فاغتنموا أخي الدعاء في هذه الأماكن ، وهي المشاهد العظام ، وهي التي لا يرد فيها /الدعاء ، وإنك إن خرجت من حرم الله تعالى وأمنه فقد ذهبت عنك بركات هذه المشاهد العظام ، فاعلم يا أخي أنه لا يخرج مها أحد إلا ندم لقوله : صلى الله عليه وسلم : المقام بمكة سعادة ، والخروج منها شقاوة ، فاثبت مكانك ، وإياك والقلق والضجر ، فإن ذلك من فعل الشيطان ، فلا تبرح منها ، ولو كان مكسبك فيها يساوي فلسين من حلال لكان خير وأفضل من أن تكسب في غيرها ألفا من الدراهم ، وقال صلى الله عليه وسلم : من مات حاجا أو معتمرا لم يعرض ولم يحاسب ، وقيل له : ادخل الجنة بسلام من الآمنين ، وقال صلى الله عليه وسلم : من صام شهر رمضان بمكة كتب الله له ثواب مائة ألف شهر بغيرها من البلدان ، وصلاة بالمسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وإن صلاها في جماعة فهي بألفي (¬1) ألف وخمسمائة ألف صلاة ، وذلك خمسا وعشرين مرة مائة ألف ، ومن مرض بمكة يوما واحدا حرم الله تعالى جسده ولحمه على النار ، ومن صبر على حر مكة ساعة من نهار أبعده الله تعالى من النار مسيرة خمسمائة عام ، وقربه من الجنة مسيرة مائتي عام ، وإن مكة والمدينة لينفيان خبثهما كما ينفي الكير خبث الحديد ، ألا وإن بكة أنشيئت على المكرمات ، والدرجات ، فمن / صبر على شدتها كنت له شفيعا ، أو شهيدا يوم القيامة ، وإن أهل مكة هم اهل الله تعالى ، وجيران بيته ، وما على وجه الأرض بلدة فيها شراب الأبرار ، ومصلى الأخيار إلا مكة ، وسئل ابن عباس رضي الله عنه ما مصلى الأخيار ، قال : تحت الميزاب ، فقيل : فما شراب الأبرار ، قال : زمزم ، وخير واد على وجه الأرض وادي إبراهيم عليه السلام ، ولا (¬1) على وجه الأرض بلدة يوجد فيها شيء إذا ما الإنسان خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، والحجر الأسود يد الله في الأرض ، يصافح بها من يشاء من عباده ، والركن الأسود والمقام يأتيان يوم القيامة كل واحد منهما كجبل أبي قبيس ، لهما عينان وشفتان ولسانان يشهدان لكل من وافاهما ، وقال صلى الله عليه وسلم : أكرم الملائكة عند الله الطائفين بالعرش ، وإن أكرم بني آدم الطائفين بالبيت ، وقال : إن لله تعالى لوحا من ياقوتة حمراء ، ينظر إليه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، منها مائة وثمانون نظرة رحمة ، ومائة وثمانون نظرة عذابا ، وإن أول من ينظر إليه بالرحمة أهل مكة ، فمن رآه قائما يصلي غفر له ، ومن رآه طائفا غفر له ، ومن رآه جالسا مستقبل الكعبة غفر له ، فتقول الملائكة ، وهو أعلم بذلك : ربنا لم يبق إلا النائمون / فيقول الله تبارك وتعالى : والنائمون حول بيتي ألحقوا بهم ، وقال صلى الله عليه وسلم : من طاف بالبيت سبعا رفع الله له تعالى بكل قدم سبعين (¬2) ألف درجة ، وأعطاه سبعين ألف شفاعة فيمن شاء من بيته من المسلمين ، إن شاء الله عجلت له في الدنيا ، وإن شاء ادخرت له في الآخرة ، والحاج والمعتمر وفد الله تعالى ، إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن أنفقوا أخلف عليهم بكل درهم سبعمائة ألف درهم ، وفي رواية ألف ألف درهم وسبعمائة درهم ، والذي نفسي بيده ما هلل مهلل ، ولا كبر مكبر إلا هلل بتهليله ، وكبر بتكبيره كل شيء حتى منقطع التراب ، فقال رجل : يا رسول الله وإلى هذه المضاعفة ، فقال : والذي نفسي بيده أما نفقاتهم ليخلفن الله عليهم بسبعمائة ألف في دار الدنيا ، قبل أن يخرجوا منها ، وأما الألف ألف فهي مدخرة لهم في الآخرة ، وإن الدرهم منها لأثقل من جبلكم هذا ، وأشار إلى أبي قبيس، وقال صلى الله عليه وسلم : العمرة إلى العمرة كفارة إلى ما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ، وقال : عمرة في شهر رمضان تعدل حجة معي ، وما من رجل أوصى بحجة إلا كتب الله له ثلاث حجج ، حجة للذي كتبها ، وحجة للذي أنفذه ، وحجة للذي أحرم بها عنه ، ومن حج عن والديه كتبت له حجتان، حجة له، وحجة لوالديه ، ومن حج لميت حجة / من غير أن يوصى بها كتب الله للميت حجة ، وكتب للذي حج عنه سبعين حجة ، فإذا كان عشية يوم عرفة هبط الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا ؛ فينظر إلى عباده فيباهي بهم الملائكة ، يقول : جل جلاله : يا ملائكتي أما ترون إلى عبادي قد أقبلوا إلي من كل فج عميق ، شعثا غبرا ، يرجون رحمتي ومغفرتي ، أشهدكم يا ملائكتي أني وهبت سيئهم لمحسنهم ، وشفعت بعضهم في بعض ، وغفرت لهم أجمعين ، أفيضوا عبادي كلكم مغفور لكم ما مضى من ذنوبكم ، صغيرها وكبيرها ، وحجة غير مقبولة خير من الدنيا وما فيها ، فالذي لا يقبل حجه ، فقد فاز فوزا عظيما ، وقال صلى الله عليه وسلم : من زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن جاء إلى المدينة بعد وفاتي وسلم علي ، وزارني عند قبري ، وسلم على أبي بكر وعمر ، وأتى الركن الأسود فقبله فكأنما بايع الله تعالى ورسوله ، ومن مات في الحرم فكأنما مات في السماء الرابعة ، ومن مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء الدنيا ، ومن حج ماشيا كتب الله له بكل قدم يرفعه ويضعه سبعين ألف حسنة من حسنات الحرم ، وقال بن عباس رضي الله تعالى عنه : حسنة بمائة ألف حسنة ، وقال صلى الله عليه وسلم : يحشر الله تعالى من مقبرة مكة سبعين ألف شهيد (¬1) يدخلون الجنة بغير حساب ، فيشفع كل / واحد منهم في سبعين رجلا ، فقيل : من هم يا رسول الله ؟ قال هم من الغرباء ، ومن مات في حرم الله ، أو حرم رسوله ، أو مات بين مكة والمدينة ، حاجا أو معتمرا بعثه الله يوم القيامه من الآمنين ، ألا وإن التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق ، ومن صلى في الحجر ركعتين ناحية الركن الشامي فكأنما أحيى سبعين ألف ليلة ، وكأنما حج أربعين حجة مبرورة متقبلة ، ومن صلى أربع ركعات على باب الكعبة فكأنما عبد الله كعبادة جميع خلقه ، وصلى عليه سبعون (¬2) ألف ملك ، ومن صلى خلف المقام ركعتين غفر الله ما تقدم من ذنبه (¬3) ، وأعطي من الحسنات بعدد من صلى خلفه أضعافا مضاعفة ، وأمنه الله تعالى يوم الفزع الأكبر ، وأمر الله تعالى جبريل وميكائيل أن يستغفروا له إلى يوم القيامة .
فاغتنم يا أخي هذه الخيرات ، ولا تفارق مكة وحرم الله تعالى وأمنه .
وعليك مني السلام ، ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم
وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله
وصحبه
وسلم .
Sayfa 9