İslam'da Eğitim ve Öğretim
التربية والتعليم في الإسلام
Türler
ويقول ابن خلدون، في الفصل الذي عقده لبيان تعليم الولدان واختلاف مذاهب الأمصار الإسلامية وطرقه: «اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار من شعار الدين أخذ به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات، فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه ... وأما أهل الأندلس فمذهبهم تعليم القرآن والكتاب من حيث هو؛ وهذا هو الذي يراعونه في التعليم، إلا أنه لما كان القرآن أصل ذلك ورأسه ومنبع الدين والعلوم جعلوه أصلا في التعليم فلا يقتصرون لذلك عليه فقط، بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر في الغالب والترسل وأخذهم بقوانين العربية وحفظها وتجويد الخط والكتاب، ولا تختص عنايتهم في التعليم بالقرآن دون هذه، بل عنايتهم فيه بالخط أكثر من جميعها إلى أن يخرج الولد من عمر البلوغ إلى الشبيبة ... فأفادهم التفنن في التعليم وكثرة رواية الشعر والترسل ومدارسة العربية من أول العمر حصول ملكة صاروا بها أعرف في اللسان العربي، وقصروا في سائر العلوم لبعدهم عن مدارسة القرآن والحديث الذي هو أصل العلوم وأساسها؛ فكانوا لذلك أهل خط وأدب بارع أو مقصر على حسب ما يكون التعليم الثاني من بعد تعليم الصبا.
ولقد ذهب القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب رحلته إلى طريقة غريبة في وجه التعليم وأعاد في ذلك وأبدأ، وقدم تعليم العربية والشعر على سائر العلوم كما هو مذهب أهل الأندلس، قال: لأن الشعر ديوان العرب. ويدعو إلى تقديمه وتعليم العربية في التعليم ضرورة فساد اللغة، ثم ينتقل منه إلى الحساب ليتمرن فيه حتى يرى القوانين، ثم ينتقل إلى درس القرآن فإنه يتيسر عليه بهذه المقدمة. ثم قال: ويا غفلة أهل بلادنا في أن يؤخذ الصبي بكتاب الله في أول أمره يقرأ ما لا يفهم وينصب في أمر غيره أهم عليه. ثم قال: ينظر في أصول الدين ثم أصول الفقه ثم الجدل ثم الحديث وعلومه، ونهى مع ذلك أن يخلط في التعليم علمان، إلا أن يكون المتعلم قابلا لذلك بجودة الفهم والنشاط. هذا ما أشار إليه القاضي أبو بكر - رحمه الله - وهو لعمري مذهب حسن إلا أن العوائد لا تساعد عليه وهي أملك بالأحوال، ووجه ما اختصت به العوائد من تقدم دراسة القرآن إيثارا للتبرك والثواب وخشية ما يعرض للولد في جنون الصبا من الآفات والقواطع عن العلم فيفوته القرآن لأنه ما دام في الحجر منقاد للحكم، فإذا تجاوز البلوغ وانحل من ربقة القهر فربما عصفت به رياح الشبيبة فألقته بساحل البطالة فيغتنمون في زمان الحجر وربقة القهر تحصيل القرآن لئلا يذهب خلوا منه. ولو حصل اليقين باستمراره في طلب العلم وقبوله التعليم لكان هذا المذهب الذي ذكره القاضي أولى ما أخذ به أهل المغرب والمشرق ...»
62
فأنت ترى من هذا أن ابن خلدون يفضل الطريقة المتبعة في سائر ديار الإسلام على الطريقة التي يقترحها القاضي ابن العربي لأنها الطريقة التي تلائم عقلية الطفل ويتقبلها مستواه الفكري.
ولا يسعنا في هذا الموضع أن نهمل الإشارة إلى رأي المستشرق الفرنسي هنري بيريس الذي كتب كتابا قيما عن الشعر الأندلسي في القرن الخامس للهجرة/الحادي عشر للميلاد - فقد ذكر في بعض فصول كتابه مشيرا إلى الطريقة التي اقترحها ابن العربي في تعليم الأطفال في الأندلس: «... إن الطريقة التي تذكر عن ابن العربي وينتقدها ابن خلدون هي الطريقة التي كانت متبعة في بلاد الأندلس، وإنها الأفضل على الرغم من انتقاد ابن خلدون إياها.» وقد اعتمد البروفسور بيريس هذه النظرية وزعم أن الأندلسيين إنما خالفوا المشارقة في طريقتهم لأنهم وجدوا خطأ الطريقة الشرقية ... ولم يكتف بهذا القول، بل قال أيضا: «... إن الأندلسيين إنما فعلوا ذلك لأنهم وجدوا أن هذه الطريقة أجدى في التعليم.» ثم أخذ يفتش عن الأسباب التي حدت بالأندلسيين في زعمه إلى سلوك هذه الطريقة، وقد أداه بحثه إلى أن الأندلسيين إنما فعلوا ذلك متأثرين بالطريقة اليهودية والنصرانية التي كانت متبعة في تعليم الأطفال في بلاد الأندلس قبل دخول الإسلام إلى هاتيك الديار، كما أنهم قد تأثروا ببقايا التراث الإسباني القديم في تعليم الأطفال ...
63
وهذا قول غريب جدا واستنتاج جد عجيب؛ إذ لا يقوم عليه دليل، ولا يؤيده برهان، ولا يسيغه المنطق. والذي نراه ونؤمن به هو أن من فعل ذلك من الأندلسيين في تعليم أطفالهم إنما فعل ذلك مهتديا إليه بطبيعته العربية وسليقته الأدبية، وقد رأيت أن ابن خلدون، على الرغم من انتقاد تلك الطريقة، قد أعجب بها لما فيها من تقويم اللسان وتقوية الملكات قبل البداءة بدراسة القرآن، ثم إن الأندلسيين لم يكونوا وحدهم متبعين تلك الطريقة؛ فقد كان في المشارقة أيضا نفر ذهبوا في تعليم أولادهم هذا المذهب، وقالوا إنه لا يصح أن يبدأ الولد بتعلم القرآن قبل معرفة العدة والآلات التي تعينه على فهمه وإداراك معانيه. وممن قال بهذه الطريقة ابن الأعرابي الإمام النحوي المشهور والأديب اللغوي المعروف (؟-231ه)؛ فقد كان يرى أنه يحسن بالطفل أن يبدأ بتعلم العربية واللغة ويطلع على الشعر والنثر القديمين، فإذا أتقن ذلك كله طلب إليه أن يقرأ القرآن حتى إذا ما قرأه استطاع أن يعيه ويفهمه. وقد نقل المبرد مثل هذا الرأي عن الإمام علي رضوان الله عليه وسلامه،
64
ونقل الجاحظ عن الحجاج بن يوسف الثقفي أنه أوصى مؤدب ولده - وهو المؤدب المعلم القديم - بأن يعلمهم السباحة وما إليها من ترويض الجسم أولا ثم يعلمهم القراءة والكتابة، قال: «علم ولدي السباحة قبل الكتابة؛ فهم يصيبون من يكتب عنهم ولا يصيبون من يسبح عنهم»،
65
Bilinmeyen sayfa