Babil ve Asur Tarihi
تاريخ بابل وآشور
Türler
ومنذ ذلك الحين استتبت في أور الراحة والسكينة لخلوها عن قلاقل الملك وانحياز من يقصدها بالشر إلى مقام الملك في بابل، غير أنه فاتها بعد ذلك ما كان يتوارد إليها من أسباب الغنى والثروة وانتقل كل ذلك إلى مدينة بابل، وآخر من يذكر من الملوك على آثارها نبونيدوس وكانت وفاته سنة 540 قبل الميلاد، ولم يكن له آثار كما لغيره ممن سلفه، وأور اليوم خراب تام ويعرف موقعها بالمغاور، وقد كشف فيها أهل البحث من الإفرنج قبورا قديمة العهد جدا وهي في داخل الأرض مبنية بالآجر طول الواحد منها سبع أقدام في ثلاث عرضا وخمس سمكا، ومعظم ما بقي من أخربتها بقايا هياكل لسين وهو إله لهم سيذكر بعيد هذا، ولعل ما يجاور أور من البلاد إنما سماه اليونان باسم مسيني اشتقاقا من اسم هذا الإله لكثرة تماثيله فيها. أما تسمية هذه المدينة بأور ففيها أقوال أشهرها أنها سميت بذلك لحصانتها، ومعنى أور الحصن، وقال آخرون: إنها سميت بذلك لكثرة هياكل النار فيها، ومعنى أور في لغتهم النار ولعله الأصح، وأور هذه في رأي أكثر المحققين أنها كلنة القديمة، وموقعها في المكان الذي يقال له المغاور على ما أسلفنا ذكره وذلك قرب ملتقى نهري دجلة والفرات، ومنهم من يقول إنها مدينة أورفا الحالية استدلالا بقرب موقعها من حران مع تقارب الاسمين، وهو منقوض بما أوردنا ذكره من شهادة الآثار، وقيل غير ذلك مما لا فائدة من استيفائه، والله أعلم.
ذكر مدن أخرى ببابل
ثم إنه ورد في الفصل العاشر من سفر الخلائق ذكر أربع مدن في أرض شنعار، وهي بابل وأرك وأكد وكلنة، وإن هذه المدائن كانت أول ملك نمرود ولم يذكر أن نمرود هو بانيها؛ ولذا يصح أن يقال إنها كانت قبله وأن الطورانيين وهم أول من وفد على مملكة بابل هم الذين ابتنوها، والذي ظهر بعد مطالعة الآثار أن هذه المدن الكبيرة ما برحت عواصم لملوك تلك البلاد وعلى الخصوص في بعيد الأزمنة، لانفرادها إذ ذاك باتساع الثروة وكثرة العمران وانحطاط سائر المدن المشهورة عما بلغته من المنعة والأبهة، وكان فيها مقام الأمراء وأعيان الدولة، وكان من تبوأ منهم أريكة الملك يجعل سريره في المدينة التي ولد فيها ويسمي نفسه ملك الأقاليم الأربعة، يعني المدن الأربع المذكورة؛ إشارة إلى أنها كلها في حوزته وتحت ظله وإن لم يكن مقامه إلا في إحداها، ولم تلبث هذه المدن عقب أن بدأ فيها الخراب إلا قليلا حتى صارت قاعا صفصفا بعد أن خدمها العز نحو عشرين قرنا من الدهر، ولم يبق منها إلى عهدنا هذا سوى رسوم دوارس لا تزيد على معرفة مواقعها القديمة في الجملة. فأما تمييز بعضها من البعض الآخر بأسمائها فلم يبق عليه دليل، وإنما الناس يأخذون في ذلك بالظن، فمن قائل إن مدينة أرك هي المعروفة اليوم بورقاء أو أرقاء وموقعها على عدوة دجلة عند حدود بابل وشوشانة، وذهب قوم إلى أنها هي التي كانت تعرف عند الأقدمين بإيذسا، وقيل بل هي أورخوه التي ذكرها جماعة من متقدمي المؤرخين، وقالوا إنها على نحو أربعين ميلا من بابل، ولعل الصحيح كما قاله بعض المحققين إنها كانت في موقع الأخربة المعروفة اليوم بالأراق ومنها اشتق اسم العراق، وموقع هذه الأخربة بين مدينة الحلة وملتقى نهري دجلة والفرات وجميعها قديمة عهد بالخراب، ومعظمها بقايا هياكل لسين وبعض أبنية أقامها ملك من ملوكها كان يقال له سين سيد، وسين عندهم اسم للقمر وكانوا يعبدونه في أرك وما يجاورها، ولذلك كانوا يسمون أرك مدينة القمر، وكانت له فيها هياكل كثيرة، وكان أكثر الملوك الذين تبوءوا سريرها في ذلك العهد يقرنون أسماءهم بلفظة سين تبركا كسين سيد المذكور وقمر سين ونارام سين، إلى غير ذلك.
وأما أكد فموقعها إلى الشمال الشرقي مما بين النهرين وهي التي يقال لها نيبور؛ أي مدينة الإله الكبير وتسمى أيضا نيغار؛ أي مدينة إله الأرض يعنون به ملك الملوك؛ وذلك لأن ملوكها حينئذ كان لهم التقدم على سائر ملوك تلك البلاد، وقد وفق فيها منقبو الإفرنج إلى الوقوف على بقايا هيكلين من بناء أورخامس، أحدهما لإله الجلد والآخر لبيليت تاءوث أم الآلهة، وهناك أخربة شتى غير هذين الهيكلين يقولون إنها من نحو أربعين قرنا، وعليه فيكون عهدها قبل استيلاء العرب على بابل بزمن بعيد، وفي جملة ما وجد فيها حلي معدنية ضخمة الأشكال تدل على تقادمها، ومن الناس من يزعم أن أرك هذه هي مدينة نصيبين استنادا إلى تقليدات كانت عند اليهود في أيام إيرونيموس، وفي ذلك كله أقوال وآراء شتى لم يصل إلى تحقيقها أرباب البحث فنقتصر منها على ما ذكر، وأما كلنة فهي التي يطلق عليها أهل البلاد اسم المدينة وأكثر المحققين على أنها أور الكلدانيين على ما قدمناه قريبا في الكلام على هذه المدينة.
ومن مدن بابل التي كشفها المتأخرون مدينة صفيرة ذكروا أن بانيها الأول أورخاموس وكثير من أخربتها باق إلى اليوم، وقام بعده ساغركتياس وهو الذي بنى فيها الهيكل العظيم الذي ذكره بيروسوس وقال: إنه مبني في نفس الموضع الذي خبأ فيه أكسيسوثروس حين الطوفان السجلات المسطر عليها تاريخ الخليقة وأخبار الأيام الأولى وأسرار التنجيم والكهانة وغير ذلك، وقد كشف هذا الهيكل بعض سياح الإفرنج فوجدوا في جملة ما كان فيه آنية من المرمر الأبيض الخالص، وهي مزخرفة غاية الزخرفة وعليها اسم نارام سين ومعناه المبتهل إلى سين، وهو من ولد ساغر كتياس مشيد الهيكل المذكور، وقال الباحثون: إن الكتابة التي وجدت على الآنية المذكورة هي أشبه بالكتابة الموسومة بها أبنية أورخاموس، فاستدلوا بذلك على أن هؤلاء الملوك طائفة واحدة.
ومنها مدينة إيس أو إيوبوليس وموقعها على الضفة الغربية من النهر المنسوب إليها وهو يدفع في الفرات على مقربة منها، وأشهر من ذكرها من القدماء هيرودوطس فقال: إنها تبعد ثمانية أيام عن بابل وموقعها على نهر يسمى باسمها يجر ماؤه كثيرا من الحمر، ومنه كان البابليون يحملون الحمر لبناء أسوار مدينتهم. ا.ه.
وقد دثرت هذه المدينة من زمن مديد وكان أعظم أسباب خرابها مجاولة أمراء العرب فيها منذ أيام الجاهلية، وعلى موقع أخربتها اليوم قرية حقيرة تعرف بهيت وفيها كثير من النخل على ضفتي النهر ومن حولها الحمر، وفيها ينابيع من النفط قد اشتهرت بسببها، وسكانها يقاربون ألف نسمة ومعظم أبنيتهم من الحصى المتلاحمة بالحمر واللبن.
ذكر مملكة آشور
آشور بتشديد الشين إقليم كبير متسع من آسية تعرف ناحيته اليوم بكردستان، وهو كريم البقعة غاية في الخصب يخترقه أنهار أربعة كبيرة أحدها نهر دجلة، وليس في ذلك الإقليم أحسن منظرا منه ولا أقوى اندفاعا ولا أكثر سرعة في سيره يضاهي الفرات، وبعده نهر أربيس ونهر غرغوس ونهر زابيس، ويتخلل هذا الإقليم جبال متشعبة وأودية كثيرة كانت مشحونة بالبساتين الأنيقة والجنات النضيرة، إلا أن أكثرها اليوم قد عاد قفرا غامرا، وكان لآشور من المدن الكبيرة والقلاع الحريزة والضياع الخصيبة شيء كثير جدا، وكانت في أول أمرها ضيقة البقعة قليلة العمران، وفيما ذكره موسى النبي - عليه السلام - ما يستفاد منه أن حدها الغربي لم يكن يتجاوز دجلة، وليس في كلامه ما يدل على أنها كانت مملكة في ذلك العهد، ولكنها عقيب ذلك أخذت تتوسع بكثرة الأبنية والسكان ومد العمارة، حتى بلغ طولها خمسمائة ميل في عرض نصفها فيما يقال على التقريب، فتكون مساحة أرضها ما ينيف على مائة ألف ميل مربع.
وقد خبط المتقدمون في الكلام على آشور خبطا عجيبا لا يكاد يتخلص منه تحقيق تاريخها، وأغرب ما هنالك أن ديودورس لم يفرق بين آشور وسورية؛ لأنه يقول في بعض كلامه عن هذه المملكة ما معناه أن نينوس رام أن يخلد لنفسه ذكرا ويصنع ما يعقبه فخره، فأخذ في بناء مدينة كبيرة في سورية يقر فيها سرير ملكه ويجعلها مباءة له ولأعقابه، بحيث لا يكون لها شبيه ولا يتخيل بناء مثلها على ممر الأحقاب. فحشد إليه العملة والصناع من طوائف شتى وبنى أسس المدينة على شكل مستطيل، ثم حوطها بسور أكثر ما بلغ طوله 150 إستادة وأقل ما كان عرضه 90 إستادة، فيكون طول السور أربعمائة وثمانين إستادة، وكان ارتفاعه مائة قدم، وثخنه بحيث تجري عليه ثلاث من العجلات صفا واحدا، وابتنى على السور بروجا تبلغ ألفا وخمسمائة عدا، وهي تعلو السور بمائة قدم وارتفاعها من الأرض مائتا قدم. قال ولما أتم نينوس هذه المباني ودعا الناس لسكنى المدينة سماها نينوى باسمه، والتقى فيها خلا الآشوريين وهم أعيان المدينة أمم وقبائل شتى تتباين مذهبا ومشربا، وما لبثت المدينة إلا يسيرا حتى صارت من أشهر المدن انتهى ببعض اختصار. وقال هيرودوطس في وصفه لآشور: إنها تشتمل على كثير من المدن الكبيرة، وإن أعظم تلك المدن مدينة بابل، وقد اتخذها ملوك البلاد عاصمة لهم منذ خراب مدينة نينوى. ا.ه. فعد بابل من جملة مدن آشور، وإجماع المحققين على خلافه، ثم ذكر أن بابل إنما اتخذت مباءة للملوك منذ خراب نينوى، والذي نعلمه أن غير واحد من ملوك الكلدان في بابل وملوك آشور في نينوى كانوا متعاصرين في آن واحد.
Bilinmeyen sayfa