وإطلاق الصواريخ لا يحتاج من العلم إلى ما تحتاج إليه القنبلة الذرية أو القنبلة الهيدروجينية. وهو فن أكثر مما هو علم. ولكن قيمته المسرحية كبيرة؛ لأنه بمثابة الإنذار للنائمين كي يصحوا أو للغافلين كي يتنبهوا.
وقد اضطرت الصحف إلى أن تلغط بشأن السفر إلى القمر ثم إلى الكواكب عقب إطلاق الصاروخين اللذين انطلق منهما القمران. وأصبحت العامة - قبل الخاصة - تتحدث وتعلق وتفكر. وهذا كله كسب للذكاء البشري سوف تكون له آثاره البعيدة العميقة في المستقبل القريب.
أما الحادث التاريخي العظيم بل الرهيب فهو ظهور الصين الجديدة دولة اشتراكية تقف في صف العدل والخير للبشر ضد الاستعمار والغدر والخيانة في الأمم التي تزعم أنها حرة وديمقراطية. وقد أصبح عدد الاشتراكيين في الاتحاد السوفيتي والصين ودول أوروبا الشرقية نحو 1000 مليون. وهم قوة كبيرة سوف تقضي على سبة البشر الكبرى - أي الاستعمار - في السنوات القريبة القادمة.
هم قوة جديدة. ولكنهم أيضا قوة عجيبة من طراز آخر غير ما عرفه التاريخ. فإن دولة الاتحاد السوفيتي مثلا تعاقب كل من يجرؤ من مواطنيها على الدعوة إلى الحرب بعقوبات قد تصل إلى السجن 25 سنة. وهذا في الوقت الذي يقف فيه الوغد تشرشل في فولتون بالولايات المتحدة ويطلب من حكومتها ضرب السوفيتيين بالقنابل الذرية.
ولو كان تشرشل مواطنا سوفيتيا وألقى هذه الخطبة ضد أمريكا مثلا في موسكو لعوقب بالسجن مدة قد تبلغ 25 سنة. ولكنه أحد المواطنين في بريطانيا دولة الاستعمار والحرب ونهب البترول من العرب وقتل اليمنيين والعمانيين والكنيويين ... إلخ.
ولا أستطيع أن أقول إن الحرب الكبرى الثالثة لن تقع. ولكني أقول إن احتمال وقوعها قد نقص بعد أن فاز الاتحاد السوفيتي باختراع الصواريخ وبعد أن زادت أسلحته الأخرى.
إن قوة الاتحاد السوفيتي هي الضمان الوحيد للسلم في العالم في عصرنا. •••
وأحتاج إلى أن أقول شيئا عما مر بشخصي من الحوادث في السنوات العشر الماضية.
فمنذ حوالي 1946 اتضح للوفديين أني - لما أتسم به من اليسارية - عبء عليهم وأنهم يتهمون برعايتي أو على الأقل بالتسامح معي. ولست أشك أني كنت مقلقا لهم؛ فإنهم لم يستطيعوا قط زحزحتي عن مبادئي الاشتراكية وعن نقدهم لتخلفهم في خدمة العمال، وعن كراهتي للسراي وبغضي للحركات الرجعية التي كثيرا ما حالفوها هم وصانعوها. وقوطعت من الصحف الوفدية. بل أستطيع أن أذكر حادثة تدل على النفاق المستتر الذي كان يمارسه زعماء في الصحافة.
ذلك أن أحد الصحفيين الوفديين الكبار - وهو ليس في مصر الآن - دعاني ذات يوم كي نتقابل للحديث في شأن مهم. فلما التقينا وجدته يعرض علي العمل في جريدته الكبرى بحيث أشرف على الاتجاهات السياسية؛ فلا يكون هناك فيما ينشر ما يخالف الخطط والأهداف الوفدية. وبقينا نحو ساعتين ونحن في نقاش، بل في ترتيب وتنظيم لصفحات جريدته. وبعد أن تعبنا افترقنا على أن نجتمع بعد يوم. ولكن مرت أيام ولم نجتمع ولم يطلبني هذا الصحفي الكبير.
Bilinmeyen sayfa