47
أهلها، وضمهم إلى عساكره التي أرسلها إليه الخليفة، وكانوا ثلاثة آلاف مقاتل، فدافع عن المدينة حتى طرد القرامطة فعادوا بالفشل، ولكنهم انتصروا على جيوش الخليفة بالبحرين. ثم انتشرت القرامطة في سنة 289ه - في السنة التي مات بها ببغداد الخليفة المعتضد وتولى مكانه ابنه المكتفي - في أطراف الكوفة، فوجه الخليفة إليهم جيشا فانتصر جيش الخليفة، وقتل منهم عدد كبير، وأسر زعيمهم أبا سعيد وجماعة من أصحابه، وجيء بهم إلى بغداد، فعذبهم الخليفة، فمات أبو سعيد الهجري تحت العذاب، وقتل قائده أبو الفوارس مع أصحابه المأسورين، وعلى أثر ذلك أمر القرامطة عليهم أبا طاهر سليمان بن أبي سعيد، وحملوا على البصرة وحاصروها في السنة نفسها - 289 - ودامت الحروب بينهم وبين البصريين ثمانية عشر يوما، فانتصر البصريون، وعاد القرامطة بالفشل والخسران.
وتوفي الخليفة المكتفي بالله في سنة 295ه وتولى الخلافة بعده المقتدر بالله، فولى على البصرة في سنة 299ه محمد بن إسحاق بن كنداج، وفي أوائل أيامه زحف القرامطة على البصرة بقيادة زعيمهم أبي طاهر سليمان، فوصلوا البصرة على حين غفلة من أهلها في يوم الجمعة، والناس في الصلاة؛ فدخلوا المدينة، وقتلوا من صادفهم من أهلها، فأسرع الأمير محمد وجمع الجنود فقاتلهم حتى طردهم. (ج) الفتن في البصرة وهجوم القرامطة أيضا
لم تكد البصرة تستريح من هجمات الخوارج حتى قامت فتنة أهلية فيها في سنة 305، وكانت أولا بين قائد الجيوش الحسن بن خليل وبين أمير البصرة، فانحاز الأهلون إلى الأمير، فحقد القائد فهجم عليهم وهم في المسجد يصلون فقتل عددا كبيرا منهم، فثاروا عليه وقاتلوه؛ فحدثت فتنة كبيرة داخل المدينة. فلما وصل الخبر إلى الخليفة ببغداد اكتفى بعزل القائد، فعزله وأرسل بدله أبا دلف هاشم بن محمد الخزاعي.
وبعد تلك الفتنة أعطى الخليفة المقتدر بالله ولاية البصرة بالضمان إلى الوزير حامد بن العباس في سنة 307ه فطمع هذا الأمير في أموال الناس حتى ضاق الحال بالبصريين، وغلت الأسعار، وتذمر الأهلون من أميرهم، فأصدر الخليفة أمرا بنسخ ذلك الضمان.
ثم وجهت ولاية البصرة في 310ه إلى سبك المفلحي، وفي أيامه زحف على البصرة جمع كبير من القرامطة - وقيل: كانوا ألفا وسبعمائة مقاتل - يقودهم زعيمهم أبو طاهر سليمان، فوصلوا البصرة ليلا، وكانوا قد صنعوا سلالم من الشعر؛ ليتسلقوا بها سور البصرة، فوضعوها على السور وصعدوا إليه، وفتحوا باب المدينة، وقتلوا حراسها، فلم يشعر أمير البصرة سبك المفلحي بهم إلا في السحر، فأسرع فركب إليهم بجيشه فقتلوه وفرقوا جيشه، ثم وضعوا السيف في البصريين، ودامت المعارك بين الطرفين أحد عشر يوما داخل المدينة، فعل القرامطة في خلالها أنواع المنكرات من نهب وسلب وقتل وتخريب، ثم انسحبوا.
وعلى أثر هذه الحادثة ولى الخليفة المقتدر على البصرة محمد بن عبد الله الفاروقي في سنة 311ه فدخلها بعد انسحاب القرامطة منها بأيام، وكان قد قتل في هذه الحادثة من البصريين ألف وخمسمائة رجل، ووقع في الأسر منهم بيد القرامطة من النساء والأطفال عدد كثير، قيل: كان ألف امرأة وستمائة طفل.
وفي أيام إمارة محمد بن عبد الله الفاروقي في سنة 313ه قطع القرامطة طريق البصرة، فكتب محمد إلى الخليفة يخبره بذلك، فأصدر الخليفة أمرا إلى ولاة المدن يأمرهم بالتأهب لقتال القرامطة، فبلغ ذلك القرامطة فانسحبوا. (د) ولاية ابن رائق على البصرة
دخلت سنة 316ه فأعطى الخليفة المقتدر بالله ولاية البصرة بالضمان إلى محمد بن رائق، فسار إلى عمله، وقاتل القرامطة القريبين منه حتى أبعدهم، ومكث على ولايته حتى مات الخليفة المقتدر في سنة 320ه، وتولى بعده القاهر بالله، ثم تولى الخلافة الراضي بالله في سنة 322ه في الوقت الذي كان فيه أمر الخلافة قد ازداد ضعفا، وتسلط الأتراك ببغداد على شئون الدولة، وقلت الأموال، وتغلب الولاة على أطراف المملكة، واستقل بنو حمدان بالموصل وديار بكر وربيعة ومضر؛ فاستبد ابن رائق بالبصرة وواسط وأعمالهما، وامتنع عن إرسال الخراج السنوي إلى دار الخلافة، واستخلف على البصرة محمد بن يزداد، وأقام هو بواسط؛ ليكون قريبا من بغداد. (ذ) استيلاء البريدي على البصرة
عندما ضاق الحال بالخليفة الراضي لقلة الأموال قلد ابن رائق إمارة الأمراء ببغداد في سنة 324ه، فاستبد ابن رائق حتى لم يبق للخليفة غير الاسم والخطبة، وعلى أثر ذلك أرسل حاكم الأهواز أبو عبد الله محمد بن البريدي غلامه إقبالا في ألفي مقاتل لأخذ البصرة من ابن يزداد، فساعده البصريون؛ ليتخلصوا من ظلم ابن يزداد الذي أساء السيرة معهم، وأخذ أموال مثريهم بالباطل، وأكثر من الضرائب حتى اضطروا إلى الالتجاء بابن البريدي، واستنجدوا به، وبعد مناوشات انتصر إقبال، ودخل البصرة ظافرا في سنة 325ه، وبعد قليل سار إليها ابن البريدي، وكتب إلى الخليفة يطلب منه توجيه البصرة إليه، فأصدر الخليفة منشوره بذلك، فدخلت البصرة في ضمان ابن البريدي؛ فخفف عن أهلها الضرائب والمكوس، ولكنه لما استتب أمره ورسخت قدماه اضطهد الأهلين وظلمهم حتى اضطروا إلى رفع الشكوى إلى الخليفة، وأخبروه بما يقاسونه من ظلم ابن البريدي، ولما كان الخليفة يومئذ ضعيفا لا يقدر على شيء أصدر أمره بتوجيه ولاية البصرة إلى القائد بجكم التركي ليأخذها بالسيف، فسار بجكم بعشرة آلاف من الأتراك في سنة 326ه وبعد عدة وقائع استولى بجكم على البصرة، وطرد منها ابن البريدي.
Bilinmeyen sayfa