أما القسوس فكانوا يتساءلون بصوت خافت منذهلين من تصرفه الغريب: ما حل بالأخ إلياس؟ ... ما دهاه؟ ...
وكان الرهبان الشيوخ يرفعون أكتافهم مستغربين تصرفه، جاهلين أمره!
أما الأحداث منهم فكانوا يقولون: إن الأخ إلياس يبحث عن حل لبعض المشاكل السرية، ويشتغل في مؤلف عظيم الشأن.
كان الأخ إلياس، العالم الكبير، رجل اللاهوت المستنير، الفيلسوف الدامغ، الذي بلغ أسمى قمة من قمم الفكر، وأضاء مبهمات عديدة من مبهمات اللاهوت المقدس، كان يقاسي هجمات رهيبة من جهنم!
كانت الشكوك قد تسلطت على ذلك الذكاء المشتعل بكل ما أوتيت من الهول المظلم، وكالحشرة القارضة تسربت إلى القسم الرفيع من تلك الروح، ومدت حواليها مضارب الدمار والغموم والموت! ...
ترك الأخ إلياس نفسه تستسلم لمداجنة المقاييس الفاسدة، وكان يسمع من حين إلى آخر صوتا علويا يقول له: أتعتقد أنك تستطيع الوصول إلى الحقائق بعسى وقد يمكن؟ ...
أتظن أنك تقدر أن تبلغ مطارح اليقين بالشك والريبة، أنت الذي اجتزت حدود العلوم؟ ...
إيه لعبة العجائب، اللاعدد لها، هل نفذت إلى جوهر المخلوقات؟ ...
وأحيانا كان يصغي إلى صوت هامس في نفسه: لم صيامك هذا يا أخ إلياس، ولم تقشفك؟ ... أأنت واثق من اللانهاية؟
كانت أفكار الكاهن رازحة تحت ظلام كثيف، وكان الليل مستوليا على روحه، يوحي إليها عذابات مفجعة، فمرارا كان يترامى على حضيض حجرته البارد بعد أن يكبل رجليه بالسلاسل، ويجعل يجلد نفسه حتى يدمى، فيرفع نظره الكئيب إلى السماء ويهتف صارخا: إلهي، أود أن أؤمن! أود أن أؤمن! ...
Bilinmeyen sayfa