجاز التي ترجمها بوالو للفرنساوية.
ونجد في الطرف الآخر القديس أوغوستين (354-430م) صاحب المؤلفات اللاتينية، فجميع أدباء القرون الوسطى استقوا أفانين العلم والأدب من حياض الروم في القسطنطينية، ولا يجوز لنا احتقار هذا الدور الانتقالي من أدوار الأدب؛ لأن فيه النطفة التي تخلقت وولدت وكبرت حتى صارت عروسا نتمتع اليوم ببديع جمالها. فكتبة ذاك الدور - ونرجو هضم هذا التعبير الحر مع أنه سوقي مبتذل - زبلوا رياض الأدب ليجتني المتأخرون ثمارها.
فحيث كان هناك دين جديد، وأمة جديدة اقتضى أن ينشأ على هذين الأساسين أبنية جديدة في الشعر؛ لأن شعر المتقدمين كان حماسة صرفا، وبسبب تأثير الدين الوثني والفلسفة القديمة كان الشعراء لا يدرسون من الطبيعة الواجب عليهم تقليدها إلا وجها واحدا وهو وجه الجمال، وينبذون وراء ظهورهم جميع ما لا علاقة له بشيء من نموذج الجمال بدون أن تأخذهم رأفة على صناعة الأدب المقتضى لها تقليد ما في الطبيعة من خير أو شر، فهذه الطريقة كانت في بادئ أمرها معتبرة. ولكن باضطرادها على قياس واحد زال رونقها وذهبت طلاوتها، ونقصت قيمتها كما هو شأن كل ما اضطرد على وتيرة واحدة، فلما ظهر الدين المسيحي جر الشعر إلى الحقيقة ووضعه في مكانه، وصارت قريحة الشاعر النصراني ترى الموجودات بعين أوسع وأرق مما كانت تراها قريحة الشاعر الوثني، فشعرت هذه القريحة الجديدة بأن المخلوقات ليست كلها جميلة باعتبار الإنسان، بل الشنيع منها بجانب الجميل والمستظرف بقرب المستقبح، والشر أكثر من الخير، والظلام سابق النور، والجد مخلوط بالهزل، وكلام السخرية وراء الإعجاز بالفصاحة، فقالت القريحة في نفسها:
أحكمة الشاعر النسبية الجزئية أحسن من حكمة الخالق المطلقة الكلية؟
أبلغ من حد الشاعر أن يقوم ما اعوج على زعمه من خلق الله؟
وهل الأبتر والأجدع والأجذم أجمل من كامل الأعضاء؟
وهل يحق لصناعة الأدب أن تنزع بطانة الثوب الذي تردت به الإنسانية، والحياة والمخلوقات؟
Bilinmeyen sayfa