Babil ve Asur Tarihi
تاريخ بابل وآشور
Türler
وفي تلك الغضون ائتمر زعماء ميغرون وفئة من أشرافها بملكهم بادي ليقتلوه؛ لأنهم نقموا عليه ميله إلى آشور واحترامه لسطوتها فحملوه إلى حزقيا ملك يهوذا وسلموه يده، وكان لسكان ميغرون طمع في مظاهرة ملوك مصر والحبشة لهم إذا شبت الحرب بيني وبينهم، فتأهبوا جميعا لمنازلتي وحشدوا جيوشهم من كل أوب وخرجوا إلي بخيلهم ورجلهم، فالتقينا في بقعة إيلسيكا والتحم بيننا القتال، فكانت العاقبة لي عليهم فبددت جموعهم وأثخنت فيهم قتلا وجرحا وأسرت منهم وغنمت ما لا يدخل في نطاق حصر، وبعد أن تمزقوا من أمامي كل ممزق وانهزم بنبالي ميروي المصري وولده أقبح هزيمة، وقد قتلت حاميتهما وأوشكا أن يقعا في يدي انثنيت إلى ميغرون، فقتلت من بها من الأكابر وزعماء الأحزاب وقبضت على أهل الفتنة فبعتهم عبيدا. ثم أرسلت إلى أورشليم في طلب بادي ملكهم فأعدته إلى ملكه، فأقام في ظل بأسي وزاد يقينا أن رأيه في لم يكن إلا صوابا.
هذا ما كان من أمر أولئك الملوك وأما حزقيا اليهودي، فبقي شامخا بأنفه ممتنعا من الاستسلام لدولتي استعظاما منه لأمر نفسه واستخفافا ببأسي ومقدرتي، وكانت له أربع وأربعون مدينة محصنة وعلى أسوارها من الأبراج المنيعة ما يفوت العد. فدهمته بجيش كالجراد المنتشر وخيمت حول تلك المدن وبنيت عليها المتارس وسددت إليها آلات الحصار، وما زلت أضربها بما أوتيت من البطش وثبات العزيمة حتى أذقتها من البلاء أمره ومن الضنك أشده، ولم أولها فترة حتى فتحتها عنوة ودخلتها بسيفي وأعملت فيها النار والسلاح، وانبث رجالي في كل وجه يسبون وينهبون حتى لم يبقوا ولم يذروا. فكان فتحا كبيرا لم يسمع بمثله فيما مر من الدهر، وكان جملة ما سبيته وغنمته مائتي ألف نفس ومائة وخمسين نفسا من كبار وصغار رجالا ونساء، ومن الخيل والحمير والبغال والإبل والبقر والشاء وسائر الغنائم والأموال ما لا يحصى عدده ولا تقدر جملته، وسقت هذا العديد كله إلى آشور وهو المصداق لما كان من ذلك الفتح العزيز والفوز الجليل.
وبعد ذلك وجهت الحملة إلى مدينة أورشليم دار الملك حزقيا، فحبسته في داخل المدينة كما يحبس العصفور في القفص، وابتنيت في أرباض المدينة أبراجا كثيرة وبثثت رجالي حول السور، فإذا خرج واحد من المدينة تخطفوه، وفي تلك الأثناء استعملت على المدن التي افتتحتها بفلسطين ولاة من أشياعي وهم ميطنتي ملك أسوط وبادي ملك ميغرون وأسما بعل ملك غزة. فأما ما كان من أمر حزقيا فإنه لما رأى بأسي وما أحاق به من الخطر الشديد ضاقت عليه مذاهب النجاة ولم يجد للثبات سبيلا، فأوفد علي رسله يعرضون علي المهادنة والصلح وأن أضرب عليهم ما شئت من الأموال، ففعلت وجاءوا نينوى دار سلطنتي ومقر محكمتي، ووضعوا بين يدي ثلاثين وزنة من الذهب وأربعمائة وزنة من الفضة وكثيرا من المعادن الثمينة والحجارة الكريمة واللؤلؤ والياقوت الكبير والعروش الملكية والكهرباء الخالصة وسروج الجلد وجلود البقر البحرية والأخشاب المتنوعة، ومنها خشب الأبنوس والجواري الحسان والعبيد الكثيرين ذكرانا وإناثا. ا.ه.
وفي أخبار ملوك يهوذا ما يؤيد صدق هذا الخبر، إلا أن سنحاريب طوى كشحه عن ذكر الفشل الذي لقيه عند قصده لأورشليم في المرة الثانية، فإنه بعد أن عاهد حزقيا على السلم عاد فنكث عهده ووجه عسكره على فلسطين وأم أورشليم وفيها حزقيا فحاصرها حصارا شديدا، وملخص ما جاء في الكتاب أنه لما اشتد الأمر على حزقيا وسكان المدينة وبلغ منهم الضنك والضيق، وتمادى قواد آشور في الوعيد والتهويل على مسمع من الشعب وشتموا إله إسرائيل، فزع الملك وبطانته إلى أشعياء بن آموص النبي فدعا الله سبحانه وتعالى، فأرسل ملاكه فقتل من جيش آشور مائة وخمسة وثمانين ألفا، فلما أصبح سنحاريب إذا جيشه جثث أموات فنهض ليومه وقفل راجعا إلى نينوى. ا.ه. وكان ذلك نحو سنة 698 قبل الميلاد.
وعاد سنحاريب بعد ذلك فلم شعث دولته وجدد رونق ملكه، ولما استجمعت له أسباب العزة والصولة جرد جحافله وسار بها إلى بابل مدينة الفتن فواقعها مرة أخرى، وكان السبب في ذلك أن سنحاريب لما قهر بابل في النازلة الأولى ولى عليها رجلا من أوليائه يقال له بعليبوس، فاستمر أمرها في يده إلى أن كانت نكبة سنحاريب عند أورشليم، وعاد بالفشل والخسران فاغتنم مرودخ بلأدان تلك الفترة وحدثته نفسه باسترجاع الملك، فأخذ في أسباب ذلك وحشد أولياءه وأتباعه وزحف على بابل بجمع كثير، فاستبشر البابليون بعودته وتغيروا عن طاعة بعليبوس وجاهروا بالفتنة والهرج، واتصل الأمر بسنحاريب فبادر بعدده وعدده ودهم بابل بجيش لا يحصى، فبرز إليه مرودخ في طليعة أصحابه والتحمت الحرب بين الفريقين أياما وآخر الأمر كانت الغلبة لسنحاريب، فانهزمت جيوش الكلدان وتمزق سوادهم بعد أن هلك منهم خلق كثير، وفر مرودخ بلأدان وغمض خبره آخر الدهر. ثم دخل سنحاريب بابل فاستأصل منها أعراق الفتنة ومهد السكينة والطاعة، واستخلف عليها ولده آشور ناردين وهو بكر أبنائه.
ولما فرغ سنحاريب من أمر بابل وجه غارته ناحية المشرق، فأمعن في البلاد ووطئ من الأقاليم ما لم يبلغ إليه أحد ممن سلفه، حتى انتهى إلى داي فدوخ تلك الأرض جملة وأكثر من إراقة الدماء وإتيان الفظائع وشنع وسبى ونهب وهدم كثيرا من المدائن والمعاقل وضرم عامتها بالنار، وله على بعض الآثار في ذكر هذه الغزاة ما تعريبه: إني ملكت الرجال والدواب والغنم والبقر وافتتحت المدائن والقرى، ولم أفارقها حتى غادرتها حطاما.
واستقرت البلاد بعد ذلك برهة طويلة صماء من زعازع الحروب وفديد الجيوش وصلصلة الحديد، واستولت فيها الدعة والسكينة وعلا طالع سنحاريب إلى أوج سعده وعظم قدره في العيون والمسامع وتمكنت هيبته في القلوب، ووقع إجماع المؤرخين على أنه لم يقم في ملوك آشور من ضاهاه سطوة وإقداما ولا داناه عزة وسلطانا، وفي تلك الأثناء فتق له عقله أن يجدد بناء نينوى ويجعلها بحيث لا تقارنها مدينة في العالم، فشرع في حشد أرباب الصناعة من البنائين والنجارين والنقاشين وغيرهم، وشيد فيها من المباني العظيمة والهياكل الرفيعة والقصور الأنيقة والبروج الحصينة ما لا يتأتى لأحد وصفه، وزينها جميعها بالزخارف البديعة والنقوش الجميلة حتى فاقت ما كانت عليه من قديم حالها، وقد تقدم لنا عند وصف هذه المدينة زيادة بيان، فاقتصرنا ها هنا عن المزيد.
ولما كانت سنة 693 توفي آشور ناردين بن سنحاريب، فخلفه على سرير بابل أرجيبعل، وكانت مدة استيلائه عليها حولا واحدا، ثم دهمته المنية فأفضى الأمر بعده إلى مزيزي مرودخ، وكان بابلي الأصل فتفاقمت على عهده البلابل والمشاغب، وجعلت أسباب الفساد تتزايد على الأيام، حتى اشتد الخطب وتخوف سنحاريب سوء العاقبة فلم يبق في رأيه إلا أن يستأنف الكرة عليهم ويبطش بهم مبادرة لامتداد الفتنة قبل اتساع الخرق والعجز عن تلافيه، وكان الفريق الأقوى ممن خرجوا عن طاعته طوائف من الكلدان على أطراف البلاد مما يلي خليج فارس، فبدأهم بالحملة وفرق عصائبهم ونكب زعماءهم ومثل بهم تمثيلا فظيعا، وجال في تلك الأنحاء فأكثر فيها الدمار وإراقة الدماء وهدم المدائن والصياصي حتى ترك البلاد بسيطا غامرا، وبينا هو مشتغل بأمر هؤلاء زادت الفتنة احتداما في بابل وانتهزوا منه تلك الفرصة، فاجتمع لفيفهم وبايعوا بالملك عليهم رجلا منهم يقال له سوزوب وأنفذوا إلى كدرناكنتا ملك عيلام يستنجدونه على سنحاريب، فما كذب أن أجابهم بالجيش والسلاح وانضموا كلهم يدا واحدة وزحفوا لمنازلة سنحاريب، فكانت حربا هائلة تطاير شررها في الآفاق وكثرت فيها المصارع والدماء، وما زال السيف يعمل في الجيشين حتى أجلت العاقبة عن فشل الكلدان، فانهزموا شر هزيمة وتتبعهم سنحاريب بجنوده فأفنى منهم خلقا لا يحصى وقبض على سوزوب وساقه أسيرا إلى نينوى.
وبعد هذه الواقعة ركب سنحاريب وسار إلى عيلام لينتقم من كدرناكنتا، فأوغل في البلاد وأثخن فيها ودمر حتى رجفت منه الفرائص وطأطأت له المناكب، وجعل لا يمر بمدينة إلا استسلم أهلها في وجهه وغدا أعزتهم أذلة بين يديه حتى بلغ جملة ما افتتحه أربعا وأربعين مدينة من المدائن الكبيرة، ولسنحاريب على بعض الآثار يصف غارته هذه من جملة كلام ما تعريبه: وسطع من تلك الآفاق دخان متواصل ملأ السماء والأرض وطبق سحابه البسيطة وكان للنيران أجيج وزفير أشبه بزمازم الرعد، ولما بلغ كدرناكنتا مقدم بأسي عليه طارت نفسه شعاعا، حتى إذا ازدلفت من عاصمته وعصفت به ريحي من كل أوب اعتصم بالفرار من وجهي، وتوارى في قاصية أرضه فشددت الحصار على مدينته وصممت على أخذها. ا.ه. ولم يأت على هذا الأثر زيادة على ذلك، لكن ورد على غيره من الآثار أنه بعد ذلك عدل عن أخذ المدينة ورفع عنها الحصار وانقلب راجعا إلى نينوى؛ وذلك لأنه وجد في أدلة التنجيم ما ينذره خوف العاقبة فرضي من الغنيمة بالإياب.
وبعد نحو ثلاثة أشهر من مفر كدرناكنتا أدركته المنية فبايع العيلاميون أخاه أومان مينان، وكان أومان مينان هذا خليلا لسوزوب فلما أتاه خبر تملكه جعل يردد إليه رسله وأكثر من صلته، حتى احتال له في النجاة من قبضة سنحاريب، وكان لم يزل مسجونا في نينوى، فلما أفلت من محبسه انطلق إلى عيلام فرحب به أومان وأحسن مثواه وحقق آماله وعقد له على جيش كثيف من العيلاميين، فزحف بهم سوزوب على بابل والتف عليه أقوام من البابليين فأصبحوا عصبة منيعة. فلما رأى سنحاريب ذلك جند جنوده وخرج عليهم وقاتلهم قتالا شديدا كان هو الظافر فيه أيضا، فكسر شوكتهم وفض جموعهم وفتك فيهم فتكا ذريعا، وله على بعض الآثار في تفصيل هذه الموقعة ما ملخصه: لما فوض البابليون أمرهم إلى سوزوب ألقى يده على كنوز الهرم وابتز ما في هيكل بعل وزربانيت من الفضة والذهب، وبعث بذلك هدية إلى أومان مينان ملك عيلام في سبيل الاستمالة له والتقرب منه ووجه إليه يسأله المظاهرة علي ويتظلم إليه من استيلاء بطشي ووطأة عزتي، وضرع إليه في ذلك أشد الضراعة حتى مال العيلامي إلى شكواه وأمده بالرجال والعدد، فجعل دأبه العيث في البلاد وركوب الفظائع من القتل والسبي والنهب واستطال على الناس بالبغي والجور، فاستوقد بذلك غضبي وأثار من حميتي، فنهضت إليهم بحنق شديد واتخذت مركبتي الكبرى والقوس التي وهبنيها ربي وأهطلت عليهم من النبل ما أوشك أن يسد الأفق كثرة حتى سالت بدمائهم البطاح، وما لبثوا إلا قليلا حتى استسلموا للفرار، فملأت يدي من غنائهم وأسرت منهم عددا لا يحصى وقطعت أيديهم حتى لا يستطيعوا أن يعودوا إلى حمل السلاح. انتهى ببعض تصرف. وكان في جملة من أسرهم نبوبلارسكون بن مرودخ بلأدان، فأما سوزوب وأومان مينان ففرا بأنفسهما إلى عيلام.
Bilinmeyen sayfa