Tarajim Mashahir
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Türler
من برغش بن سعيد إلى حضرة الشيخ الأفخم حميد بن محمد بن جمعة المرجبي سلمه الله تعالى، وبعد السلام عليك، أخبرني المحب ابن مسعود بأنك واصل إلينا قريبا فوجبت علينا التهنئة لك، وأرسلنا هذا الكتاب للسلام عليك، والسلام.
شكل 22-3: الأخطار في أواسط أفريقيا.
وصل حميد بن محمد دار السلام ومعه 70000 رطل من العاج وغيره من أنواع التجارة، فسافر إلى زنجبار بحرا فوصلها في أوائل سنة 1294هجرية، وباع ما كان معه من العاج وغيره، فاجتمع عنده مبلغ 30000 جنيه صافي بلا ديون.
ثم تجهز للسفر فاشترى بضائع كثيرة خرج بها من زنجبار سنة 1296 إلى باجمويو، ومنها إلى داخل البلاد يقتحم الأخطار والمفاوز، وبعد عشرة أشهر وصل البلاد التي اتخذها عاصمة له فوجد الأمر على غير ما كان يعهده؛ إذ شاهد التجارة كثيرة والأرزاق واسعة، والتجار من الإفرنج والهنود والعرب عديدين. أما أهل البلاد فكانوا على ما تركهم من السذاجة والجهل، وكان الأمن متزعزعا فتكبد مشاق جسيمة في محاربتهم، ومضت أيامه في الحروب ولكنها لم تشغله عن التجارة، بل كانت تجارته الرابحة لأنه كان يكسب منها أموالا طائلة غير العاج والعبيد والغنم، وكان جميع ما يحصله يرسله إلى زنجبار لوكيله ويطلب منه البضاعة الصالحة للزنوج.
فلما توفر عنده المال والرقيق عاد إلى زنجبار سنة 300ه وباع ما جلبه من البضائع فيها واشترى ما أراده ثم برحها سنة 1302 قاصدا الجهات الداخلية، ولسنا ذاكرين هنا جميع ما أصابه في طريقه من الحرب والجوع والعطش وما لقيه من اللصوص والوحوش، وإنما نقول: إنه وجد هناك عند وصوله هذه المرة رجلا بلجيكيا قنصلا لدولته، وكان الخطر محدقا به؛ لأنه طلب من سيف بن حميد بن محمد أن يأتيه بجميع العاج الموجود هناك ليكتب عليه اسم الدولة البلجيكية، فقبض عليه سيف وأرسله إلى سردار الجيش راشد بن محمد فحكم عليه بضرب خمسين جلدة وحبس سنتين، ولولا وصول حميد بن محمد في تلك الأيام لنال البلجيكي جزاء شديدا، وكان البلجيكيون قبل ذلك يهاجمون العرب مرارا فيصدهم هؤلاء ويقتلون منهم كثيرين، وربما يسأل القارئ عن الرجال الذين كانوا ينصرون البلجيك؛ إذ كان جميع الزنوج رعايا العرب، فالجواب أن العرب كانت لهم عادة يكرهها الزنوج وهي أنهم كانوا يحملون أولاد الزنوج يبيعونهم في زنجبار، فلما دخل الإفرنج تلك الديار خدعوا الزنوج وزخرفوا لهم القول بأنهم سيحررونهم ويعملون كيت وكيت من الخير، وما زالوا بهم حتى استمالوهم واستعانوا بهم على محاربة العرب. ولم تخف على حميد بن محمد هذه الحيلة فكان دائما يعرض عن محاربة الإفرنج، ويعدهم خيرا، وكان يقول: «دخلت هذه البلاد صغيرا فقيرا، وملكت هذه الرقاب جميعها ولم يكن لدي مال ولا سلاح، فهل أقوى بهم على الإفرنج!»
وكان يكلم أولاده دائما بهذا المعنى، ويحذرهم من غدر الزنوج، ولما باع تجارته هناك رجع إلى زنجبار فوصلها سنة 1304 هجرية فوجد الإنكليز له بالمرصاد، وقد أخبره قنصل الإنكليز بما تم عليه الاتفاق، وأن البلجيك سيدخلون الكونغو، ونصحه بعدم معارضتهم، وأنهم لا يريدون سوى التجارة، وأنه سيكون كسابق أمره مطلق الحرية وتدفع دولة البلجيك له مقابل تجارتها 65 جنيها شهريا فأبى أولا، فقال له قنصل الإنكليز: إن إنكلترا تعهدت بمساعدة البلجيك، وإنه إذا أصر على إبائه فأول شيء تفعله هو منعه عن السفر مرة أخرى.
فلم يجد بدا من القبول، وعندئذ قيل له: إن أي شيء يطلبه من إنكلترا يعطى له، وتتحقق أمانيه فطلب من القنصل تحميل عبيده من باجمويو إلى زنجبار، وكان الإنكليز متشددين في منع بيع الرقيق وتحميله، ولكنهم أذنوا له بذلك لحاجة كانت في نفوسهم، فحمل حميد بن محمد سبعمائة عبد من باجمويو إلى زنجبار، ثم وصلت الأخبار من الكونغو أن البلجيك هجموا على العرب مرارا فصدوا عنهم، وأن العرب أخرجوا جميع الإفرنج من تلك البلاد فلم يبق بها بلجيكي ولا ألماني، وكلما أراد البلجيك المسير إليهم التقوا بهم على ضفاف نهر الكونغو ورموهم بالرصاص، فشق هذا الخبر على الإنكليز، وطلبوا من حميد بن محمد أن يعجل بالسفر إلى الكونغو ومعه المعتمدان الإنكليزي والبلجيكي، فسافروا سنة 1305 في باخرة عن طريق رأس الرجاء الصالح فوصلوا إلى مدينة الكاب ومنها إلى بنتا عند مصب نهر الكونغو، ثم سارت الباخرة في النهر 4 ساعات فوقفت بسبب الشلالات، فركبوا الفلك وساروا بها شهرين حتى وصلوا إلى مدينة ستانلي فولس، ولما أطل العرب على هذه الفلك ورأوا فيها الإفرنج رموهم برصاص البنادق، فأشاروا إليهم أنهم ليسوا محاربين فلم يقبلوا، وأخيرا رمى حميد بن محمد نفسه في النهر فلما رأوه عرفوه وأمسكوا عن إطلاق البنادق، ونزل هو والإفرنج الذين معه وبوأ لهم مكانا وأمنهم، وبواسطته تم الاتفاق بين العرب والإفرنج، وفي غضون ذلك أتتهم الأخبار بوفاة برغش بن سعيد سلطان زنجبار، وارتقاء خليفة بن سعيد سلطانا مكانه، فمكث حميد يتاجر بماله إلى سنة 1307 ثم عقد النية إلى الرجوع إلى زنجبار فسافر، وبعد مسير عشرة أيام أتاه الخبر بوفاة خليفة بن سعيد وولاية علي بن سعيد مكانه، فواصل السير حتى بلغ تبورة، وفيها أصيب بمرض فتأخر هناك، وبعد شهرين وصل إليه ولداه سيف وثابت فوجداه مريضا، فكانا قاصدين الكونغو فأمرهما بالسفر إليها، ومكث هو في تبورة سنة، حتى إذا عوفي من مرضه برحها إلى زنجبار فبلغها سنة 1309 وبعد أن صفا الجو للبلجيك هجموا على العرب مرارا فصدوا عنهم، وطلبوا منهم أن يسافروا جميعا إلى زنجبار فأبوا، ولما أعيت البلجيك الحيلة خدعوا الزنوج وزخرفوا لهم القول فانفضوا عن العرب وانحازوا إلى البلجيك، ثم هجموا على العرب فهزموهم وغنموا أموالهم، وقتل سيف بن حميد، وهرب ثابت أخوه ومحمد بن سعيد وغيره، واستولى البلجيك على أموال حميد بن محمد، ويقدرونها بمائة ألف جنيه، وكان حميد بن محمد يتمثل دائما بقول الشاعر:
ومن يفعل المعروف مع غير أهله
يلاقي كما لاقى مجير ام عامر
حيث ذهبت أمواله، وقتل ولده جزاء إحسانه إلى البلجيك.
Bilinmeyen sayfa