قدم الإمام المحدث السيد صفي الدين الحنفي البخاري نزيل نابلس عليه الرحمة في كتابه القول الجلي في ترجمة الشيخ تقي الدين بن تيمية الحنبلي صورة تقريظ للإمام الحافظ في عصره بل حافظ الدنيا العلامة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن حجر العسقلاني قدس الله سره على الرد الوافر لابن ناصر الدين بالدمشقي الشافعي رحمه الله تعالى ولفظه
نص الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
وقفت على هذا التأليف النافع والمجموع الذي هو للمقاصد التي جمع لها جامع فتحققت سعة اطلاع الإمام الذي صنفه وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمه بين العلماء وشرفه وشهرة إمامه الشيخ تقي الدين ابن تيمية أشهر من الشمس وتلقيبه بشيخ الإسلام باق إلى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غدا لما كان بالأمس ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره وتجنب الإنصاف فما أكثر غلط من تعاطى ذلك وأكثر غباره فالله تعالى هو المسئول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله
ولو لم يكن من فضل هذا الرجل إلا ما نبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لما
Sayfa 12
مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين لكفى وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدا شهدها مؤون ألوف لكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير ما كان ببغداد بل أضعاف ذلك لما تاخر أحد منهم من شهود جنازته وأيضا فجميع من كان في بغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد وكان أمير بغداد وخليفة الوقت إذ ذاك في غاية المحبة له والتعظيم بخلاف ابن تيمية وكان أمير البلد حين مات غائبا وكان أكثر من في البلد من الفقهاء قد تعصبوا عليه حتى مات محبوسا بالقلعة ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم والتأسف عليه إلا ثلاثة أنفس تأخروا خشية على أنفسهم من العامة ومع حضور هذا الجمع العظيم فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته لا بجمع سلطان ولا غيره وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أنتم شهداء الله في الأرض وقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مرارا بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة ودمشق ولا يعلم عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته ولا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصب عليه حينئذ من أهل الدولة حتى حبس بالقاهرة ثم الإسكندرية ومع ذلك فكلهم يعترف بسعة علمه وزهده ووصفه بالسخاء والشجاعة وغير ذلك من قيامه في نصرة الإسلام والدعاء إلى الله تعالى في السر والعلانية
Sayfa 13
فكيف لا ينكر على من أطلق عليه أنه كافر بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام الكفر وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك فإنه شيخ مشايخ الإسلام في عصره بلا ريب والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادا وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبري منه ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب فالذي اصاب فيه وهو الأكثر يستفاد منه ويترحم عليه بسببه والذي أخطأ فيه لا يقلد فيه بل هو معذور لأن علماء الشريعة شهدوا له بأن ادوات الاجتهاد اجتمعت فيه حتى كان أشد المتعصبين عليه العاملين في إيصال الشر إليه وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني شهد له بذلك وكذلك الشيخ صدر الدين بن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره ومن أعجب العجب ان هذا الرجل كان من أعظم الناس قياما على أهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر فيا قرة أعينهم إذا سمعوا تكفيره ويا سرورهم إذا رأوا من يكفره من أهل العلم فالواجب على من يلتبس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشهورة أو من السنة من يوثق به من اهل النقل فيفرد من ذلك ما ينكر فليحذر منه قصد النصح ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء الأنجاب
Sayfa 14
ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السارة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتمييز في المنطوق والمفهوم ائمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلا عن الحنابلة فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر أو على من سماه شيخ الإسلام لا يلتفت إليه ولا يعول في هذا المقام عليه بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق ويزعن للصواب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل
قال وكتبه أحمد بن علي بن محمد بن حجر الشافعي عفا الله عنه وذلك في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول عام خمسة وثلاثين وثمان مئة حامدا ومصليا على محمد ومسلما هذا آخر كلامه
سؤال وجوابه للعلامة ابن حجر
ووجد هذا السؤال والأجوبة بخط الشيخ الصالح المفيد محمد شمس الدين ابن المرحوم الشيخ تقي الدين ابن شيخ الإسلام أبي عمر قدس الله روحه وهو هذا بتاريخ عاشر القعدة تسع وأربعين وثمان مئة وجدت بخط لا أدري من سائله ولا من كاتبه وعليه أجوبة بخط من تذكر ومن خطوطهم نقلت
Sayfa 15
وصورة السؤال
ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في جماعة كانوا قاعدين في مسجد فقال واحد منهم كان الشيخ تقي الدين ابن تيمية من هذا العلم وما كان في زمانه مثله إلا القليل فقال واحد من الحاضرين هذا كان كافرا وقع منه الكفر في ثلاثين مكانا فحصل عند الجماعة الحاضرين من هذا الكلام حاصل أن يكون الحق مع الأول أو مع من قال إنه كافر ووقع منه الكفر
فبينوا لنا الحق وقد قال الله تعالى {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} افتونا مأجورين رحمكم الله تعالى أجمعين
وصورة الجواب
الحمد لله اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك
لا يطلق في ابن تيمية أنه كافر إلا احد رجلين إما كافر حقيقة وإما جاهل بحاله فإن الرجل كان من كبار المسلمين إلا أن له مسائل اختارها من مقالات المسلمين يلزم من بعضها الكفر عند بعض أهل العلم دون بعض ولازم المذهب ليس بمذهب ولم يزل المذكور داعية إلى الإيمان بالله تعالى طول عمره وقد أثنى عليه وعلى علمه ودينه وزهده جميع الطوائف من أهل عصره حتى ممن كان يخالفه في الاعتقاد
والله المستعان
قال وكتبه أحمد بن علي بن حجر الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين
جواب العلامة البلقيني
اللهم فهم الصواب
لم يصح عندنا ذلك وحاشاه ان يقع منه ذلك والعلم عند الله سبحانه وتعالى
كتبه صالح بن عمر البلقيني
Sayfa 16
جواب آخر صورته اللهم الهادي إلى الصواب
لا شك أن الشيخ الإمام العالم تقي الدين أبا العباس احمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام المشهور بابن تيمية الحراني الحنبلي كان من العلم والدين والورع على جانب عظيم وكان ذا فنون كثيرة ولا سيما علم الحديث والتفسير والفقه وغير ذلك وله تصانيف شتى وكان سيفا صارما على المبتدعين وكانت له مواعيد حسنة وكان كثير الذكر والصوم والصلاة والعبادة وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر ونكب في آخر عمره نكبات وجرت عليه أمور في مسائل تكلم بها فأخذ علماء دمشق عليه ورفعوا أمره إلى نائب الشام تنكز فاعتقلوه يوم الإثنين السادس من شعبان المكرم عام ست وعشرين وسبع مئة بقلعة دمشق وكان في قضيته تلك وإفتائه بحبسه قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة والقاضي شمس الدين الحريري وتوفي في الحبس ليلة الإثنين المسفر صباحها عن عشرين من ذي القعدة من سنة ثمان وعشرين وسبع مئة وكانت جنازته مشهورة
فإذا كان الأمر كذلك يجب على ولاة الأمور أن يعاقبوا هذا الجاهل المفسد الذي قال في حقه إنه كان كافرا بأنواع التعزير من الضرب الشديد والحبس المديد ومن قال لمسلم يا كافرا يرجع ما قاله إليه ولا سيما إذا اجترأ مثل هذا النجس وتكلم به في حق هذا العالم ولا سيما وهو ميت وورد النهي من الشارع عن الكلام في حق أموات المسلمين والله يأخذ الحق ويظهره
وكتبه محمود بن أحمد العيني الحنفي
والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
Sayfa 17