الثانية كتاب الإمام مسلم، وهما الصحيحان، أما الرتبة الثالثة، فإن العلماء جعلوها من حظ كتاب أبي داود "السنن"، فقد أثنى عليه أهل العلم، وذكروا له مآثر تجعله جديرا بهذه المكانة، وقد كتبه أبو داود على أبواب الفقه مقتصرا على السن، مبينا الأحكام، لم يتعرض لمباحث الأخبار، والقصص، ولا لأبواب الزهد، وفضائل الأعمال، اتبع طريقة الانتخاب. قال ﵀: "كتبت عن رسول الله ﷺ خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مائة حديث ١، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:
أحدها: قوله ﵇: "الأعمال بالنيات".
والثاني: قوله: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".
والثالث: قوله: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه".
والرابع: قوله: " الحلال بين والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات " ٢.
وكانت الاستشارة العلمية هدفا هاما عند أبي داود، إذ عرض كتابه على الإمام أحمد فاستحسنه ٣، واعتنى بكتابه فخرج فيه الصحيح وما دونه، وبيّن ما فيه وهن شديد ٤، وخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، لأنه أقوى عنده من رأي الرجال ٥. وما سكت عنه فهو صالح عنده، والحق أنه على ثلاثه أقسام: فيه الصالح للاحتجاج، والضعيف، والموضوع، كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح.
أما أبو داود: فهو الإمام الثبت، الحجة، الحافظ، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي، كان مقدما في زمانه، لم يسبقه أحد إلى المعرفة بتخريج العلوم، والبصر بمواضعها، سكن البصرة، وتردد على بغداد مرارا، وبها روى مصنفه هذا، ولد سنة اثتين ومائتين (٢٠٢ هـ)، ومات سنة خمسة وسبعين ومائتين. ﵀ ٦.
_________
١ وعدة ما فيه بالمكرر أربعة وسبعون ومئتان وخمسة آلاف (٥٢٧٤) .
٢ تاريخ بغداد ٩/٥٧.
٣ تاريخ بغداد ٩/٥٦.
٤ مقدمة ابن الصلاح ص٣٣.
٥ مقدمة ابن الصلاح ص٣٤.
٦ بتصرف، بعد دراسة عدة تراجم له. وانظر تاريخ بغداد ٩/٧٥-٧٧.
1 / 34