Fransızların Mısır ve Şam Bölgelerini İşgali
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
Türler
وحينما وصل الجواب الثاني إلى أمير الجيوش الأمير كليبر ووجد النص كالأول وأن الوزير عن أبواب مصر لا يتحول فجاوب هو أيضا بعدم الذهاب والخروج وبدأ يحصن القلع والبروج، وكتب الى ساير العساكر الفرنساوية التي كانت سايرة إلى رشيد وإسكندرية أن يرجعوا إلى مصر، وبدأ يضعهم خارجا عند باب النصر، ونصب المضارب والخيام على باب البلد من الجبل الجيوشي إلى البحر، وتكامل عسكره على ثمانية عشر ألفا مقاتل من كل ليث مجادل وقرم مخاتل، واجتمعت العساكر العثمانية مع الطموش المصرية على نحو ماية وستين ألف، وامتلأت منهم تلك البوادي من كل وادي ونادي، والمخاطبات كالمجاوبات على نص واحد وزعم جامد وقلب متباعد، وكل منهم بعيد التداني ولا يلين أحدهما إلى الثاني، واستقامت تلك المحاولات والمخاطبات على ذلك المرام سبعة أيام، ثم طلب الوزير الأعظم واحدا من المتقدمين عند الأمير كليبر لأجل المفاوضة بذلك الأمر العسير، فأرسل له الجنرال بوضوط مع ترجمانه الخاص فساروا إلى العسكر العثماني، وعند دخولهم على الوزير تحرك بالغضب عليهما، ولعنهما وشتمهما، وأمر بالقبض على الجنرال بوضوط، وطرد الترجمان وقال له: اذهب إلى مولاك الكافر وقل له: إن لم في الغد يسافر وإلا دهمته بهذه العساكر، وأطلقت فيكم النار ولا أعفي على كافر من هؤلاء الكفار، ورجع الترجمان وهو مرعوب فزعان ودمعه هتان على ما حل بصاحبه من الذل والهوان وأخبر الأمير كليبر بما سمع من الوزير، وكيف أسر الجنرال بوضوط وتركه في القيود مربوط، وما توعد به من الدمار والدثار إن لم يخرجوا من تلك الديار.
فلما سمع أمير الجيوش ذلك الخبر طارت من عينيه الشرار وكاد قلبه ينفطر، وقام وقعد وأرغى وأزبد، وفي الحال أمر بخروج المدافع والجبخانة وأحضر مصطفى باشا كوسا الذي كان في مصر مقيم ووضع عليه الترسيم، وأحضر القنصل النمساوي وقبض عليه؛ لأن كان ملكه متحد مع الدولة العثمانية، وفي تلك البلاد يحارب الفرنساوية، وسجن الاثنين في منزله الكاين في بركة اليزبكية، وكان ذلك نهار الخميس الواقع في ستة وعشرين شوال الذي به حال الارتحال وبان تغيير الأحوال، ولاحت علامات الأهوال، وبات الساري عسكر تلك الليلة على نية الحرب والقتال ومصادمة الأبطال، وأرسل الأخبار إلى رؤساء العساكر أن يكونوا على غاية الحذر، وأن المسير قبل طلوع النهار، سبحان الله القهار القاهر الجبابرة الكبار وهو العزيز الجبار ذو الجلالة والاقتدار.
ولما كان نصف ذلك الليل ركب أمير الجيوش بالخيل، وسارت قدامه تلك الأبطال والفرسان كأنهم الجان أو عفاريت سيدنا سليمان، لا يهابون الموت ولا يخشون الفوت، فليس لهم عن الحرب عايق، ولا يخشون حلول البوايق، بهمة أقوى من الجبال وقلوب قد تعودت على لقاء الأهوال، وكان قد ترك في منزله الجنرال درانطون مع ستين نفر صلدات؛ لأجل حفظ المنزل من الآفات، وفي القلاع قليل من الرجال وعندهم المرضى والمشوشين من الحروب معطلين والكتاب والنساء، والذين لا يدخلون الحرب تركهم في الجيزة، وطلب بذلك الجميع الغفير قتال عسكر الوزير، ويكبس على عسكر الإسلام في حندس الظلام والناس نيام ويبلغ منهم المرام، ومن قبل أن يصل إليهم ويهجم عليهم أطلق مدفع التنبيه، ثم أطلق ثانية فانتبهت عساكر الغز المصريين؛ لأنهم من ذلك معودين وذاقوا حرب الفرنساويين، وركب مراد بيك جواده وقد ارتعد فؤاده، وأرسل إلى ناصيف باشا ابن وزير الأعظم يقول له: الفرنسيس اقتربوا إلينا والظاهر أنهم كابسين علينا؛ فانهض بالعساكر ولا تكن غير فاكر، فأجابه ناصيف باشا بقلب فاتر: إن الفرنسيس الكافر لا يستطيع الهجوم على هؤلاء العساكر، وفي تلك الساعة أطلق أمير الجيوش المدفع الثالث الكبير وهو مجد بالمسير، فتحقق ناصيف باشا قدوم الكفار وبقي في رعب وافتكار وأيقن بالذل والاحتقار، وكان هو في أول عسكر في الإنكشارية مع الغز المصرية، وانتبهت عساكر الاسلام، واستعدوا للحرب والصدام ومشوا بضجة وهرج طالبين ملاقاة الإفرنج، هذا والفرنساويون قادمون عليهم بقلب غير هايم وضرب البارود الدايم.
ولما تقاربا الفريقان وهجمت الإسلام بضجيج ارتعدت منه الجبال، ولكن بقلوب مرتاعة من لقاء الأهوال، فرجعت إلى خلف الفرنساوية بمخاتلة ومكيدة حتى طمعت بهم تلك الجماهير المتشددة، فانقسمت الفرنساوية قسمين وأطلقوا عليهم مدفعين، ثم أطلقوا عليهم نار البارود، ودهمتهم تلك العساكر والجنود، فيا لها من ساعة يكل عن وصفها اللسان! وترتعد من ذكرها الأبدان! وترتعب من سماعها الإنس والجان! وتصادمت تلك الجيشان العظام تحت غسق الظلام، وماجت جيوش الإسلام، وأكثرهم طلب الهرب والانهزام، وصدمتهم الإفرنج أي الصدام، وأورثتهم مواريث الإعدام، وبدلت فيهم الحسام تحت ستور الظلام، والتطمت العساكر كالبحور الزواخر، وأرمت الفرنساوية عليهم الكلل والقنابر كالسيل القاطر، وجادوا عليهم بضرب السيوف البواتر، وكثر الصياح وزاد النواح وزهقت الأرواح من ضرب السلاح، وطلبت الإسلام الهرب والرواح في تلك البوادي والبطاح، وصاحوا: الفرار الفرار من وقوع الأقدار، وقد بليوا بالعدم والدمار والذل والانكسار، وتشتتت تلك الجيوش في البراري والقفار، المحارم في أعناقهم إشارة الذل والهوان، ودخل إلى المدينة وتسلم الحصون المتينة، ورجع في الحال إلى مصر بكل عز ونصر.
وأما ما كان من أمير الجيوش كليبر ذلك البطل الحضير، فإنه حين كسر عسكر الإسلام وفرقهم في تلك الروابي والآكام، وهم في مسيره في طلب الوزير إلى أن أشرف على مدينة بلبيس، فبعدما أبعد في تلك الأراضي تجمع البعض من عساكر الإسلام عند ضحى النهار؛ فمنهم الغز وناصيف باشا العظيم، والبعض من الإنكشارية، والمصريين الذين في تلك الأراضي خبيرين، وأتوا إلى مصر ودخلوا من باب النصر، وكتب ناصيف باشا إلى الوزير يعرفه أنه قد دخل القاهرة بعساكر وافرة، وملكوا الكنانة؛ لأنه لم يكن بها أحد من الفرنساوية، وأرسل الكتاب مع هجان ولم يدر ما حل ببقية عسكر الوزير من الذل.
وحين دخل ناصيف باشا والغز إلى مصر استبشرت أهلها بالعز والنصر، وكانوا خافوا من الفرنساوية لترجع إليهم وتبذل سيوفها فيهم، فاستنهضوا مع الغز في الحال وعللوا أرواحهم بالمحال، وهجموا على حارة الإفرنج التجار فنهبوا الأموال وقتلوا الرجال، وسبوا الحريم وقتلوا الأطفال، وبدوا يتعصبون عصبا ويهجمون على دور النصارى، فينهبون ويسبون ويصنعون القساوة والفساد شي ما له تعداد، وهجموا على حارة الأقباط وقفلوا في وجوههم الأبواب، وكان بها ذلك القبطي الذي كان مع الجنرال ديزه في الصعيد، فردهم مع أصحابه في الحرب العنيد والرصاص الشديد، وأتت الغز إلى حارة اليزبكية، وهجموا على بيت الساري عسكر، فضربتهم الصلدات بالرصاص والنار، ومنعوهم عن دخول الدار، وكان لهم يوم يذكر جيلا بعد جيل؛ لما به من الهول الجزيل والخوف العظيم والهم الجسيم والعذاب الأليم، وقد تيقنت النصارى بالهلاك والدمار وهتك الحريم وخراب الديار، وقام عثمان بيك كتخدا الدولة العلية في ذو الفقار ومعه الأمراء المصرية، وأتت إليه المشايخ والعلماء الإسلامية وجميع التجار مع التاجر المشهور السيد أحمد المحروقي المعلوم عند الوزير بالمعرفة والتدبير، وناصيف باشا نزل عند بركة اليزبكية بالإنكشارية، وأما مراد بيك لم يدخل البلد احتسابا مما يتجدد، وبقي يجول في بر الجيزة في شردمة وجيزة بفطنته الحريزة.
وكان عثمان بيك كتخدا الدولة العلية ذو نفس عتية وأخلاق مرضية وفطنة ذكية، فأخذته الشفقة والرحمة على الرعية، وأطلق المناداة برفع الأذاة عن النصارى والرعية، ومنع الإسلام المنع التمام عن النهب والحرام، وقال لهم: لا يجوز في ساير الأديان الأذاة على رعية السلطان، وغضب من ذلك الشان، وأمر أجناده أن تدور بالحارات وكل من بدا منه فساد يقطعوه بالسيوف الحداد. ولم تزل النار تتور والشر يفور والخلايق قايمة والهيجات دايمة على حارات الأقباط وبيت الساري عسكر ذلك النهار بتمامه والليل بظلامه، والخلايق تجتمع والجماهير تندفع، وهم يهيجون هيج الجمال ويهجمون هجم الرجال، ويرجعون خايبين الآمال، وقد اندهشت الأبصار وحارت الأفكار وتاه العقل وطار، وحار القايل ما يقول وخشي الناقل تكذيب المنقول في صلابة أوليك الستين صلدات الأبطال وثبات قلوبهم على حمل هذه الأهوال؛ إذ كانت تهجم عليهم الخلايق أفواج كالبحر العجاج، وتهجم عليهم الجيوش هجمات الوحوش ألوف ألوف تفوق العدد والصفوف ما لها مدد، وهذا الجنرال الصنديد يتلقاهم بعزم شديد، وذلك الثبات بستين صلدات، واستمروا على ذلك الشان يومان عظيمان، وهذه العوالم تندفع دفعة بعد دفعة وهي على بيت الساري عسكر مجتمعة وعن حربهم غير مرتجعة، ولا زالوا يهجمون ويرجعون بلا منفعة حتى ولى ذلك النهار القهار، وكان أوليك الصلدات تتلقى تلك الجموعات الهاجمة من كل الجهات، إذ كان كل منهم يصادم ألوفا ويرغم أنوفا ويهزم صفوفا، فاجتمع رأيهم أن يتركوهم ويذهبوا إلى الجيزة، وما كانوا يعلمون ما تم إلى العساكر الفرنساوية مع العساكر العثمانية في تلك البرية، وحين رأوا أكثر تلك العساكر التي دخلت إلى مصر استبشروا بالعز والنصر.
وبينما هم سايرين إلى الجيزة فالتقاهم رجل راكب من عسكر العثمانية على جواد متين عليه هيئة السفر، فسألوه ما الخبر؟ فأعلمهم أن جيش الوزير انكسر وأمير الجيوش انتصر، فانقطعت ظهورهم وحاروا في أمورهم، وانثنوا على أوليك الصلدات، وزاد الحرب وكثر البلاء والكرب، وأظهر ذلك الجنرال درانطون غرايب الفنون، وكان هذا الجنرل رأسه ممسوح من الشعر لكبر سنه فكانت أهل مصر تدعوه الأقرع والليث الأدرع، واشتد الحصار وهاجت أهل المدينة وأظهروا الأحقاد الكمينة، وهجموا على منزل مصطفى أغا وأتوا به إلى قدام ناصيف باشا، وقدموا عليه شهودات بأنه كان يؤذي المسلمين ويود الفرنساوية فأمر الباشا بقتله ونهب منزله، وقبض أيضا على أناس كثيرين من المسلمين الذين كانوا يخدمون الفرنساويين وأذاقوهم الموت المهين وأوردوهم موارد التلاف، وقبضوا على الشيخ خليل البكري نقيب الأشراف، وأتوا به حافيا عريانا ذليلا مهانا، وقدموه إلى عثمان بيك فأمر بإطلاقه بعدما قدموا عليه جملة شهادات، وكان في أكثر الأوقات شرب في منزله مع الفرنساوية المنكرات.
هذا وتلك الهجمة متصلة على تلك الصلدات من جميع الجهات وعلى حارة الأقباط التي بها يعقوب الصعيدي، وقد كافح هذا الرجل كفاحا عظيما وعارك عراكا جسيما، وفي سادس يوم من تلك الأسباب والأمور الصعاب هجمت الإسلام على حارة الأقباط ونهبوا البيوت وأيقنوا النصارى في الهلاك والارتباط، فهذا ما كان من أحوال مصر وذلك الاتفاق.
وأما ما كان من مدينة بولاق فإنهم حينما بلغهم دخول ناصيف باشا والغز إلى مصر بالعز والنصر فظنوا أن عسكر الإسلام انتصر وجيش الفرنساوية انكسر، فقاموا على النصارى الرعية فنهبوا أموالهم وسبوا أعيالهم وعصوا أهل بولاق عصاوة شديدة وبنوا متاريس جديدة، وبعد ثمانية أيام وصل أمير الجيوش إلى دار الكنانة، فوجدها من الأخصام ملآنة، وقد أشهروا العداوة وأظهروا العصاوة، وحدثهم عقلهم الزميم في الجهل العميم على عدم التسليم، واحتاط أمير الجيوش بعساكره الوافرة حول دايرة القاهرة، وصلبت أعناقهم على المحاصرة ومنع الداخل والخارج، وسدوا المسالك والمدارج، ونشب القتال بينهم نهارهم وليلهم، فطلبت خلو المدينة العساكر والحكام، فما مكنتهم من ذلك الأعوام، وتصددت الأعيان ذوي البيوت وحثهم على الإقامة والثبوت، ومنهم ذلك البهموت السيد أحمد المحروقي فهو يتصدر للجدال وصرف الأموال، وحرض الرجال على الحرب والقتال، ولم يزالوا المصريون مصرين على غرورهم المتين في محاربة الفرنساويين.
Bilinmeyen sayfa