فهتف حبيب وسليمة بصوت واحد قائلين: نعم يا أم وردة!
فعادت الأم إلى حكايتها فقالت: تملك اليأس من نفس بيلاطوس فذهب إلى أقاصي الأرض هاربا من الضمير، إلا أن شبح الصليب بقي ماثلا أمام عينيه في كل حين.
ولكي يخنق صوت ضميره أخذ يبحث عن جنوده وشعبه، فلم يجد أحدا منهم، فهام على نفسه في مجاهل الأرض، لا يهدأ له روع ولا يقر له قرار!
فعندما كان يمر أمام الينابيع أو البحيرات كان يغمس يديه في مياهها، تينك اليدين اللتين أشارتا بالحكم على المسيح المبارك، وشفتاه المرتعشتان تتمتمان بهذه الكلمات: أنا بريء من دم هذا الصديق!
أما البشر فكانوا يرونه مجتازا من مدينة إلى أخرى بدون أن يضطربوا منه، أو أن يوجسوا خيفة من شره.
وبعد حين عاد بيلاطوس إلى بلاد اليهود، ووقف في روما مرة أخرى ... وفي أحد الأمساء رآه الشعب «مشنوقا» بعصابة وشاحه، فنزعوه عن الشجرة، ورموه في أعماق هوة مظلمة.
أما الأرض فلم تكن ترضى به طعاما في بطنها فبصقته، واضطر الشعب إلى إرجاعه إليها أولا وثانيا وثالثا، حتى أمر عاهل روما بأن يوضع في كيس مثقل بحجارة ضخمة، ويلقى في نهر التيبر، أحد أنهر روما.
إلا أن النهر لم يلبث أن هيج مياهه، وفاض على شواطئه حتى غمر عدة شوارع من المدينة.
أما المراكب فشرعت تتعالى مع الأمواج المجنونة، وينقلب بعضها على بعض، فخشي البحارة هول العاقبة، فنزعوا الجثة من أعماق المياه، وأخذوها إلى فرنسا حيث حفروا هوة عميقة في جبل قريب من مقاطعة فيان رموا فيها جثة بيلاطوس بعد أن ثقلوها بأطواد هائلة.
إلا أن الصواعق بدأت تنقض وتثور متلفة كل ما يتفق لها أن تجده في طريقها، حتى أحدثت أضرارا أكثر من التي حدثت في روما.
Bilinmeyen sayfa