Tamam al-Minnah fi al-Ta'liq 'ala Fiqh al-Sunnah
تمام المنة في التعليق على فقه السنة
Yayıncı
دار الراية
Baskı Numarası
الخامسة
Türler
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين القائل فيما جاء في "الصحيحين": "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" وعلى آله وصحبه الميامين ومن تبعهم على فقههم وهديهم إلى يوم الدين.
أما بعد فهذه هي الطبعة الثانية لكتابي "تمام المنة في التعليق على فقه السنة" وقد مضى على الطبعة الأولى قرابة ربع قرن من الزمان لم يتيسر لي إعادة النظر فيها وإعدادها للطبع مرة أخرى إلا في هذه الآونة الأخيرة من استقراري في عمان - الأردن فقد تيسر لي - والحمد لله - أن أطبع فيها بعض مؤلفاتي تحت إشرافي وتصحيحي مباشرة مع مساعدة بعض الموظفين في المكتبة الإسلامية وبذلك أتفادى أن يقع فيها قليل أو كثير من الأخطاء الفاحشة أو أن يسقط بعض السطور منها عند تصحيحها أو تصويرها دون إشراف دقيق عليها وقد تمكنا حتى الآن أن نطبع - تحت إشرافي - بعض المؤلفات أذكر على سبيل المثال: المجلد الثالث من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" والرابع تحت الطبع والرابع من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" والخامس تحت الطبع والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
1 / 3
ولهذه الطبعة الثانية من "تمام المنة" مزايا مهمة كثيرة أهمها أنني ضممت إليها بقية ما كان عندي من التعليق وهي التعليق على الجزء الثالث من الأجزاء الصغيرة التي كان "فقه السنة" طبع عليها أول الأمر وهو يبدأ بأول كتاب "الزكاة" وينتهي بآخر كتاب "الصيام" وبهذه الضميمة نكون قد علقنا على نحو ربع "فقه السنة" بفضل الله ﵎ راجيا منه ﷿ أن ييسر لي تمام التعليق عليه إذا نسأ الله في العمر وبارك في الوقت أو على الأقل أن أجرد بقية ما فيه من الأحاديث الضعيفة والمنكرة ليكون القراء على علم بها ومعرفة بحقيقة قدر المسائل التي أقيمت عليها كمثل الحديث المذكور في أول كتاب الجنائز وهو يلي الصيام -: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي" ... الخ فإنه ضعيف على شهرته في كتب السيرة ومن هنا أتى المؤلف وقد خرجته وبينت ضعفه في "تخريج فقه السيرة" ص ١٣١ ثم في "الضعيفة" ٢٩٣٣ وكحديث: "العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل: آية محكمة" وسنة قائمة فريضة عادلة "فإنه ضعيف أيضا وبيانه في "تخريج المشكاة" ٢٣٩ والإرواء ١٦٦٤ و"ضعيف أبي داود" ٤٩٦ وهو في آخر كتاب من كتب "فقه السنة"
الفرائض وبين هذا وكتاب الجنائز كتب أخرى فيها عشرات - إن لم أقل مئات - الأحاديث الواهية
هذا ولعلي لا أفشي سرا إذا ذكرت ما يأتي: لقد كان أحد إخواننا الجامعيين اقترح علي أن أرسل إلى الشيخ السيد سابق - تعاونا معه على الخير والعلم وتحري الحقائق - مقدمة كتابي هذا مع الجزء الأول وهما بخط يدي وقبل الطبع فاستجبت لاقتراحه وأرسلتهما
1 / 4
معه إليه فبقيا لديه أكثر من سنة ثم أعاد إلي بواسطة أحد إخواننا المقيمين في القاهرة الجزء المذكور دون المقدمة قد كنت استنسخت نسخة منها احتياطا والحمد لله تعالى.
رجع الجزء إلي دون أن يأتيني من فضيلة الشيخ شيء ينبئني عن رأيه فيه وفي المقدمة ولذلك بادرت إلى طبعهما مع الجزء الثاني في أول فرصة سنحت لي يومئذ على الآلة الكاتبة ثم الساحبة ستانسل.
وقد تبين لي من مقابلتي بعض المسائل في الطبعة القديمة التي وضعت عليها "تمام المنة" ببعض الطبعات الجديدة وبخاصة منها طبعة دار الكتاب العربي ذات المجلدات الثلاثة أن الشيخ لم يستفد من كتابي هذا شيئا يذكر لا فرق في ذلك بين ما كنت أرسلته إليه أو ما طبع منه بعد معه فقد لاحظت أن الأخطاء الحديثية والفقهية بقيت كما هي دون أي تعديل أو تغيير اللهم إلا في بعض المسائل المحدودة جدا فلا أدري أذلك لعدم تفرغه لقراءة ذلك أم لعدم قناعته بما فيه من النقد العلمي الخالص؟ ولعل الأقرب الأول فإن في كتابي من القواعد التي يجب على كل عالم التزامها ومن المسائل والأحاديث ما لا يجوز للعالم أن يمر بها دون أن يحدد موقفه منها نقدا أو تأييدا تضعيفا أو تصحيحا فيما لو وقف عليها كما سيرى القراء من ذلك الكثير والكثير جدا.
ولكن يحول بيني وبين الجزم بهذا الاحتمال أنني رأيته قد استفاد من نقدي إياه في عدة مواضع نبهت على بعضها تعليقا على الصفحات ٤٤ و٦٢ و١٠٤ و١٣٧ و١٤٥ ومن ذلك موقفه من مسألة الوضوء من المحرم الإبل "فإنه في الطبعة التي وضعت التعليق عليها كان قد أورد على ترجيح
1 / 5
الإمام النووي وجوب الوضوء منها إشكالا يصرف ضعفاء العلم ومقلدة المذاهب عن العمل بالحديث فعقب على النووي بقوله:
"إلا أنه يقال: كيف خفي حديث جابر والبراء على الخلفاء الراشدين.."الخ.
فرددت عليه بما يبطل هذا الإشكال من أصله كما ستراه في محله فكان من آثار ذلك أن المؤلف خضع للحق - جزاه الله خيرا - وحذف الإشكال المزعوم ولكنه لم ينوه بمن كان السبب في ذلك!.
وثمة مثال آخر فقد انتقدته في تصديره لحديث: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة" بصيغة التمريض الدالة على ضعف الحديث وبينت أنه حسن لغيره وألزمته أن يقول بذلك كما ستراه في الصفحة ٣٨ فإذا به يقع في خطأ جديد هو أفحش من الذي قبله من جهة وهو أنه عزاه لمسلم ولا أصل له عنده ومع ذلك فهو دليل على أنه وقف على نقدي إياه في هذا الحديث وأراد أن يصحح موقفه منه فكان ما رأيت!.
والخلاصة: لقد كنت آمل من المؤلف حفظه الله تعالى أن يستجيب لرغبتي ويحقق رجائي الذي أودعته في مقدمة الطبعة الأولى وأطلعته عليها قبلها - كما تقدم - وهو أن "يعيد النظر فيما كتب حتى الآن ويصحح الأخطاء التي تبينت له ويتريث في إصدار أجزاء الكتاب الأخرى".
كنت أرجو ذلك منه ولكن خاب الرجاء ومضى الرجل في إصدار بقية الكتاب على النهج المنتقد الذي جرى عليه في الأجزاء الأولى دون أن يلتزم تلك القواعد العلمية التي كنت أرسلتها إليه ودون أي تعديل أو تغيير في
1 / 6
منهجه! والعلم - كما هو معروف - في تقدم مستمر لا يعرف للجمود معنى وفي كل يوم تخرج المطابع مصادر علمية جديدة لم تكن معروفة من قبل مما يساعد الباحثين المحققين على تحسين مؤلفاتهم وتنقيحها وتغذيتها بفوائد جديدة وتحقيقات لم تكن متيسرة للكثيرين من قبل!.
من أجل ذلك فإني لما رأيت "فقه السنة" جامدا هكذا على مر السنين كما وضعه المؤلف قبل نحو نصف قرن من الزمان مع تكرر طبعه مرات ومرات بدا لي أن أعيد النظر فيما عندي من "تمام المنة في التعليق على فقه السنة" فنقحته وزدت فيه مسائل عدة وفوائد جمة ذكرت أهمها في مطلع هذه الكلمة فكان ذلك كله من دواعي إعادة طبعه ونشره على الناس في ثوبه الجديد سائلا المولى ﷾ أن يجعله وسائر مؤلفاتي عملا صالحا ولوجهه خالصا وأن لا يجعل لأحد فيه شيئا.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
عمان / ١ رجب سنة ١٤٠٨هـ
وكتب محمد ناصر الدين الألباني أبو عبد الرحمن
1 / 7
مقدمة الطبعة الأولى:
"إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ .
﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ١.
_________
١ هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله "ﷺ" يعلمها أصحابه وكان السلف يفتتحون بها خطبهم في دروسهم وكتبهم ولي فيها رسالة لطيفة جمعت فيها طرق حديثها وألفاظها وذكرت فيها فوائد تتناسب مع موضوعها وقد طبعت قريبا على نفقة جمعية التمدن الإسلامي بدمشق ثم طبعها المكتب الإسلامي طبعة ثانية جميلة مزيدة ومنقحة.
1 / 9
أما بعد فإن كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق من أحسن الكتب التي وقفت عليها مما ألف في موضوعه في حسن تبويب وسلاسة أسلوب مع البعد عن العبارات المعقدة التي قلما يخلو منها كتاب من كتب الفقه الأمر الذي رغب الشباب المسلم في الإقبال عليه والتفقه في دين الله به وفتح أمامهم آفاق البحث في السنة المطهرة وحفزهم على استخراج ما فيها من الكنوز والعلوم التي لا يستغني عنها مسلم أراد الله به خيرا كما قال ﷺ: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" متفق عليه وهو مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ١١٩٤
ولقد كان صدور هذا الكتاب - فيما أرى - ضرورة من ضرورات العصر الحاضر حيث تبين فيه لكثير من المسلمين أن لا نجاة مما هم فيه من الانحراف والاختلاف والانهيار وتغلب الكفار والفساق عليهم إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ يأخذون منها فقط ومن القرآن أمور دينهم ومسائل فقههم فكان لهذا لا بد لعامتهم من مصدر قريب التناول يمكن الاعتماد عليه والرجوع إليه حين يقتضيهم الأمر ويغنيهم عن المراجعات الكثيرة في الموسوعات العديدة من أجل مسائل قليلة أو كثيرة
فكان أن ألهم الله تعالى الأستاذ السيد سابق فأخرج لهم هذا الكتاب "فقه السنة" فقرب لهم الطريق وأنار لهم السبيل جزاه الله خيرا..
من أجل ذلك كنت ولا أزال أحض على اقتنائه والاستفادة مما فيه من السنة والحق - ومنذ صدور الجزء الأول منه من الحجم الصغير القديم - كل راغب في السنة وناصر للحق حتى انتشرت نسخه بين صفوف إخواننا السلفيين وغيرهم في دمشق وغيرها من البلاد السورية وغيرها فكان من نتيجة
1 / 10
ذلك أن توجهت إلي منهم أسئلة كثيرة عن غير قليل من المسائل والأحاديث الواردة فيه فكنت أجيبهم عنها بما أعلمه وكثيرا ما كان الجواب مخالفا لما في الكتاب فقد كنت أضعف كثيرا من أحاديثه وأخطئ عديدا من مسائله فلما رأى ذلك بعض الغيورين على فقه السنة والحريصين على نشرها صحيحة بين صفوف الأمة اقترح على أن أسجل ما آخذه على الكتاب وأنشره بين الناس فاعتذرت عن ذلك أول الأمر ثم لما تكرر الطلب فيه وألح به كثير غيره رأيت أنه لا بد من إجابة طلبتهم وتحقيق رغبتهم لما في ذلك من خدمة للكتاب بل الفكرة التي يحملها ويدعو الناس إليها وهي "جمعهم على الكتاب والسنة والقضاء على الخلاف وبدعة التعصب للمذاهب ... " كما صرح في مقدمته.
وعلاوة على ذلك ففيه تنزيه للكتاب مما وقع فيه من الأخطاء الفقهية والأحاديث الضعيفة التي يتنافى وجودها مع "فقه السنة" وبهذا أكون قد حققت شيئا من الرغبة التي كان أبداها للطرفين أحد إخواننا لما ذهب إلى مصر وهي التعاون في سبيل الفكرة المذكورة عن كثب وقرب ولكن حال دون ذلك عدة أسباب أهمها: بعد الدار وتعذر اللقاء فإذ قد فاتني ذلك فلا أقل من التعاون فيها عن بعد لأنه كما قيل: ما لا يدرك كله لا يترك جله..
فلما شرح الله لذلك صدري واطمأن له قلبي شرعت في قراءة ما صدر من أجزاء الكتاب قراءة إمعان وتدبر فكنت كلما تبين لي منه شيء يستحق ذكره والتنبيه عليه سجلته عندي وعلقته في وريقاتي فما أن انتهيت من التعليق عليها حتى تأكد لدي ضرورة ما صنعت ذلك لأنني وقفت فيها بعد
1 / 11
هذه الدراسة على أخطاء كثيرة بعضها مهمة جدا ما كنت أتصور وجودها فيها ولذلك فإني رأيت أنه لا بد من بيانها وقد وفق الله لذلك وله الحمد والمنة.
ولعل من الفائدة أن أشير إلى نوع تلك الأخطاء بصورة مجملة ليأخذ القارئ عنها فكرة عامة فتتبين له أهمية هذا التعليق فأقول:
يمكن حصر هذه الأخطاء على وجه التقريب فيما يلي:
١ - أحاديث كثيرة سكت المؤلف عليها وهي ضعيفة.
٢ - أحاديث أخرى قواها وهي عند التحقيق واهية.
٣ - أحاديث ضعفها وهي صحيحة أو لها أسانيد أخرى صحيحة.
٤ - أحاديث ينسبها لغير "الصحيحين" وهي فيهما أو في أحدهما.
٥ - أحاديث يعزوها لأحد "الصحيحين" وغيرها ولا أصل لها فيهما.
٦ - أحاديث يوردها ولا وجود لها في شيء من كتب السنة.
٧ - سوق الحديث من طريق صحابي يسميه برواية جماعة من المحدثين وهو عند بعضهم عن صحابي آخر أو أكثر.
٨ - عزوه الحديث لمخرجه ساكتا عليه مع أن مخرجه الذي نسبه إليه عقبه بما يقدح في صحته
٩ - عدم تتبعه أدلة المسائل فكثيرا ما يسوق المسائل دون دليل يؤيدها وأحيانا يحتج لها بالقياس مع أنه يوجد فيها حديث صحيح وتارة يستدل بالعموم وفيها دليل خاص.
1 / 12
١٠ - عدم استقصائه مسائل الفصل مثل "الأغسال المستحبة" ونحوها.
١١ - إيراده في المسالة الواحدة أقوالا متعارضة دون أن يرجح إحداها على الأخرى.
١٢ - اضطراب رأيه في بعض المسائل في المكان الواحد فيختار في أول البحث ما ينقضه في خاتمته.
١٣ - ترجيحه من الأقوال والآراء المتعارضة ما لا يستحق الترجيح لضعف دليله وقوة دليل مخالفه.
١٤ - مخالفته الحديث الصحيح الذي لا معارض له من الحديث في غير ما مسألة.
وهذا النوع الأخير من أنكر ما وقع للمؤلف فإنه لا يتفق في شيء مع توجيه المؤلف في الكتاب الناس إلى الأخذ بالسنة ولاسيما إذا عرفت أن عذره في المخالفة المشار إليها هو عدم أخذ الجمهور بالحديث في بعض المسائل أو عدم علمه بمن عمل به في مسألة أخرى وهذه هي شبهة المقلدين في رد السنن ومحاربتها وسيأتي كلام الإمام الشافعي الذي يبطل هذه الشبهة ويستأصل شأفتها جزاه الله خيرا
وقد يكون من نافلة القول أن أذكر أنني لا أريد بالتعليق على الكتاب وبيان أخطائه أن أحط من قدره شيئا أو أبخس من حقه بل إنما أريد الانتصار للحق بالحق وصيانة "فقه السنة" عن الخطأ ما أمكن فإن ذلك أدعى لإقبال الناس عليه والاستفادة منه وأحرى أن يقطع ألسنة خصوم الفكرة عن التكلم فيه بحق أو بباطل فلعل المؤلف - زاده الله توفيقا - يعيد النظر
1 / 13
فيما كتب حتى الآن ويصحح الأخطاء التي تبينت له ويتريث في إصدار أجزاء الكتاب الأخرى١ إلا بعد أن يتبين من صحتها وسلامتها من الأخطاء ويجردها من الأحاديث الضعيفة فإن في الصحيح ما يغني عن الضعيف.
هذا وإنني لما بدأت في التعليق على الكتاب ترددت في طريقة نقلي لكلامه أأنقله برمته أو بغالبه الذي يدل عليه أم أكتفي بنقل طرفه الأول الذي يشير إلى تتمته كما هي العادة في التعليقات؟ فأخذت الطريقة الأولى وهي وإن كانت تستلزم شيئا من التكرار بالنسبة لمن عنده الأصل "فقه السنة" فإنه أكثر فائدة ووضوحا لمن ليس عنده الأصل لأنه يستطيع أن يفهم الكلام المنتقدة والحديث المضعف ونحو ذلك دون أن يرجع إلى الأصل وقد سميته:
"تمام المنة في التعليق على فقه السنة".
والله تعالى أسال أن يجعله خالصا لوجه الله الكريم وأن ينفع به النفع العميم إنه سميع مجيب.
_________
١ كتب هذا قبل صدور الكتاب كاملا بأجزائه الكبيرة.
1 / 14
مقدمة علمية هامة:
وقبل الشروع في المقصود لا بد من أن أقدم بين يدي ذلك بعض القواعد الأساسية التي لا يستغني عن معرفتها من كان يعنيه أمر التفقه في السنة ولاسيما أن طريقة التأليف تستلزم ذلك لكي نتمكن من الإحالة إليها عندما تأتي مناسبتها وبذلك أوفر علي وعلى القراء وقتا غير قليل ونعفي أنفسنا من كثير من الإعادة التي لا ضرورة إليها كما سيرى القارئ الكريم.
القاعدة الأولى رد الحديث الشاذ اعلم أن من شروط الحديث الصحيح أن لا يكون شاذا فإن تعريف الحديث الصحيح عند المحدثين: "هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا ففي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والشاذ وما فيه علة قادحة مما في روايته نوع جرح"١. _________ ١ "مقدمة ابن الصلاح" ص ٨.
القاعدة الأولى رد الحديث الشاذ اعلم أن من شروط الحديث الصحيح أن لا يكون شاذا فإن تعريف الحديث الصحيح عند المحدثين: "هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا ففي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والشاذ وما فيه علة قادحة مما في روايته نوع جرح"١. _________ ١ "مقدمة ابن الصلاح" ص ٨.
1 / 15
والحديث الشاذ ما رواه الثقة المقبول مخالفا لمن هو أولى منه على ما هو المعتمد عند المحدثين١ وأوضح ذلك ابن الصلاح في "المقدمة" فقال ص ٨٦
"إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان مما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ أو أضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد به وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر..".
والشذوذ يكون في السند ويكون في المتن ولكل منهما أمثلة كثيرة سيأتي التنبيه على بعضها في مواطنها إن شاء الله تعالى.
_________
١ "شرح النخبة" لابن حجر ص ١٣ - ١٤
1 / 16
القاعدة الثانية رد الحديث المضطرب
علم مما سبق آنفا أن من شروط الحديث الصحيح أن لا يكون معللا فاعلم أن من علل الحديث الاضطراب وقد قالوا في وصف الحديث المضطرب:
"هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايتان أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا له حكمه.
ثم قد يقع الاضطراب في متن الحديث وقد يقع في الإسناد وقد يقع ذلك في راو واحد وقد يقع من رواة له جماعة والاضطراب موجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط"١.
ثم ضرب على ذلك مثلا حديث الخط الذي قواه المؤلف وسيأتي الرد عليه بإذنه تعالى في فصل السترة.
_________
١ "المقدمة" ص ١٠٣ – ١٠٤.
1 / 17
القاعدة الثالثة رد الحديث المدلس
التدليس ثلاثة أقسام:
١ - تدليس الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه وقد يكون بينها واحد أو أكثر ومن شأنه أنه لا يقول في ذلك: أخبرنا فلان ولا: حدثنا وما أشبهها وإنما يقول: قال فلان أو: عن فلان.. ونحو ذلك من الصيغ الموهمة للسماع.
٢ - تدليس الشيوخ وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف.
٣ - تدليس التسوية وهو أن يجئ المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة وقد سمعة ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة.
فيعمد المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها فيصير الإسناد كله ثقات ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي عدم قبوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل ولذلك كان شر أقسام التدليس ويتلوه الأول ثم الثاني١.
وحكم من ثبت عنه التدليس إذا كان عدلا أن لا يقبل منه إلا ما صرح
_________
١ انظر "المقدمة" وشرحها للحافظ العراقي ص ٧٨ – ٨٢.
1 / 18
فيه بالتحديث وبعضهم لا يقبل حديثه مطلقا والأصح الأول كما قال الحافظ ابن حجر١ على تفصيل لهم في ذلك فليراجع من شاء كتب "المصطلح".
_________
١ شرح النخبة ص ١٨.
القاعدة الرابعة رد حديث المجهول قال الخطيب في "الكفاية" ص ٨٨: " المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد". وأقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعدا من المشهورين بالعلم كذلك. قلت: إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه وقد زعم قوم أن عدالته تثبت بذلك. ثم ذكر فساد قولهم في باب خاص عقب هذا فليراجعه من شاء. قلت: والمجهول الذي لم يرو عنه إلا واحد هو المعروف بمجهول العين وهذه هي الجهالة التي ترتفع برواية اثنين عنه فأكثر وهو المجهول الحال والمستور وقد قبل روايته جماعة بغير قيد وردها الجمهور كما في "شرح النخبة" ص ٢٤ قال:
القاعدة الرابعة رد حديث المجهول قال الخطيب في "الكفاية" ص ٨٨: " المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد". وأقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعدا من المشهورين بالعلم كذلك. قلت: إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه وقد زعم قوم أن عدالته تثبت بذلك. ثم ذكر فساد قولهم في باب خاص عقب هذا فليراجعه من شاء. قلت: والمجهول الذي لم يرو عنه إلا واحد هو المعروف بمجهول العين وهذه هي الجهالة التي ترتفع برواية اثنين عنه فأكثر وهو المجهول الحال والمستور وقد قبل روايته جماعة بغير قيد وردها الجمهور كما في "شرح النخبة" ص ٢٤ قال:
1 / 19
"والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها بل يقال: هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين".
قلت: وإنما يمكن أن يتبين لنا حاله بأن يوثقه إمام معتمد في توثيقه وكأن الحافظ أشار إلى هذا بقوله: إن مجهول الحال هو الذي روى عنه اثنان فصاعدا ولم يوثق"وإنما قلت: "معتمد في توثيقه" لأن هناك بعض المحدثين لا يعتمد عليهم في ذلك لأنهم شذوا عن الجمهور فوثقوا المجهول منهم ابن حبان وهذا ما بينته في القاعدة التالية
نعم يمكن أن تقبل روايته إذا روى عنه جمع من الثقات ولم يتبين في حديثه ما ينكر عليه وعلى هذا عمل المتأخرين من الحفاظ كابن كثير والعراقي والعسقلاني وغيرهم. وانظر بعض الأمثلة فيما يأتي ٢٠٤ – ٢٠٧.
القاعدة الخامسة عدم الاعتماد على توثيق ابن حبان قد علمت مما سبق آنفا أن المجهول بقسميه لا يقبل حديثه عند جمهور العلماء وقد شذ عنهم ابن حبان فقبل حديثه واحتج به وأورده في "صحيحه" قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان ": "قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قلته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر ولو كان ممن يروي المناكير ووافق الثقات في الأخبار لكان عدلا مقبول الرواية إذ الناس أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح [فيجرح بما ظهر منه من الجرح] هذا حكم المشاهير من
القاعدة الخامسة عدم الاعتماد على توثيق ابن حبان قد علمت مما سبق آنفا أن المجهول بقسميه لا يقبل حديثه عند جمهور العلماء وقد شذ عنهم ابن حبان فقبل حديثه واحتج به وأورده في "صحيحه" قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان ": "قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قلته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر ولو كان ممن يروي المناكير ووافق الثقات في الأخبار لكان عدلا مقبول الرواية إذ الناس أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح [فيجرح بما ظهر منه من الجرح] هذا حكم المشاهير من
1 / 20
الرواة فأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها". " الضعفاء" ٢ / ١٩٢ - ١٩٣ والزيادة من ترجمة عائذ الله المجاشعي.
ثم قال الحافظ:
"قلت: وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة حتى يتبين جرحه مذهب عجيب والجمهور على خلافه وهذا مسلك ابن حبان في "كتاب الثقات" الذي ألفه فإنه يذكر خلقا نص عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون وكان عند ابن حبان أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور وهو مذهب شيخه ابن خزيمة ولكن جهالة حاله باقية عند غيره". هذا كله كلام الحافظ.
ومن عجيب أمر ابن حبان أنه يورد في الكتاب المذكور بناء على هذه القاعدة المرجوحة جماعة يصرح في ترجمتهم بأنه "لا يعرفهم ولا آباءهم"!
فقال في الطبقة الثالثة: "سهل يروي عن شداد بن الهاد روى عنه أبو يعفور ولست أعرفه ولا أدري من أبوه".
ومن شاء الزيادة في الأمثلة فليراجع "الصارم المنكي" ص ٩٢ - ٩٣ وقد قال بعد أن ساقها:
"وقد ذكر ابن حبان في هذا الكتاب خلقا كثيرا من هذا النمط وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح وإن كان مجهولا لم يعرف حاله وينبغي أن ينتبه لهذا ويعرف أن توثيق ابن حبان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق".
1 / 21
ولهذا نجد المحققين من المحدثين كالذهبي والعسقلاني وغيرهما لا يوثقون من تفرد بتوثيقه ابن حبان وستأتي أمثلة كثيرة على ذلك عند الكلام على الأحاديث الضعيفة التي وثق المؤلف - أو من نقل عنه - رجالها مع أن فيها من تفرد ابن حبان بتوثيقهم من المجهولين
ومما ينبغي التنبه له أن قول ابن عبد الهادي:
" وإن كان مجهولا لم يعرف حاله" ليس دقيقا: لأنه يعطي بمفهوم المخالفة أن طريقة ابن حبان في "ثقاته" أن لا يذكر فيه من كان مجهول العين وليس كذلك بدليل قوله المتقدم في "سهل": "لست أعرفه ولا أدري من أبوه". ومثله ما يأتي قريبا.
وكذلك قول الحافظ: "برواية واحد مشهور" يوهم أن ابن حبان لا يوثق إلا من روى عنه واحد مشهور: لأنه إن كان يعني مشهورا بالثقة كما هو الظاهر فهو مخالف للواقع في كثير من ثقاته وإن كان يعني غير ذلك فهو مما لا قيمة له لأنه إما ضعيف أو مجهول ولكل منهما رواة في "كتاب الثقات" وإليك بعض الأمثلة من طبقة التابعين عنده:
١ - إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال ٤ / ١٠:
"يروي المراسيل روى عنه معان بن رفاعة".
ثم ذكر له بإسناده عنه مرسلا: "يرث هذا العلم من كل خلف عدوله..". الحديث.
قلت: ومعان هذا قال الحافظ نفسه فيه:
"لين الحديث".
وقال الذهبي:
1 / 22
"ليس بعمدة ولا سيما أتى بواحد لا يدرى من هو".
يعني إبراهيم هذا فهو مجهول العين وأشار ابن حبان إلى هذا فقال في ترجمة معان من "الضعفاء" ٣ / ٣٦: "منكر الحديث يروي مراسيل كثيرة ويحدث عن أقوام مجاهيل لا يشبه حديثه حديث الأثبات".
٢ - إبراهيم بن إسماعيل. قال ٤ / ١٤ - ١٥:
"يروي عن أبي هريرة روى عنه الحجاج بن يسار".
قلت: الحجاج هذا - ويقال فيه: ابن عبيد - قال الحافظ فيه:
"مجهول".
وكذا قال قبله أبو حاتم وغيره كما في "ميزان" الذهبي وبين وجه ذلك فقال:
"روى عنه ليث بن أبي سليم وحده"!
وليث هذا ضعيف مختلط كما هو معروف حتى عند ابن حبان ٢ / ٢٣١.
٣ - إبراهيم الأنصاري قال ابن حبان ٤ / ١٥:
"يروي عن مسلمة بن مخلد.. روى عنه ابنه إسماعيل بن إبراهيم".
قلت: وإسماعيل هذا مجهول كما قال الحافظ ومن قبله أبو حاتم.
فتبين من هذا التحقيق أن ابن حبان ترتفع جهالة العين عنده برواية واحد ولو كان ضعيفا أو مجهولا خلافا لظاهر كلام الحافظ المتقدم وإن كان
1 / 23