(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
" رب يسر وأعن وتمم بِخَير فِي عَافِيَة، واعف عَنَّا، وصل على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وعترته وَسلم ": ﴿الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله لقد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا نحمدك على توفيقنا لحمدك وتأهيلنا لفهم خطابك، وانقيادنا إِلَى طَاعَتك وهدايتنا بِخَاتم أنبيائك وَسيد أصفيائك مُحَمَّد النَّبِي عَلَيْهِ أفصل سلامك، وعَلى آله وَصَحبه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان، كَانَ الْوَالِد ﵁ يخْتَار لي مَا يخْتَار الْأَب الْبر لوَلَده من سعادتي الْآخِرَة وَالدُّنْيَا، فأداه اجْتِهَاده إِلَى شغلي بالفقه الْجَامِع لما قصد لَهُ، ذَاك والطين رطب، وَالْعود بمائه؛ وَلِأَن كل امْرِئ ميسر لما خلق لَهُ، صرفت عَن هَذَا الْقَصْد أزمة الْقدر حَتَّى
1 / 53
عَسى الْعود، وعاصى الطائع، فندمت حِين لات مندم:
(وأصبحت من ليلى الْغَدَاة كناظر ... مَعَ الصُّبْح فِي أعقاب نجم مغرب)
وَلَا أَشك أَن ببركة همة الْوَالِد - رَحمَه الله تَعَالَى - مَا وهب لي على الْكبر، عبد من عبيد الرَّحْمَن المنتمين إِلَيْهِ، الراغبين فِيمَا لَدَيْهِ، فأرغد العيشة، وهنأ الْمَعيشَة.
1 / 54
فحين أويت إِلَى ظله، وعلقت بمرير حبله، فرغني للاشتغال وأعانني بخلو البال، وَوَجَدته قد اقتنى مَعَ الذّكر الْجَمِيل كتبا تشهد بفضله فاتخذتها ذَرِيعَة إِلَى تدارك ذَلِك الْمَقْصد وَالله الْمُوفق، ثمَّ جمعت هَذِه الأوراق ووسمتها بتقويم النّظر، تشْتَمل على مسَائِل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة بعد مُقَدمَات تعين على النّظر فِي ذَلِك، وَجَعَلته يشْتَمل على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة مقدما مَذْهَب الشَّافِعِي ﵁ وحجته) لقَوْله ﵇: " قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها، وتعلموا من قُرَيْش وَلَا
1 / 55
تعالموها، فعالمها يمْلَأ الأَرْض علما "، وَوجدنَا هَذَا الْعَالم هُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان بن شَافِع بن السايب بن عُبَيْدَة بن عبد يزِيد بن هَاشم بن الْمطلب بن عبد منَاف، (وَفِي عبد منَاف) يجْتَمع مَعَ النَّبِي ﵊، ومولده ﵁ بغزة فِي سنة قن، ووفاته سنة رد، وتربته الطاهرة بِمصْر.
وَقيل لبَعض الْقصاص: مَا السِّرّ فِي قصر عمر الشَّافِعِي؟، فَقَالَ: حَتَّى لَا يزَالُوا مُخْتَلفين، وَلَو طَال عمره رفع الْخلاف، وأردفت الجداول بجدول يشْتَمل على تواريخ وَفَاة جمَاعَة من الصَّحَابَة (رضوَان الله عَلَيْهِم) وَالْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء، والأنبه الأنبه فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة (رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ)
1 / 56
وَالله (تَعَالَى) الْمعِين.
مُقَدّمَة - اللَّفْظ قالب الْمَعْنى، ومركبه الموصله إِلَى الذِّهْن، وَقد خص اللِّسَان الْعَرَبِيّ بأفصح اللَّفْظ، وَبِه خوطبنا فِي عزيزي الْكتاب وَالسّنة، فاللفظ يعبر عَمَّا فِي الذِّهْن، وَمَا فِي الذِّهْن مِثَال للمعبر عَنهُ، وَالْكِتَابَة تنوب عَن الْعبارَة، والعبارة مَجْمُوع أَلْفَاظ مفيدة، واللفظة مركبة من حُرُوف، والحروف تَنْقَسِم إِلَى صامتة ومصوته، فالصامت مَا يتَمَكَّن من مطلعه ويتميز بِهِ الصَّوْت مثل س ع د، والمصوت مَا يخرج فِي الْهَوَاء فَيحمل الْحَرْف الصَّامِت إِلَى السّمع كالضمة والفتحة والكسرة الَّتِي (مَتى مطلت) صَارَت واي، وَمن الْأَلْفَاظ والحروف المقاطع، والمقاطع تَنْقَسِم إِلَى خَفِيفَة وثقيلة، فالخفيف تركب من حرفين صَامت ومصوت، والثقيل من صامتين ومصوت؛ لِأَن المصوت. أما أَن ينْطق بِهِ فِي أقصر زمَان يكون فِيهِ اتِّصَال الصَّامِت (إِلَى الصَّامِت) أَو إِلَى السّمع وَهُوَ المقطع الْمَقْصُور وَالسَّبَب الْخَفِيف الْعَرُوضِي مثل لن.
وَأما أَن ينْطق بِهِ فِي ضعف الزَّمَان أَو إضعافه وَيُسمى مقطعا مسدودا (وَهُوَ) الوتد المفروق الْعَرُوضِي مثل: فاع، ولهذه الْحُرُوف
1 / 57
مخارج هَذِه صورتهَا:
١ -
(من أقْصَى الْحلق، هـ آهمزة) .
٢ -
(بعده من جِهَة الْفَم، ع ح) .
٣ -
(بعده، غ خَ) .
٤ -
(من أقْصَى اللِّسَان وَمَا فَوْقه من الحنك، ق) .
٥ -
(أَسْفَل من ذَلِك قَلِيلا، ك) .
٦ -
(من وسط اللِّسَان بَينه وَبَين الحنك، ج ش ي) .
٧ -
(من دون حافة اللِّسَان والأضراس، ض) .
٨ -
(من حافة اللِّسَان أدناها إِلَى مُنْتَهى طرفه، ل) .
٩ -
(فَوق ذَلِك فويق الثنايا، ن) .
١٠ -
(أَدخل من ذَلِك إِلَى طرف اللِّسَان منحرفا، ر) .
١١ -
(من طرف اللِّسَان وأصول الثنايا، ط د ت) .
١٢ -
(من بَين طرف اللِّسَان فويق الثنايا السُّفْلى، ز س ص) .
١٣ -
(مَا بَين طرف اللِّسَان وأطراف الثنايا، ظ ث ذ) .
١٤ -
(من بَاطِن الشّفة السُّفْلى وأطراف الثنايا الْعليا، ف) .
١٥ -
(من الشفتين، ب م و) .
١٦ -
(من الخياشيم، التَّنْوِين) .
1 / 58
تفهيم:
حاسة السّمع أحد الْحَواس الْخمس وتعجز عَن إِدْرَاك البسائط، فحروف المعجم مَا لم يتركب، لَا يُمكن إِدْرَاكهَا بِالسَّمْعِ وَلَا إيرادها بِآلَة النُّطْق واحتيج إِلَى تعرف الْحُرُوف البسيطة فَرَكبُوا مَعَ الْحَرْف الْبَسِيط حروفا أخر وَجعلُوا الْجُمْلَة اسْم ذَاك الْحَرْف الْبَسِيط؛ وَلِأَنَّهُ مُهِمّ صدرُوا الْجُمْلَة بِهِ فولك عين هُوَ اسْم الْحَرْف الْأَوْسَط من سعد.
1 / 59
(فصل فِي عُيُوب اللِّسَان)
الرتة كَالرِّيحِ تمنع أول الْكَلَام، فَإِذا جَاءَ اتَّصل.
التمتمة التَّرَدُّد فِي التَّاء. الفأفأة التَّرَدُّد فِي الْفَاء. العقلة التواء اللِّسَان عِنْد إدارة الْكَلَام. الحبسة تعذر الْكَلَام عِنْد إدارته. اللفف إِدْخَال حرف فِي حرف. الغمغمة أَن تسمع الصَّوْت وَلَا (يتَبَيَّن لَك) تقطيع الْحُرُوف. وَقَرِيب مِنْهُ الدندنة. الطمطمة أَن يكون الْكَلَام شَبِيها بِكَلَام الْعَجم. اللكنة أَن تعترض على الْكَلَام عجمة. اللثغة أَن تعدل بِحرف إِلَى حرف. الغنة أَن يشوب الْحَرْف صَوت الخياشيم، الخنة أَشد مِنْهَا، التَّرْخِيم حذف الْحَرْف أَو تخفيفه. الحكلة نُقْصَان آلَة النُّطْق حَتَّى لَا تعرف مَعَانِيه إِلَّا بالاستدلال، وَبَعض مَا قدمْنَاهُ يكون خلقَة، وَبَعضه عَادَة، وَمِنْهَا مَا هُوَ غريزي. يُقَال: إِن الرتة كَثِيرَة فِي الْأَشْرَاف من ولد سُلَيْمَان بن صَالح بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس، أعدتهم من
1 / 60
أم صفدية.
وَفَائِدَة هَذَا الْفَصْل أَن تمرن اللِّسَان على الْحَرْف الأقوم بِالتَّصَرُّفِ فِي المحاورات ومفاوضة الفصحاء، وَقد قَالَ بَعضهم:
(وأفتح بالْكلَام عرى لساني ... وأكره عجمة أَن تعتريني)
(فقد لانت حَوَاشِيه ورقت ... جوانبه على كل الْفُنُون)
وَمن عُيُوب الخطابة الاسْتِرَاحَة إِلَى كلمة يخْشَى بهَا درج الْكَلَام، والسعلة، والعبث بِالْوَجْهِ، وَقد عيب خطيب بذلك فَقيل:
(مَلِيء ببهر والتفات وسعلة ... ومسحة عثنون وفتل الْأَصَابِع)
مُقَدّمَة:
ركب من الْحُرُوف ثَلَاثَة أَنْوَاع من الْكَلم عمادها، نوع فِيهَا يلقب بِالِاسْمِ وَهُوَ أَكْثَرهَا دورا فِي الْكَلَام؛ لِأَنَّهُ يخبر بِهِ وَعنهُ، وَهُوَ يدل على معنى غير مقترن بِزَمَان، وَالِاسْم بِذَاتِهِ وَبِمَا يعرض لَهُ من الْحُرُوف يدل على الْمعَانِي،
1 / 61
ذَلِك لِأَن الْمعَانِي أَكثر من الْأَلْفَاظ؛ لِأَن الْأَلْفَاظ مَا ظهر مِنْهَا فقد تناهى بِالْفِعْلِ وَمَا لم يظْهر فَهُوَ متناه بِالْقُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ يتركب من حُرُوف تتناهى بِالْفِعْلِ والمعاني لَا نِهَايَة لَهَا، ثمَّ يَتْلُو الِاسْم فِي الرُّتْبَة الْفِعْل وَهُوَ لفظ يخبر بِهِ وَلَا يخبر عَنهُ، وَيدل على معنى وزمان ذَلِك الْمَعْنى. ويتلوه فِي الرُّتْبَة الْحَرْف وَهُوَ لفظ يَجِيء بَين الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال فيربط الْبَعْض بِالْبَعْضِ وَيحدث فِيهَا مَعَاني وَيحسن وصفهَا وَيُسمى الأداة.
مُقَدّمَة:
والكلم يَنْقَسِم إِلَى مُفْرد ومركب ومؤلف، فالمفرد هُوَ الَّذِي يدل على معنى وَلَا جُزْء من أَجْزَائِهِ يدل على شَيْء أصلا مَا دَامَ جزءه مثل مَسْعُود، فَإِنَّهُ يدل على معنى وليكونا من عود لَا يدلان على شَيْء أصلا مَا دَامَ جُزْءا الِاسْم، وَالِاسْم الْمركب يَنْبَنِي من لفظتين أَو أَكثر، لَكِن قوته قُوَّة الْمُفْرد كَقَوْلِك عبد الله وَعبد الْملك. والمؤلف هُوَ الْمركب من لفظتين أَو أَكثر
1 / 62
وَيدل على معنى والألفاظ الَّتِي مِنْهَا ألف تدل على أَجزَاء الْمَعْنى كَقَوْلِك: قَامَ زيد.
مُقَدّمَة:
وَالِاسْم يَنْقَسِم إِلَى جزئي وكلي. فالجزئي لَا يصلح أَن يشْتَرك فِيهِ كَثِيرُونَ كَقَوْلِك زيد، وَهَذَا الرجل. والكلي هُوَ الَّذِي يصلح أَن يشْتَرك فِيهِ كَثِيرُونَ كَقَوْلِك الْإِنْسَان، وَالْبيع فَإِنَّهُ يدْخل تَحت هَذِه اللَّفْظَة كَثْرَة، وَقد يمْنَع عَن الْكَثْرَة أَمر وجودي، وَالْعبْرَة بِكَوْن اللَّفْظَة كُلية لَا بِالْأَمر الوجودي، فَإِن الشَّمْس لَفْظَة كُلية، وَإِن لم يكن فِي الْوُجُود غير شمس وَاحِدَة.
مُقَدّمَة:
وينقسم الِاسْم إِلَى مُحَصل وَغير مُحَصل، فالمحصل هُوَ الْمَوْضُوع لمسماه كَقَوْلِك زيد والعالم، وَغير المحصل هُوَ اسْم قرن بِهِ حرف نفي فَصَارَ يدل على أَصْنَاف عدم الِاسْم الَّذِي قرن بِهِ، مِثَاله: لَا عَالم، وَيسْتَعْمل كثيرا فِي الفارسية كَقَوْلِهِم: ناجوا مرد، وَقَول الْفَقِيه لَا جَائِز أَن يُقَال اسْم غير مُحَصل.
1 / 63
مُقَدّمَة:
وتنقسم الْأَسْمَاء إِلَى متباينة ومترادفة ومشتركة ومتواطئ، فالمتباينة هِيَ الَّتِي تخْتَلف اسْما وَاحِدًا كزيد وَالْحجر، وَقد يتَّفق الاسمان فِي الْمَادَّة والتركيب وهما متباينان وَيحسن إيرادهما فِي الْجمل كَقَوْل الشَّاعِر:
(لَك الشُّكْر مني وَالثنَاء مخلدا ... وَشعر كموج الْبَحْر يصفو وَلَا يصغي)
والمترادفة هِيَ المتفقة حدا الْمُخْتَلفَة اسْما كَالْخمرِ وَالْعَقار، وَيَقَع مِنْهَا نوع مشكك، وَهُوَ أَن يعتور على الْمُسَمّى الْوَاحِد اسمان أَحدهمَا مقتضب لَهُ وَالْآخر لصفة فِيهِ كالسيف والصارم، وَقد يكونَانِ بِحَسب صفتين كالصارم والحسام، وَقد يكونَانِ بِحَسب صفة وَنسبَة كالصارم والمهند فتظن مترادفة وَلَيْسَت كَذَلِك.
والمشتركة هِيَ: الَّتِي تتفق اسْما وتختلف حدا كالعير للعظم الناتئ فِي الْقدَم ولحمار الْوَحْش، وَقد يُقَال على الضدين كالقرء للطهر وَالْحيض،
1 / 64
فدليل الطُّهْر بَيت الأعشق:
(مورثة مَالا وَفِي الْحَيّ رفْعَة ... لما ضَاعَ فِيهَا من قرؤ نسائكا)
وَالْحق أَنه للْوَقْت يُطلق تَارَة على الطُّهْر، وَتارَة على الْحيض، قَالَ خَالِد الْهُذلِيّ:
(كرهت الْعقر عقر بني تَمِيم ... إِذا هبت لقاريها الرِّيَاح)
1 / 65
أَي لوَقْتهَا، وَكَذَلِكَ شعبت الشَّيْء أصلحته، وشعبته فرقته، وَمِنْه سميت الْمنية شعوبا، وَقَالَ عَليّ بن الغدير الْعَنزي:
(وَإِذا رَأَيْت الْمَرْء يشعب أمره ... شعب الْعَصَا ويلج فِي الْعِصْيَان)
(فاعمد لما تعلو فَمَا لَك بِالَّذِي ... لَا تَسْتَطِيع من الْأُمُور يدان)
وَيحسن إِيرَاد الْكَلِمَتَيْنِ المشتركتين فِي الْجمل الشعرية والخطابية، قَالَ الشَّاعِر:
(وَمَا كنت أخْشَى أَن أرى لرماحكم ... عوامل فِي الهيجاء غير عوامل)
والنمط من الْكَلَام الْمُسَمّى مجونا أَكْثَره بالأسماء الْمُشْتَركَة.
وَأما المتواطئة، فَهِيَ الَّتِي تتفق اسْما وَاحِدًا كالحيوان الْمَقُول على
1 / 66
الْإِنْسَان وَالْفرس. وَيَقَع التشكيك أَيْضا فِي هَذَا الْقسم إِذا كَانَ الِاسْم يَقع على الْقسمَيْنِ لكنه لأَحَدهمَا أولى أَو أول كالموجود إِذا قيل على أَب وَابْن، فَإِنَّهُ للْأَب أول وَكَذَلِكَ فِيمَا يقبل الأشد والأضعف كالبياض للثلج، والعاج.
تفهيم:
وتلتحق بالمقدمة السَّابِقَة الْأَسْمَاء المنقولة والمستعارة والمصرفة، فَأَما المنقولة فَهِيَ الَّتِي تكون بِالْوَضْعِ الأول لشَيْء ثمَّ تنقل إِلَى شَيْء آخر لنَوْع مشابهة، كَمَا نقل اسْم الصَّلَاة عَن الدُّعَاء إِلَى هَذِه الْعِبَادَة، وَشَاهد الدُّعَاء قَول الشَّاعِر:
(لَهَا حارس لَا يبرح الدَّهْر دنها ... إِذا ذبحت صلى عَلَيْهَا وزمزما)
وَكَذَلِكَ الصَّوْم كَانَ للإمساك، ثمَّ نقل إِلَى هَذَا النّسك، وَدَلِيل الْإِمْسَاك
1 / 67
قَول الشَّاعِر:
(خيل صِيَام وخيل غير صَائِمَة ... تَحت العجاج وَأُخْرَى تعلك اللجما)
وَحقّ الْمَنْقُول إِلَى صناعَة أَو نحلة أَن يسْتَعْمل فِيهَا على مَا نقل إِلَيْهِ، إِلَّا أَن يصرف عَن ذَلِك صَارف. والمستعارة مثل المنقولة إِلَّا أَن المنقولة تثبت فِيمَا نقلت إِلَيْهِ بِخِلَاف المستعارة، وَمن الِاسْتِعَارَة خفض جنَاح الذل واشتعال الرَّأْس وإقفال الْقُلُوب، وتحسن الِاسْتِعَارَة فِي الْعبارَة كَقَوْل الشَّاعِر:
(مرت بِنَا تختال فِي أَربع ... يَأْكُل مِنْهَا بَعْضهَا بَعْضًا)
وَقَول الآخر:
(فَقَالَت صه يَا ويج غَيْرك إِنَّنِي ... سَمِعت حَدِيثا بَينهم يقطر الدما)
وَأما المصرفة فَهِيَ المشتقة كالفقه والفقيه وتحسن أَيْضا فِي الْجمل الخطابية كَقَوْل الشَّاعِر:
(من يعتفى الْعَافِي لِحَاجَتِهِ ... وَمن يأوى إِلَيْهِ المعتم المعتام)
1 / 68
مُقَدّمَة:
إِذا كَانَ فِي طبيعة شَيْء أَن يُوجد فِي شَيْء، فَإِن كَانَ مَوْجُودا فِيهِ سمي مَوْجُودا بِالْفِعْلِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَوْجُود بِالْقُوَّةِ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا﴾، وَقَالَ الرضي يصف قضبان الْكَرم:
(يحملن أوعية المدام كَأَنَّمَا ... يحملنها بأكارع النفران)
تفهيم:
إِذا قدمت شَيْئا وأخبرت عَنهُ بِشَيْء قسم الْمخبر عَنهُ الْمَوْضُوع، وَالْخَبَر الْمَحْمُول، وَالْجُمْلَة قَول جازم، وَهُوَ الَّذِي يتَطَرَّق عَلَيْهِ الصدْق وَالْكذب هَذَا مَتى اعْتبرت الْجُمْلَة مُرْسلَة، وَمَتى اعْتبرت من جِهَة حَاجَتهَا إِلَى برهَان سميت دَعْوَى، وَمَتى أخذت على سَبِيل التَّسْلِيم لينبني عَلَيْهَا غَيرهَا سميت مصادرة، وَمهما اعْتبرت من جِهَة الِاسْتِعْمَال فِي تأليف الْقيَاس سميت مُقَدّمَة، وَمَتى اعْتبرت من جِهَة أَنَّهَا صحت ببرهان سميت نتيجة،
1 / 69
كَهَذا الشَّخْص إِن اعْتبر بِنَفسِهِ سمي إنْسَانا، وبإضافته إِلَى ابْنه أَبَا وَإِلَى أَبِيه ابْنا، وَإِلَى عَبده مولى، وَإِلَى مَوْلَاهُ عسيفا، والقضية تقال على جَمِيع الْأَخْبَار الجازمة.
مُقَدّمَة:
إِذا تواردت الصِّفَات على شَيْء، فَمَا قوام ذَلِك الشَّيْء بِهِ مِنْهَا فَهُوَ الْوَصْف الذاتي لذَلِك الشَّيْء، وَمن خَواص هَذَا الْوَصْف أَنَّك إِذا أخطرته وأخطرت الْمَوْصُوف بِهِ ببالك لم يكن أَن تعرف الْمَوْصُوف إِلَّا وَقد عرفت هَذَا الْوَصْف، وَقد تكون للشَّيْء أَوْصَاف ذاتية فَوق وَاحِد، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فأعم الوصفين الواردين على الشَّيْء هُوَ جنسه، وأخصهما نَوعه، وَالْوَصْف الَّذِي يتَمَيَّز بِهِ الْأَخَص من الْأَعَمّ يُسمى فصلا، وَمَا لَيْسَ قوام الشَّيْء إِلَّا بِهِ يُسمى عرضيا، وَهَذَا العرضي مِنْهُ مَا يكون شَدِيد اللُّزُوم للمتصف بِهِ، وَمِنْه مَا هُوَ سهل اللُّزُوم، ثمَّ العرضي يَنْقَسِم إِلَى مَا يُوصف بِهِ نوع وَاحِد وَيُسمى خَاصَّة وَإِلَى مَا يُوصف بِهِ أَكثر من نوع وَيُسمى عرضا عَاما، فالصفات الواردات على الموصوفات تَنْقَسِم إِلَى الْأَجْنَاس والأنواع والفصول والخواص وَالْعرض الْعَام.
1 / 70
فالجنس أَعم كليتين ذاتيتين يحسن أَن يُقَال كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي جَوَاب مَا هُوَ، وَالنَّوْع أخصهما، والفصل هُوَ الذاتي الْمُفْرد الَّذِي يُمَيّز النَّوْع عَن قسمه فِي جنسه، والخاصة هُوَ الْوَصْف الْمُمَيز، لَكِن لَا تميز ذاتيا، والعرضي هُوَ الَّذِي يكون وَيبْطل مَعَ بَقَاء الْمَوْصُوف.
مُقَدّمَة:
" للفظة ثَلَاث دلالات: دلَالَة الْمُطَابقَة وَهِي: دلالتها على مَا وضعت لَهُ. وَدلَالَة تضمين وَهِي دلالتها على مَا يشْتَمل عَلَيْهِ مسماها من أَبْعَاضه. وَدلَالَة الْتِزَام وَهِي دلالتها على مَا تستتبعه من الْمعَانِي اللاحقة بِالْمُسَمّى كالشهد يدل على الضَّرْب دلَالَة مُطَابقَة، وعَلى الشمع دلَالَة تضمين، وعَلى الخلية دلَالَة الْتِزَام، والمستعمل فِي الْعُلُوم دلَالَة التَّضْمِين، والمطابقة ".
1 / 71
مُقَدّمَة:
الْقيَاس قَول مؤلف من أَقْوَال يلْزم عَنْهَا بِنَفسِهَا قَول آخر دَائِما، وَهُوَ فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء: رد فرع إِلَى أصل بعلة جَامِعَة، وعَلى طَرِيق الاتساع هُوَ تشرف الذِّهْن من مَعْلُوم، إِلَى مَعْلُوم وَبِه يقتنص الْعلم الْمُسَمّى معرفَة المتعدى إِلَى مفعولين، فَإِن الْعلم صنفان تصور وتصديق، فالتصور علم مَا الشَّيْء، والتصديق علم نِسْبَة المتصورات بَعْضهَا إِلَى بعض؛ وَهَذَا الْعلم للغرائز موهبة إلاهية، وَالْإِنْسَان يعلم بِهَذِهِ الغريزة، وَلَا يعلم كَيفَ علم كَمَا يبصر بِالْقُوَّةِ الباصرة، وَلَا يعلم الإبصار، وَكَذَلِكَ الشَّاعِر ينظم الْبَيْت ذَا الْوَزْن وَلَا يعلم الْعرُوض، فالقايس فِي الْعُلُوم وَلم يقدم معرفَة الْقيَاس كالفارض من غير أَن يعلم الْفُرُوض، وَفرق بَين من يعلم الْعلم، وَمن يعلم مَعَ ذَلِك علم الْعلم.
وأنواع الأقيسة ثَلَاثَة: الحملي، والشرطي الْمُتَّصِل، والشرطي الْمُنْفَصِل، ويلتحق بهَا قِيَاسا الْخلف والاستقراء.
مُقَدّمَة:
إِذا عرف الْمُسَمّى بسمة مقتضية لَهُ سميت اسْما محصلا، وَإِن عرف بضدها سمي لقبا عدميا، وَإِن قرن بِالِاسْمِ المحصل حرف سلب وَجعل مَعَه
1 / 72