ولم أعرف قط البرج العاجي للأدب. وكيف يجوز لأحد أن يحيا في أبراج إذا كان 99 في المائة يحيون في بدرومات من طين؟
ونجاحي مع الشباب يرتبط بفشلي المالي مع الحكومات البائدة؛ ذلك لأني رفضت الانضمام إلى القوات الرجعية بألوانها المختلفة، وهي القوات التي كانت تكافئ أتباعها في سخاء بالمال والعقار وتقاطع خصومها وتكيد لهم. وكان حبسي سنة 1946 بتهمة الدعوة إلى الجمهورية بدلا من الملوكية والدعوة إلى الاشتراكية بدلا من الإقطاع، من أسباب النجاح الذي أفهمه وأنشده. ومن أسباب الفشل الذي يعيرني به شيوخ الأدب الذين ألقوا الخطب والمقالات والقصائد في مدح البغي فاروق، حتى إن أحدهم وصفه بأنه قدوة في الأخلاق يجب على شباب مصر أن يقتدي بها.
وبداية سن السبعين تومئ من قريب إلى نهاية الحياة. ولكني أعتقد أني ما زلت بعيدا عن هذه النهاية بنحو عشرين أو ثلاثين سنة، وسوف أتقبل هذه النهاية في طمأنينة كاملة. ولكني أحب أن أبقى على شهواتي الذهنية الحاضرة وأن أنهم إلى الحياة والمعرفة والفهم كما كنت في ماضي حياتي.
وأحب أخيرا أن أموت كما مات الجاحظ «وعلى صدره كتاب».
السبعون سنة الأولى من عمري
في هذا الشهر - يناير من 1957 - أتممت السبعين سنة الأولى من عمري. وما لم يكن رأس الإنسان مصنوعا من الحجر الصلد فإن في هذه السنين ما يبعث على التفكير والعبرة بشأن الحياة.
بشأن الحياة وليس بشأن الموت ...
وإنى حين أفكر في الموت فإنما أفعل ذلك كي أستنبط وأستخلص منه عزما جديدا لأن أحيا. وذلك لأني أسلم بنهائية الموت. وليست لي أية مطامع غيبية بعده. وكثيرا ما يخطر ببالي لذلك أن إحراق الجثمان خير من دفنه؛ لأن النار التي تلتهم الجسد وتحيله إلى غاز ورماد تؤكد هذه النهائية، أو على الأقل تؤكدها في إحساسنا؛ ولذلك أرجو أن أنتهي إلى هذا المصير ولو في المرمدة الهندية التي بالقاهرة.
وما بقي من عمري سوف أنشد فيه النمو. أي أن أكبر ولا أعمر فقط. أكبر وأنضج.
ومن مدة قريبة قرأت هذا البيت التالي ووقفت عنده أتامل الحال النفسية التي انبعث بها الشاعر إلى تأليفه:
Bilinmeyen sayfa