Mısır ve Batı Tercümeleri
تراجم مصرية وغربية
Türler
قال أحد الكتاب يصف هذا النشيد البديع الذي يختم اللحن التاسع: «ساعة تبدأ آية المسرة تبدو يقف الأوركسترا فجأة ويسود المسرح سكون تام يخلع على مطلع النشيد معنى قدسيا رهيبا، وذلك حق، فهذا النشيد إله وحده، ثم تهبط المسرة من السماء تحيط بها طمأنينة الخلد فتسكن الآلام بريحها الناعم تجري إلى القلب جريان البرء في فؤاد المريض، ثم تسمو بعد ذلك في صور من الجد المهيب رويدا رويدا حتى تملك المسرة النفس وتغزوها وتعلن فيها حربا على الألم عوانا، ثم إذا الألحان تحرك في النفس جنود السرور تحسها فوق هذه الصحف المرتعشة فكأنما ترى نبض بتهوفن القوي وشدة تنفسه وصيحاته الملهمة حين كان يجوب المزارع ويضع لحنه وكأنما ملكته قوة الشياطين، وتعقب مسرة الحرب مسرة الروح مسرة بالإيمان، ثم تجيش بالنفس مسرة مقدسة هي مسرة الحب، ثم ترى إنسانية مرتعشة تمد أذرعها للسماء صائحة صيحات قوية مندفعة إلى المسرة تضمها إلى قلبها.»
هذه القوة العجيبة التي تبدو في أكثر ألحان بتهوفن والتي بدت في لحن المسرة مضاعفة، جعلت كثيرين يذهبون إلى أن ملكه في الموسيقى يقف عند الضخم منها والأليم، قال هيبوليت تين ردا على هذا وتحليلا لموسيقى بتهوفن عامة: «نعم إنه صاحب هذا الملك من أراض جرداء تهب فيها الأعاصير وتعصف فيها العواصف بأصواتها الصاخبة القوية، وهذه المملكة لم يتح لغيره من الموسيقيين أن يدخلها، لكنه يعيش كذلك في ملك آخر، فأفخر ما في الريف الناضر وأكثره رواء وبهجة، وأعذب ما في الوديان الظليلة وأكثره ابتساما، وأشد ما في ضياء الفجر أول مطلعه رقة وبكورة - هذا كله كذلك في ملكه، لكنه لا ينال من ذلك كله ما يناله مطمئن النفس، بل تهز المسرة كل وجوده كما يهزه الألم! وشعوره باللذة بالغ غاية القوة، فهو ليس سعيدا، ولكنه في بهر، فمثله مثل رجل قضى ليلة نابغية وخرج منها مضطربا كليما متوقعا يوما شرا منها، فإذا به يرى فجأة مشهد صباح سعيد، إذ ذاك تضطرب يده ويتنفس الصعداء من أعماق صدره وتعود كل قواه الجسمية المنحلة فتسترد سلطانها، ويصبح في نهله من النعيم أشد اندفاعا مما كان حين استسلامه لليأس.»
ولما اطمأن له نشيد المسرة واطمأن هو إلى نجاحه فيه، هانت عليه أحزانه وآلامه وهان عليه فقره وإن ظل يعاني من بأسائه شر ما يعانيه إنسان، ولعل لهذا الفقر صلة بتلك الثروة التي كان أخواه يقتضيانها من الناشرين، فقد مات أحدهما تاركا من ورائه ولدا أحبه بتهوفن بهذه القوة التي كان يندفع بها إلى كل شيء، وسار الفتى سيرة سيئة لم يصلح منها حب عمه إياه ولا مداومته نصيحته، وكان هذا الفتى كثير الاستدانة، فكان بتهوفن في فرط حبه له يعمل جهد طاقته لسداد ديونه، وسافر بتهوفن في خريف سنة 1826 يبحث عن وسيلة يوطد بها مستقبل ابن أخيه هذا، فلما عاد في أواخر نوفمبر سنة 1826 أصابه برد أمرضه، ولم يكن أحد من أصدقائه حاضرا ليعنى به، فكلف الفتى أن يبحث له عن طبيب، فنسي مدى يومين ثم جاء الطبيب وعالج بتهوفن علاجا سيئا، وقد استطاع بقوة بنيته أن يقاوم المرض ثلاثة شهور تباعا، لكنه ضعف بعدها ضعفا أضاع الأمل في شفائه، ولولا كرم بعض الإنجليز من أصدقائه لقضى آخر أيامه في بؤس وشقوة ليس كمثلها بؤس ولا شقوة.
ثم جعل ينتظر في صبر وسكينة «ختام المهزلة» حتى يوم 26 مارس سنة 1827، إذ عصفت عاصفة وهطلت ثلوج وأرعدت السماء وهاجت من الطبيعة أصوات موسيقاها المهوبة المخيفة، وعلى موج هذه الأصوات طارت روح بتهوفن إلى عالم الخلد، وكان عمر بتهوفن يومئذ ستا وخمسين سنة وثلاثة أشهر وتسعة أيام، فلما آن لجثمانه أن ينقل إلى مقره الأخير شيعه ثلاثون ألفا ولبست فيينا عليه الحداد، ودفن في مقبرة وارنج، وما يزال قبره إلى اليوم فيها وعليه هذا الكلمة الوحيدة الخالدة: بتهوفن.
وكذلك قضى من كان يرى الموسيقى إلهاما أسمى من الحكمة ومن الفلسفة ويتمثل أفكاره في عزف الآلات أكثر مما يتمثلها في ألفاظ الناس. وكذلك قضى «باكوس يستصفي للإنسانية الرحيق العذب ويجلي عليها أقدس ما في الروح من جلال»، قضى ونقل إلى قبره حيث خط اسمه، لكن روحه الماثل في ألحانه وأناشيده وعزفاته ما يزال باقيا ولن يزال، وهل الروح الخالد إلا العمل يترك به صاحب في العالم أثرا خالدا؟! وهل أثر أخلد من موسيقى بتهوفن؟! أو هل أكثر منها سحرا وقداسة؟!
واليوم يحتفل العالم بمرور مائة عام إجلالا لألحانه القدسية السامية، فيؤدي بعض دين الشكر الواجب على العالم لكل من زاد حياته جمالا وفضلا وقوة. (كتبت في 26 مارس سنة 1927 لمناسبة مرور مائة عام على وفاة بتهوفن).
هوامش
هبوليت أدولف تين
احتفلت فرنسا منذ أيام بمرور مائة عام على مولد الفيلسوف الكاتب الفرنسي الكبير هبوليت أدولف تين، فقد ولد بفوزييه في الحادي والعشرين من أبريل سنة 1828 أي منذ مائة سنة مضت، وإذا لم يكن قد مضى على موته إلا خمس وثلاثون سنة - إذ مات بباريس في الخامس من مارس سنة 1893 - فإن الآثار التاريخية والأدبية والفلسفية التي خلفها تجعله حقيقا منذ اليوم بأن يسجل في ثبت الخالدين، وتجعل حقا له وواجبا على وطنه فرنسا أن يشيد بذكره بين من يشيد بذكرهم من عظماء تلك البلاد، بل إن هذه الآثار لتجعله حقيقا منذ اليوم بأن يذكره العالم كله بين الرجال الذين كانوا قوة عاملة ذات أثر خالد في العالم، نقله ونقل تفكيره خطوة جديدة وفتح أمامه من أسباب البحث سبلا إن يكن غيره قد ترسمها من قبل فإن أحدا سواه لم يرسمها ولم يخططها بالقوة والدقة والمهارة التي رسمها وخططها بها تين، ويكفي ليقدر القارئ مدى هذا الأثر العميق الذي تركه تين في تفكير العالم أن يسمع من كثير، حتى من الذين تناولوا تين وتفكيره بالنقد، أنه كان أكبر أثرا في نشر الفلسفة الواقعية (البوزتفزم) من صاحبها أوجست كومت نفسه، وإنه إلى جانب تثبيته قواعد هذه الفلسفة الوضعية في ذهن أهل عصره والعصور التي خلفته قد فتح لها ميادين جديدة في الفن وفي الأدب وفي الشعر وفي كل نشاط العقل الإنساني والنفس الإنسانية بما جعل للعلم الوضعي وللفلسفة الوضعية من متانة الأركان ما لا يزال حتى اليوم وطيدا قويا غاية القوة برغم موجات الروحية والتيوزوفية وغيرها مما سبق الحرب وشجعته الحرب، ومما لا يستطيع أن يقاوم - حتى في ميادين الفلسفة البحتة - تيار العلم الجارف الذي يدل الناس كل يوم على أن العلم إذا أخطأ في تقرير نتائج معينة لأن الاستقراء أو الملاحظة أو التجارب لم تكن كاملة حين تقرير هذه النتائج، فالعلم وحده هو القدير على إصلاح هذا الخطأ من طريق الاستقراء والملاحظة والتجارب وما يترتب على هذه من تبويب ينتهي إلى استنباط القوانين العلمية الصحيحة التي يمكن أن تكون أساسا لارتكاز الفلسفة الواقعية الصحيحة.
رجل هذا أثره في التفكير الإنساني لا يمكن لوطنه إلا أن يعترف له بالمجد وأن يذكره لكل مناسبة، ولا يمكن للعالم أن ينسى له فضله على التفكير الإنساني وتوجيهه فلسفته في فترة خاصة من حياة هذا التفكير.
Bilinmeyen sayfa