ـ[التقييد الكبير في تفسير كتاب الله المجيد]ـ
المؤلف: أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد البسيلي التونسي (المتوفى: ٣٨٠هـ)
الناشر: كلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض - المملكة العربية السعودية
عدد الأجزاء: ٢
أعده للشاملة/ أبو إبراهيم حسانين
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]
Bilinmeyen sayfa
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
يقول عبيد الله الراجي عفوه، ومغفرته أحمد بن محمد بن أحمد البَسِيْليِّ لطف الله به وبالمسلمين بعد حمد الله كما يجب لجلاله، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله خاتم رسله، وأنبيائه، ومبلغ وحيه، وإنبائه الآتي بمعجز القرآن المتضمن للطائف، والنكت المكنونة، المشتمل على أسرار المعاني المصونة: هذا تفسير على كتاب الله المجيد، قصدت منه جمع ما تيسر حفظه، وتقييده من مجلس شيخنا أبي عبد الله محمد بن عرفة - رحمه الله تعالى - مما كان بيديه هو أو بعض حذاق طلبة المجلس زيادة على كلام المفسرين وغيرهم، وأضفت إلى ذلك في بعض الآيات شيئًا من كتب التفسير مع ما منح به الخاطر هذا مع ممانعة ما اقتضته الحال
1 / 199
من الذهن الجامد والفكر الخامد وبالله سبحانه أستعين، فهو خير ميسر، وخير معين.
قال الشيخ أبو حيان في تفسيره بالمجرد: التفسير لغة: الإِستبانة قاله ابن دريد.
واصطلاحًا: علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية، والتركيبية، ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب، وتتميمات لذلك.
1 / 200
فقولنا: علم: جنس لسائر العلوم. وقولنا: يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن: هو علم القراءات. وقولنا: ومدلولاتها: هو علم اللغة. وقولنا: وأحكامها الإِفرادية والتركيبية: يشمل علم التصريف، وعلم الإِعراب، وعلم البيان. وقولنا: ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب: يشمل ما دلالة التركيب عليه بالحقيقة، وما دلالته عليه بالمجاز فإن التركيب قد يقتضي بظاهره شيئًا، ويمنع من الحمل على ذلك الظاهر مانع فيحمل على غير ظاهره، وهو المجاز.
وقولنا: وتتميمات لذلك: هو مثل: معرفة الناسخ، وسبب النزول، وذكر القصة، ونحو ذلك.
قال: والنظر في تفسيركتاب الله تعالى من أوجه:
أ - علم اللغة: اسما، وفعلًا، وحرفًا، فالحروف لقلتها تكلم على معانيها النحاة، فيؤخذ ذلك من كتبهم، وأما الأسماء، والأفعال، فتؤخذ من كتب اللغة.
ب - معرفة أحكام اللغة للكلمة العربية من جهة إفرادها، ومن جهة تركيبها، ويؤخذ ذلك من علم النحو.
جـ - معرفة كون بعض الألفاظ أو بعض التراكيب أحسن، وأفصح، ويؤخذ ذلك من علم البيان.
د - تعيين مبهم، وتعيين مجمل، وسبب نزول، ونسخ يؤخذ ذلك من النقل الصحيح، وذلك من علم الحديث.
هـ - معرفة الإِجمال، والتبيين، والعموم، والخصوص، والإِطلاق، والتقييد، ودلالة الأمر، والنهي، وما أشبه ذلك، ويختص أكثر هذا الوجه بأحكام القرآن، ويؤخذ من أصول الفقه، ومعظمه يؤخذ في
1 / 201
الحقيقة من علم اللغة إذ الكلام على أوضاع العرب لكن تكلم فيه غير اللغويين، والنحويين، ومزجوه بأشياء من وجوه حجج العقول.
والنظر فيما يجب لله تعالى، وما يجوز في أفعاله، وما يستحيل عليه، ويختص هذا الوجه بالآيات التي تضمنت ذلك، ويؤخذ هذا من علم الكلام.
ز - اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص أو تغيير حركة أو إتيان بلفظ بدل لفظ أو ما يتواتر أو آحاد، ويؤخذ هذا الوجه من علم القراءات.
وقد ألفت فيه كتاب " عقد اللآلئ " قصيدًا في عروض قصيد الشاطبيّ، ورويه تشتمل على ألف بيت، وأربعة وأربعين بيتًا صرحت فيه بأسماء القراء من غير رمز، ولا لغز، ولا [حوشيِّ] لغة.
فهذه سبعة أوجه، ولا ينبغي أن يقدم على تفسير كتاب الله تعالى إلَّا من أحاط بجملة كافية من كل وجه منها.
وأما الوقف: فقد صنف الناس فيه كُتُبًا مرتبة على السور ومن عنده حَظ من علم العربية لم يحتج إليها.
1 / 202
قال: وقد ألفت هذا المسمى بـ " البحر " بمصر في أواخر سنة عشر وسبعمائة، وهي أوائل سنة سبع وخمسين من عمري، وبمصر صنفت جميع تصانيفي.
قال: أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، وأبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية المغربي الأندلسي الغرناطي هما فارسا علم التفسير، وكانا متعاصرين في الحياة متقاربين في الممات، وُلد الزمخشري بـ " زمخشر " قرية من قرى خوارزم يوم الأربعاء السابع عشر لرجب سنة سبعة وستين وأربعمائة، وتوفي بـ " كركانج " قصبة خوارزم ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسائة. ووُلد ابن عطية سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وتوفي بـ " لورقه " في الخامس والعشرين لشهر رمضان سنة إحدى وأربعين، وقيل: سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وكتاب ابن عطية أنقل، وأجمع، وأخلص، وكتاب الزمخشري ألخص، وأغوص، وللزمخشري تصانيف غير تفسيره، منها " الفائق في لغات الحديث "، و" مختلف الأسماء ومؤتلفها "، و" ربيع الأبرار "، و" الرائض في الفرائض "، و" المفصَّل " وغير ذلك. .
1 / 203
قلت: وله محاجات في مسائل نحوية " أذكر منها في هذا التقييد إن شاء الله.
قلت: وجمع بين تفسير ابن عطية، والزمخشري أبو فارس عبد العزيز بن ابراهيم بن أحمد القرشي التميمي التونسي شُهِر بابن بزيزة، ولد بتونس يوم الإثنين رابع عشر محرم عام ستة عشر وستمائة، وتوفي ليلة الأحد أربع ربيع أَول سنة اثنين وستين وستمائة.
قلت: وولد شيخنا أبو عبد الله محمد بن عرفة سنة ست عشرة، وسبعمائة، وتوفي ﵀ ضحوة يوم الثلاثاء الرابع والعشرين لشهر جمادى الآخر عام ثلاثة وثمانمائة، ودفن بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء غدًا تاريخه، وله من العمر ستة وثمانون عامًا، وأشْهُر. وحجّ حجة الفريضة، وكان خروجه لذلك من تونس بعد صلاة الظهر يوم الإِثنين الحادي والعشرين لشهر جمادى الآخرة من عام اثنين وتسعين وسبعمائة، وقد كان بلغ في تفسير القرآن إلى قوله تعالى: (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) [فصلت: ٤٧]، ورجع من حجه فدخل تونس يوم الثلاثاء التاسع عشر لشهر جمادى الأولى من عام ثلاثة وتسعين وسبعمائة قرب الزوال، وحَبَس قبل موته كثيرًا من الرباع، وتصدق قرب موته بمال كثير، وترك موروثًا عنه ما قيمته ثمانية عشر ألف دينار ذهبًا ما بين عين، ودرهم، وحُليّ، وطعام، ورباع، وكتب، وكان
1 / 204
﵀ مستجاب الدعاء، ومما رأيت من بركته أني كنت أجلس قبالته بمجلس تدريسه فربما تكلم معي بما يقع في خاطري.
قلت: وكان اعتماده في التفسير على ابن عطية، والزمخشري مع الطيِّبيِّ وُيضَعف تفسير ابن الخطيب. قال ابن سرور في شرح الحاصل
1 / 205
من المحصول لتاج الدين الأرموي: فخر الدين هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن خطيب الرَّي بن الحسين بن علي البكري الرازي، والرازي منسوب على الريّ على غير قياس، المعروف بابن الخطيب فقيه على مذهب الشافعيّ، وتقدم في الفقه، وصناعة الكلام، وصنف التصانيف، وانتهت إليه رياسة الكلام، ولد بالرَّيّ في الرابع عشر من شهر رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتوفي يوم الأضحى سنة ست، وستمائة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، ودفن في الجبل المقابل لقرية " مركاخان ". ويقال: إن تصانيف الفخر لما وصلت بمصر لم يُقْبلوا عليها لمخالفتها لكُتُب المتقدمين حتى اشتغل بها تقي الدين المقترح فقرَّ بها لأفهامهم فعكفوا عليها، وتركوا كتب المتقدمين.
1 / 206
قال ابن عطية: ما روى عن عائشة ﵂: " ما كان رسول الله ﷺ يفسر من القرآن إلا آيا علَّمه إياهن جبريل ". معناه: في مغيبات القرآن، وتفسير مجمله، ونحو ذلك مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى.
و[أمّا] صدر المفسرين [فـ] علي بن أبي طالب ثم عبد الله بن عباس وعنه أُخِذَ ثم عبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت،
1 / 207
وعبد الله بن عمرو بن العاص ﵃ ثم من التابعين الحسن بن أبي الحسن، ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة، ثم
1 / 208
عكرمة، والضحاك بن مزاحم، والسدي، ثم حمل التفسير عدول كل خلف. وألف الناس فيه كعبد الرزاق، والمفضل، وعلي بن أبي
1 / 209
طلحة، والبخاري، وغيرهم. ثم محمد بن جرير الطبري جمع أشتات التفسير، وقرب البعيد، وشفى في الإِسناد.
وأما أبو بكر النقاش، وأبو جعفر النحاس فكثيرًا ما استدرك
1 / 210
الناس عليهما، وتبعهما مكيِّ بن أبي طالب، وأبو العباس المهدوي متقن التآليف.
فصّل: معنى حديث: " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ".
1 / 211
قلت: كان شيخنا ابن عرفة يفسرها بالقراءات السبعة المشهورة.
فصل: فيمن جمع القرآن
1 / 212
ابن عطية، كان القرآن في مدّة رسول الله ﷺ متفرقًا
1 / 213
في صدور الرجال.
قلت: في صحيح مسلم: " جمع القرآن على عهد رسول الله ﷺ أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت ورجل من الأنصار يكنى أبا زيد ".
قال المازَرى: هذا الحديث مما ذهب بعض الملحدة في طعنها وحاول بذلك القدح في الثقة بنقل القرآن، ولا مستروح لها في ذلك لأنّا لو
1 / 214
سلمنا الأمر كما ظنوا وأنه لم يُكَمِّل القرآن سوى أربعة فقط، فقد حفظ جميع أحزابه خلائق لا يحصرون، ولا من شرط كونه متواترًا أن يحفظ الكل، بل الشيء الكثير إذا روي جزءًا منه خلق كثير عُلِم ضرورة، وحصل متواترًا، ولو أن قصيدة رَوى كلَّ بيتٍ منها مائةُ رجل مثلًا، ولم يحفظوا غيره من أبياتها لجعلت كُلها متواترة. فهذا الجواب عن قدحهم. وأما الجواب عن سؤال من سأل من الإِسلامين عن وجه الحديث، فهو أن يقال له: قد عُلِمَ ضرورة من تدين الصحابة ومبادرتهم إلى الطاعات، والقَرَب التي هي أدنى منزلة من حفظ القرآن. ما يعلم منه مع كثرتهم استحالة أن لا يحفظه منهم إلا أربعة، كيف ونحن نرى أهل عصرنا يحفظه منهم ألوف لا تحصى مع نقص رغبتهم في الخير عن رغبة الصحابة، فكيف بهم على جلالة قدرهم؟! وهذا معلوم بالعادة.
ووجه ثانٍ وهو أنَّا نعلم أن القرآن كان عندهم من البلاغة حيث هو.
وكان كفار الجاهلية يعجبون من بلاغته ويحارون فيها، فتارة ينسبونه إلى السحر، وتارة ينسبونه إلى أساطير الأولين، ونحن نعلم من عادة العرب شدّة حرصها على الكلام البليغ، وتحب كما له، ولم يكن لها شغل سوى ذلك فلو لم يكن للصحابة باعث على حفظ القرآن سوى ما ذكرناه لكان من أدل الدلائل على أن هذا الحديث ليس على ظاهره وأنه متأول.
وطريق آخر وهو ما ثبت في الأخبار بنقل الثقات من كثرة من حفظ القرآن جزم أن النبي ﷺ بلَّغه أصحابه. وقد عددنا من حفظ ذلك منهم، وسمينا نحو خمسة عشر صاحبًا ممن نُقِلَ عنه حفظ جميع القرآن في كتابنا المترجم بـ " الواضح في قطع لسان النابح " وهو كتاب تقصينا فيه كلام رجل وصف نفسه بأنه كان من علماء المسلمين ثم ارتد، وأخذ يلفق
1 / 215
قوادح في الإِسلام فتقصينا أقواله في هذا الكتاب وأشبعنا القول في هذه المسألة، وبسطناه في أوراق، وقد أشرنا فيه إلى تأويلات الحديث المذكور، وذكرنا اضطراب الرواة في هذا المعنى فمنهم من زاد في هذا العدد، ومنهم من نقص منه، ومنهم من أنكر أن يجمعه أحد، وأنه قد يتأول على أن المراد به لم يجمعه بجميع قراءاته السبع، وفقهه، وأحكامه، ومنسوخه سوى أربعة، ويحتمل أيضا أن يراد به أنه لم يذكر أحد عن نفسه أنه أكمله في حياة النبيّ ﷺ سوى هؤلاء الأربعة؛ لأن من أكمله إذ ذاك غيرهم كان يتأول نزول القرآن ما دام ﷺ حيًّا فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله وهؤلاء استجازوا ذلك، ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منهم. ويحتمل أيضا أن يكون من سواهم لم ينطق بإكماله خوف الرياء، واحتياطًا على حسن النية كفعل الصالحين في كثير من العبادات.
وأظهر هؤلاء ذلك؛ لأمنهم على أنفسهم، وكيف تعرف النقلة أنه لم يكمله سوى أربعة، والصحابة متفرقون في البلاد هذا أيضا لا يتصور حتى يَلْقَى الناقل كل رجل منهم فيخبره عن نفسه أنه لم يكمل القرآن، وهذا بعيد عادة. وكيف وقد نقل الرواة إكمال بعض النساء لقراءته وقد اشتهر حديث عائشة ﵂ وقولها: " كنت جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن "، وأيضا لم يُذْكَر في هؤلاء الأربعة أبو بكر، وعمر ﵄ كيف يحفظ القرآن من سواهما دونهما؟!. وأيضا يحتمل أن يكون أخبر عن علمه أو أراد من أكمله من الأنصار ﵃ وإن كان قد
1 / 216
أكمله من المهاجرين ﵃ خلق كثير.
قلت: وهذا تأويل أبي عمر في " الاستيعاب " في حرف القاف عند ذكره قيس بن السَّكن.
عياض: لو لم يكن تأويل الفرض من هذا الحديث ورفع إشكاله إلا ما تواتر به الخبر أنه قُتِلَ يوم اليمامة في خلافة أبي بكر سبعون ممّن جمع القرآن، وهي سنةُ وفاةِ النبيّ ﷺ، وأول سنة خلافة أبي بكر ﵁ فانظر من بقي ممّن جمعه ولم يُقتل فيها، وممّن لم يحضرها، وبقي بالمدينة، ومكة وغيرهما من أرض الإسلام حينئذ.
1 / 217