265

============================================================

ذكر سليمان عليه السلام ومما قص الله علينا من أمر سليمان حديث الخيل التي عرضت عليه قال الله تعالى: إذ عرض عليه بالعشى الصدفنت الجياد [ص: الآبة 31] واختلف الناس في أمر تلك الخيل قال ابن عباس: إن أهل نصيبين(1) وما والاها كانوا عربا وأنهم جمعوا لسليمان ليقاتلوه فبعث إليهم سليمان بمن هزمهم وأسر منهم وأخذوا من خيلهم العراب آلف فرس فأتي بها سليمان فعرضت عليه فجلس لها من وقت الظهر إلى آن مضى عليه وقت العصر ولم يجسر أحد أن يذكره لهيبته حتى غابت الشمس فنظر فرآها قد غابت فأسف على ما فاته من الصلاة فقام فقضى صلاته وأمر برد الخيل عليه فردت فأمر بها حتى عقرت فقطعت أعناقها وسوقها، وقال بعض الناس كانت خيلا ورثها من أبيه بلقا وكان أحب الخيل إليه البلق فأمر بها فعرضت عليه فشغلته عن صلاة الصبح فطفق مسخا بألشوق والأعناق} (ص: الآية 33] وقال وهب إنها كانت خيلا أخرجتها الشياطين وذلك أن الشياطين قالت له: إن لها أجنحة تطير بها وإنها ترد علينا في جزيرة كذا وكذا، فقال سليمان: كيف لي بها؟ قالت الشياطين: نحن لك بها فانطلقوا فهيؤوا لها السلاسل واللجم وانطلقوا إلى تلك العين التي تردها الخيل فنزعوا ماعها وسدوا منابعها وصبوا فيها الخمر فجاءت الخيل فوردت الماء فشمت ريح الخمر فرجعت ولم تشرب ثم عادت من الغد فشمت فقد آجهدها العطش فاقتحمت فشربت وسكرت فلم تقدر على النهوض فجاءت الشياطين فوضعت عليها السلاسل واللجم واستوت على ظهورها فلم تزل تراوضها وتعالجها حتى لانت ثم احتالت حتى أخرجتها من البحر إلى سليمان فأمر بها فربطت ووكل بها من يسوقها حتى آنست وأذعنت وكان سليمان يعجبه آمرها فجلس ذات يوم للنظر إليها فعرضت عليه واشتغل بها حتى فاته العصر وغربت الشمس فالتفت سليمان فرأى الشمس غارية فأسف واشتد عليه ذلك فقام وقضى صلاته وروي أن الشمس ردت عليه حتى صلى العصر ثم أمر برد الخيل عليه، فقال: دوها على فطفق مسما بالشوق والأعناق [ص: الآية 33] أي قطع سوقها وأعناقها غيظا منه عليها إذا شغلته عن صلاته، وقال بعض الناس إنه مسح آعناقها وسوقها بيده وأعتقها وجعلها حبيسا في سبيل الله، والقول الأول هو ما عليه جمهور أهل الأخبار وهو الأولى، لأن الله تعالى مدحه بأنه أسف لوقت صلاته فاغتاظ على الخيل التي شغلته عنها فيجب أن يكون فعل منه فعلا يدل على كراهية لأمره وغيظه عليها، ولم يكن في مس سوقها وإعتاقها بيده ما يدل على غيظ ويقال إنه عقرها جميعا إلا مائة منها أخفتها الشياطين عنه.

(1) نصييين: بالفتح ثم الكسر ثم ياء علامة الجمع الصحيح، مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام، ياقوت الحموي، معجم البلدان 288/5.

Sayfa 265