قلت: محك الاعتبار في ذلك أن يرى المنكر نفسه كالمكره على هذا الفعل كالمتكلف له والمتجشم المشقة فيه، ويود أن لو تصدى لهذا الفعل غيره وكفاه الله به ويحب أن لا يعلم به أحد من الناس اكتفاءً بعلم الله تعالى واطلاعه عليه، ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد، بل يود لو كلمه سرًا ونصحه خفية من غير ثالث لهما، ويكره أن يقال عنه أو يحكى ما اتفق له وأن يشتهر بذلك بين العامة، بل لو أثر كلامه وغير المنكر بقوله ثم اشتهر عند الناس نسبة ذلك إلى غيره لما شق عليه ذلك، إذ في علم الله بحقيقة الحال كغاية وهو المجازي كل أحد يعمله، ويكون قصده زوال المنكر على أي وجه كان، ولو حصل له مع زواله ازدراء وسب وتغليظ كلام وذمّ بين الناس أو إعراض وهجر ممن عادته المودة له والإقبال عليه، وغير ذلك من الأحوال التي تكرهها النفوس وتنفر منها الطباع، وإن كان في إنكاره تعرض للقتل، فتراه لا يفرق بين أن يقتل سرًا أو في ملأ بين الناس، إذ كان قصده وجه الله تعالى لا أن يُذكر بذلك.
- فهذه كلها من علامات الإخلاص، وحسن القصد، وابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة.
- وأما غير المخلص فبضد ذلك كله فيرى عند نفسه نشاطًا إلى هذا الفعل وإقبالًا عليه وسرورًا به محب أن يكون جهرًا في ملأ من الناس لا سرًا، ويحب أن يحكى عنه ذلك وأن يشتهر به، وأن يُحمد عليه حتى لو نسب زوال المنكر إلى غيره لقامت قيامته، بل تراه ينقضي عمره وهو يحكي ما اتفق له وما قال وما قيل له متبجحًا بذلك بين أقرانه وأبناء جنسه، وربما زاد في القصة ونقص ولو سبقه غيره إلى ما كان هو عزم عليه/ من ذلك ورجع السلطان إلى قوله لثقل عليه ذلك، أو شق عليه وكان عنده بمنزلة الذبح وربما يقول لمن يطلع على نيته كنت عزمتُ على أن أدخل على السلطان فأقول له كذا وكذا ولكن سبقني فلان، ولكنه لم يتكلم كما ينبغي، ولو دخلت لقلت كذا ولفعلت كذا، وأيضًا فتراه يحب إقبال السلطان عليه وتعظيمه له ولو لم يأتمر بما أمره، ولم ينته عما
1 / 76