Mısır ve Batı Tercümeleri
تراجم مصرية وغربية
Türler
وليس يسيرا معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الفتنة، أهي كانت حركة فجائية نتيجة تكدس هذا الثغر بالسكان وتزايد الوافدين عليه بسبب الحال غير الطبيعية التي نشأت عن وجود البوارج في مياهه؟ أم هي كانت بتدبير سابق من عرابي وأنصاره كما يزعم بعض الكتاب الإنجليز مؤيدين زعمهم بأن الحكومة تباطأت في قمع الذين أثاروا الفتنة وبكثرة عدد قتلى الأجانب على قتلى المصريين زيادة محسوسة؟ أم هي كانت على العكس من ذلك مدبرة من جانب الإنجليز على ما يذهب إليه عرابي وأنصاره مؤيدين رأيهم بأن أمير الأسطول الإنجليزي كان مأمورا بالمحافظة على أرواح الرعايا البريطانيين ومصالحهم، على خلاف أمير الأسطول الفرنسي الذي كان مكلفا بالمظاهرة البحرية لتأييد سلطة الخديو؟ ومهما يكن من هذه الفروض فقد وقعت مذابح 11 يونيو وحكومة الخديو بالقاهرة، فخف توفيق وعرابي والوزراء في اليوم نفسه وعقدوا مجلسا عسكريا لتحقيق أسباب الفتنة وجعلوا على رأسه عمر باشا لطفي محافظ الإسكندرية الذي اتهمه الإنجليز بالتهاون في قمعها، وبلغوا من اتهامه أن انسحب المحامي الإنجليزي الذي حضر تحقيق المجلس العسكري بأمر القنصلية البريطانية.
وبقي الخديو وحكومته بالإسكندرية يريدون إعادة الأمن إلى نصابه، وكان توفيق يومئذ في مركز لا يحسد عليه، فهو لم يكن يأمن جانب تركيا، وكان يعتقد اعتقادا جازما أنها تعارضه وتؤيد المتمردين عليه رجاء الوصول يوما من الأيام إلى خلعه وإقامة حليم باشا مكانه، وهو لم يكن يأمن العرابيين لما كان يعتقده من بغضهم إياه واتفاقهم مع السياسة التركية في التخلص منه، وهو مع اعتماده على تأييد فرنسا وإنجلترا كان يخشى ألا يتخطى أمرهما التأييد المعنوي، فإذا فوجئا بالأمر الواقع من عزله لم يقوما بعمل لتثبيته في عرشه، ثم هو لم يكن يثق حتى بالجراكسة من وزرائه؛ لأنه شعر بالقوة المصرية تتغلب على كل شيء في البلاد وتبتلعه.
وتجسم الشعور بهذه القوة القومية في رأس عرابي وأعوانه حتى دفعهم إلى تقوية حصون الإسكندرية استعدادا لدفع الغارة البحرية عليها، ومع أن الدول كانت قد تخطت معارضة تركيا في عقد مؤتمر الأستانة لحل المسألة المصرية وانعقد المؤتمر في العاصمة التركية فعلا برئاسة لورد دفرين سفير إنجلترا لدى الباب العالي، وكان طبيعيا أن يكف الجميع عن تعقيد المسائل في مصر حتى يصدر المؤتمر قراره، فإن تحصين قلاع الإسكندرية استمر، كما أن الأميرال سيمور الإنجليزي أبلغ الخديو بأنه مضطر إذا لم تقف التحصينات إلى ضرب قلاع الإسكندرية بالمدافع، وعلى الرغم من احتجاج ممثلي الدول على بلاغ الأميرال ومن إنكار طلبة عصمت الاستمرار في التحصينات ومن أن تسوية المسألة كانت ممكنة لو أن فرنسا شاركت في الضغط المعنوي على الحكومة المصرية كي تنتظر قرار مؤتمر الأستانة فإن الأميرال سيمور أصر على قراره، وقررت وزارة فريسنيه انسحاب الأسطول الفرنسي إلى بورسعيد.
ماذا يفعل توفيق ومقامه بسراي رأس التين يجعله معرضا لقنابل مدافع البوارج؟ لقد طلب إليه المستر كلفن أن ينتقل إلى بارجة أمير البحر الإنجليزي لأن غرض الأسطول الإنجليزي تأييد ملكه، لكن توفيق كان يعلم أن التجاءه وهو أمير هذه البلاد التي تطلق النار عليها إلى أساطيل مهاجميها يعرضه لعزل تنفرد إنجلترا بالاعتراض عليه بينا تشترك فرنسا والدول الأخرى مع تركيا في تأييده لما كان لفرنسا من ضلع ظاهر مع العرابيين ومع حليم باشا؛ لذلك رأى الاستسلام للمقادير وقال لمستر كلفن ما مؤداه:
إني لا أبرح مكاني ولو وقعت الواقعة وأطلقت المدافع على الإسكندرية، فإن لي من رعيتي قوما أمناء لم يخونوني بل خدموني بأمانة وصداقة، فلا يصح أن أتركهم أوان الشدة لأنجو بنفسي، ولا يليق بي كذلك أن أترك البلاد في وقت الحرب فإن في ذلك عارا عظيما.
واكتفى بالانتقال هو ودرويش باشا إلى قصر الرمل بعيدا عن مرمى المدافع.
وفي صباح 11 يوليو سنة 1882 أطلقت البوارج الإنجليزية مدافعها على حصون الإسكندرية فجاوبت الحصون بإطلاق مدافعها، على أن الموقعة لم تدم لأكثر من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، إذ صمتت نيران الحصون ودك بعضها دكا وشعر العرابيون بأن ما توهموه من قوتهم على مقاومة البوارج الإنجليزية لم يكن إلا وهما، على أن ذلك لم يفت في عضدهم ولم يوهن من عزيمتهم إذ اعتقدوا أنهم يستطيعون أن يعسكروا في كفر الدوار ليعودوا بعد زمن إلى مهاجمة الإسكندرية.
وعلى ذلك قرر عرابي ومن معه الانسحاب من الثغر بعد أن أيقنوا من أن الخديو الذي رفض الالتجاء إلى بوارج الإنجليز قد سر لانتصارهم، وأنه لذلك قد صار خصما ظاهرا للثائرين عليهم، وفيما كانت المدينة تحترق بفعل الجماهير الثائرة والعساكر المقيمة مع عرابي عاد الخديو من سراي الرمل حيث كان سجينا تحت أمر رجال عرابي إلى سراي رأس التين حيث استقبله الجند الإنجليز على بابها وحيث استقبله الأميرال سيمور وعدد من رجاله داخلها.
وكان في الوقت متسع ما يزال لإخماد نار الفتنة في مصر لو أن تركيا لم تكن متأثرة بسياسة فرنسا حريصة على تأييد الثائرين، فقد طلب إليها لورد دفرين - بناء على تعليمات حكومته - أن تعلن أن عرابي عاص وتؤيد سلطة الخديو واستعدادها لإرسال قوة لقمع العصيان وإعادة النظام، لكن تركيا أبت أن تخطو هذه الخطوة، وطلبت إنجلترا إلى فرنسا أن تشترك معها في الدفاع عن قناة السويس، فأعلن الساسة الفرنسيون أن قنال السويس بمأمن من أن يهدده مهدد، والواقع أن عرابي ومن معه لم يفكر أحد منهم في تحصين بناحية القنال اعتمادا منهم على حيدته وعلى تأكيد المسيو دلسبس بأن أية قوة محاربة لن تستطيع خرق حياده، ورأت إنجلترا بإزاء ذلك كله أن الفرصة سانحة لأن تخطو خطوة جديدة في وادي النيل بعد خطوتها الأولى التي أتمها دزرائيلي في سنة 1875 بمشترى أسهم القناة التي كانت مملوكة لإسماعيل، فقررت التدخل المسلح منفردة، ولم تعبأ بحيدة القناة بل ذهبت أساطيلها المقلة للجيش الذاهب إلى مصر قاصدة بورسعيد والإسماعيلية فاحتلتهما من غير أية مقاومة ولا أي احتجاج، وعسكرت القوة الإنجليزية يوم 22 أغسطس في الإسماعيلية، وفي هذا الظرف وبعد فوات الفرصة أعلنت تركيا عصيان عرابي وأيدت توفيقا في عرشه، لكن توفيقا كان قد انضم إلى السياسة الإنجليزية وعزل عرابي من نظارة الحربية واعتبره ثائرا، وقامت في مصر إذ ذاك حكومتان: حكومة توفيق يؤيدها فريق من المصريين وتؤيدها إنجلترا، وحكومة الثورة تخضع لها البلاد كلها، لكن هذه الحكومة الثانية لم يطل أمرها؛ فقد انهزم عرابي وجنده في موقعة التل الكبير يوم 12 سبتمبر ودخل الإنجليز القاهرة في الخامس عشر من هذا الشهر نفسه.
وعاد توفيق إلى عاصمة ملكه في 25 سبتمبر سنة 1882 يصحبه الدوق أوف كنوت والجنرال ولسلي والسير إدورت مالت، وكان توفيق يظن أن قضاء إنجلترا على الثورة باسم تأييد مركزه معناه عوده للحكم وتولي أمور البلاد على ما تجيزه الفرمانات، ولعله لم يخطر بباله أن انتصار إنجلترا في التل الكبير ودخول الجيوش الإنجليزية إلى عاصمة ملكه قد قدر له أن يكون معناه القضاء على سلطته بنقلها من يده إلى يد هؤلاء الذين ثبتوه في عرشه، ولعله لم يخطر بباله أن عودته إلى مقر سلطانه محاطا بالأمير وبالقائد وبقنصل إنجلترا سينتهي لا ريب إلى أن تكون الحوادث العرابية آخر ما خبأ القدر لتوفيق من نشاط، ولئن كان عرابي سيحاكم وسينفى إلى سيلان فإن ولي عرش مصر لن يكون أعظم من عرابي سلطانا برغم مقامه في قصوره وسط عاصمة ملكه.
Bilinmeyen sayfa