فجوابنا ان قوله (كيف تكفرون) هو على التوبيخ والذم لهم من حيث كفروا مع ظهور آيات الله وظهور أمر الرسول مع ان ذلك يوجب الايمان ايجابا وانما يقتضي أن يختار المرء للايمان وقد ظهرا واتضحا ولذلك قال بعده (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) والمراد من يعتصم بكتابه وبرسله فيعمل بما يقتضيان العمل به (فقد هدي إلى صراط مستقيم) ومن لم يفعل فقد ضل وكفر.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) انه يدل على لزوم التقوى فوق استطاعته فقد روى عن بعض من لا يحصل انه منسوخ بقوله (فاتقوا الله ما استطعتم). وجوابنا ان حق تقاته لا يكون الا ما يستطيعون لانه تعالى لا يكلف نفسا الا وسعها فلا اختلاف بين الآيتين ولذلك قال (ولا تموتن) فان من حق تقاته ان يتمنى المرء حتى يموت مسلما ولذلك قال بعده (واعتصموا بحبل الله جميعا) فدعا الى الاجتماع أيضا وعلى التقوى وترك الاختلاف فيه ولذلك قال بعده (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) فان من أعظم نعم الله زوال التحاسد والتباغض والتنافس عن القوم ولهذا أقوى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لما انقادوا له على عظم محلهم وكان من قبل لا ينقاد بعضهم لبعض وحبل الله هو دينه وشرعه والتمسك بكتابه وسنة رسوله ولذلك قال (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) ولذلك قال (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) والمراد لكي تهتدوا فدل بذلك على انه أراد الاهتداء من جميعهم وقوله تعالى بعده (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) يدل على انه أوجب على طائفة ممن يهتدون بالآيات أن يدعوا الى الخير ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وانهم المفلحون وهم العلماء الذين يدعون الى الله ولذلك قال صلى الله عليه وسلم، العلماء أمناء الرسول على عباد الله.
[مسألة]
Sayfa 73