وربما قيل في قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) كيف يصح ذلك وفي جملة أمته الفساق ومن يفسد في الأرض ومن هذا حاله لا يوصف بهذا الوصف. وجوابنا ان ذلك اشارة الى أمة الرسول صلى الله عليه وسلم في أيامه والمراد ان الخيار فيهم أكثر والتفاضل اذا كان في جميع لا يراد به كل عين فمتى قيل ان أهل بلد أصلح من أهل بلد آخر لا يراد به ذكر كل واحد بل المراد ما يرجع الى جماعتهم من كثرة خيارهن وبين ذلك بقوله (تأمرون بالمعروف) وذلك لا يرجع الى كل واحد. وقد قيل أراد تعالى أهل الصلاح فيهم فلا يدخل من عداهم فيه بدليل قوله من بعد (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) فبين في هذه الآية انها خالصة عن الشر بخلاف أهل الكتاب وفي قوله (وأكثرهم الفاسقون) ما يدل على صحة الجواب الاول فنبه بأن الاكثر منهم فساق بخلاف هذه الامة التي الاكثر منها أهل الخير ويقوى من يقول بالوجه الآخر قوله تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم) (يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر) فدل ذلك على ان المراد بالاول من يختص بالخير دون أهل الشر.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) ثم قال (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر) كيف يصح ذلك والمعلوم من حال الكفار انه ينتفع بما ينفقه في وجوه البر ويكون ذلك تخفيفا في عقابه. وجوابنا أن المراد بذلك ان ما ينفقه لا يحصل له ثمرته من الثواب وان كان عقابه أقل من عقاب كافر لم يفعل من البر ما فعله ولذلك قال تعالى بعده (وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون) وهذا دلالة على انه تعالى منزه عن الظلم ولو كان هو الذي خلق الكافر وكفره ليدرجه الى النار لما صح هذا التنزيه.
[مسألة]
وربما سألوا عن قوله (لو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم) والله تعالى قال بعده (منهم المؤمنون) وذلك تناقض.
وجوابنا أن المراد لو آمن من لم يؤمن منهم لانه لا يصح الا فيهم وقوله (منهم المؤمنون) يعني من تقدم ايمانهم فلا تناقض في ذلك.
[مسألة]
وربما قالوا كيف يقول تعالى (لن يضروكم إلا أذى) والاذى هو الضرر فكأنه قال لن يضروكم الا ضررا. وجوابنا ان المراد انهم لا يتمكنون الا من الضرر اليسير بما يكون من كلامهم ولذلك قال بعده (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار) وقال (ضربت عليهم الذلة) وبين انهم لا يضرون المسلمين الضرر الذي يظنون وانما ينالهم من جهتهم التأذي فالكلام متفق.
[مسألة]
Sayfa 75