Fransızların Mısır ve Şam Bölgelerini İşgali
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
Türler
وقبل شروق الشمس أقبل عليهم وقسم عساكره ثلاثة أقسام، وهجم على عساكر الإسلام وتارت نيران الحرب والقتال، وازدحمت الرجال والأبطال وحمي الضرب والطعان، وما مكثوا إلا برهة من الزمان حتى ذاقوا الموت أشكالا وألوان، فأرموا سلاحهم وطلبوا الأمان، وأكثرهم ألقوا أنفسهم في البحر خوفا من الموت والقهر والذل والأسر، فمنهم من صعد إلى المراكب ومنهم من مات غريق، وكانوا ثلاثة آلاف فأسروا منهم ثمانماية بلا خلاف، ورجع الجنرال ورديه إلى دمياط بالعز والنشاط، وصنع شنكا عظيما لأجل ذلك الانتصار وافتخر أعظم افتخار، وكان قد قبضواعلى مقدم ذلك العسكر، وهو الزرناجي باشي وكان مجروحا جرحا بليغا، وأحضر له الجنرال ورديه الحكماء وأمرهم بمداواته، وأخبر أمير الجيوش الأمير كليبر بذلك الانتصار على ذلك العسكر، فلامه على عجلته عليهم بسرعة القدوم إليهم وأنه كان واجب إمهال إلى حين تخرج الجميع من المراكب ويبليهم بالهلاك والمعاطب، ثم من بعد أربعة أيام مات الزرناجي باشي من ذلك الجرح الأليم والقهر العظيم، فأمر الجنرال ورديه أن يصنعوا له ميتما عظيما واحتفالا فخيما كعادة رؤساء العساكر، وأحضر علماء المدينة وساير الأعيان وقواد العساكر وأرباب الديوان، وأمرهم يمشون قدام نعشه وبندقهم منكسة، وألبس الخيل الحلل السود، ودفنه بأكبر الجوامع وأفخر المواضع.
وفي آخر شهر ربيع الأول سنة 1214 قدم الوزير الأعظم والدستور الأفخم إلى أراضي الشام بالعز والإنعام، بالعساكر الكثيرة والجيوش الغزيرة، وارتجت لقدومه الأقطار وخشيت سطوته الكبار والصغار، وكان وزيرا عادلا عاقلا فاضلا وعن أمور الشريعة مناضلا، يبغض الظلم والعدوان ويحب العدل والأمان، فامتلأت الأرض من العساكر والعشاير والجيوش والدساكر، وبادرت إلى حكمته الأمراء والحكام والخاص والعام، وأصحاب المقاطعات والأقاليم بالتحية والتسليم، وقدموا له الهدايا الفخيمة والذخاير العظيمة، ثم انتقل إلى غزة بالإكرام والعزة، وصحبته الجيوش العظام والباشاوات الفخام والغز المصريين الذين كانوا من الإفرنج هاربين وعن ديارهم مطرودين، ونشر العدل والأمان في جميع القرايا والبلدان، وطمن الرعية وأن يكونوا في غاية الحمية حسب الخطوط الشريفة العثمانية والهبات السلطانية، وكان قد طلب الجزار إلى المسير إليه بعساكره القوية، فاعتذر عن الحضور وتباين بالعصاوة والنفور، وامتنع عن تقديم الذخاير وإرسال العساكر، وخالف الأمر الشريف الفاخر، وبعد وصول الصدر الأعظم إلى غزة ابتدأت المراسلات من أمير الجيوش الفرنساوية بالصلح والاتفاق، ورفع الشر والنفاق وكان متعاطي تلك الأمور مصطفى باشا كوسا المأسور الذي ذكره تقدم وسبق، وسنذكر إن شاء الله كل ما تم واتفق.
وكنا قد شرحنا أن أمير الجيوش الأمير كليبر قد تدبر حسب إرشاد سالفه بونابارته بالمراسلات عن يد مصطفى باشا بإقامة الفرنساوية بمصر، حسبما قدمنا وأبت الدولة العثمانية عن ذلك، وقدم الوزير الأعظم عقد الصلح بشروط حقيقية وعهودات ملوكية، وأن يسلم مملكة مصر المحمية ويخرج بالعساكر الفرنساوية على حمية، وحين تحقق أمير الجيوش عدم قبول الدولة العثمانية إلى إقامتهم بالديار المصرية أجاب إلى إذهابهم بشروط أمينة وعهود متينة، وأرسل أحضر الجنرال ديزه من الصعيد وكان هذا ساميا في المقام صاحب عقل وتدبير ومقام خطير، وأحضر غيره من الجنرالات الكبار وعقد ديوان وقص لهم الخبر، فنظر أن الأكثر لهم ميل إلى السفر لعدم الإمداد وكثرة الأخصام والاضطهاد، وقد خلص لميعاد الذي وعد به بونابارته وحضر كتابات من الوزير تهديد وتوعيد بالوبال والدمار إن لم يخرجوا من تلك الديار، ويدهمهم بالرجال والأبطال كالرمال والسيل إذا سال بفرسان جبابرة وسيوف باترة، وأن يسلموا البلاد ويربحوا دماهم ودما العباد، وإن لم يسمعوا نصيحته ولا يخشوا سطوته فيحل بهم العدم ويندموا حيث لا ينفع الندم، فرد عليه الأمير كليبر الجواب: أما قولك: إن عساكرك مثل نجوم السماء؛ فهذا حقيق معلوم، إلا أنها بعيدة عن طاعتك كبعد الأرض عن النجوم، وأما قولك: إنها كالرمال؛ هذا ليس فيه محال فهم كثيرون في العدد قليلون على الصبر والجلد، وقلوبهم أصغر من حبة الرمل، وقوتهم أضعف من قوة النمل، وأما عساكرنا الشداد فهي قليلة التعداد، ولكنها قوية البطش في الجلاد، قريبة إلينا ودايما طوع لدينا، فإن دفعناها إلى الموت تندفع وإن ردنا رجوعها ترتجع، وإن منعناها تمتنع، ونحن في كل دقيقة من الزمان مستعدين للحرب والطعان وقهر الفرسان والشجعان وقبول ما يقدر علينا العزيز الرحمن.
واستمرت الأمور على هذا المنوال، والخوف منقسم بين الفريقين على كل حال؛ فلهذا جعل كل من الفريقين وسايط إلى الصلح والاصطلاح وعدم النزاع والكفاح، وحقن دم العباد وعدم خراب البلاد، وكان وسيط بذلك مصطفى باشا كوسا ما بين الأمير كليبر وبين الوزير، ثم تقدم إلى التوسط الجنرال سميت سرعسكر الإنكليز القايم في البحر ورابط البواغيظ، وانعقد الاتفاق على إرسال شخصين من طرف الوزير الأعظم وشخصين من طرف الأمير كليبر أن يتقابلا في حدود العريش، وهناك تتواقع المفاوضات والمداولات، وتوضح الفرنساوية شروطاتها وربوطاتها، ثم توجه من طرف الوزير الأعظم مصطفى أفندي الدفتردار ومصطفى أفندي رئيس الديوان، وتوجه من طرف أمير الجيوش الأمير كليبر الجنرال ديزه والكوميسار بوسلنج، وتقابلا الفريقان بأراضي العريش.
وابتدأت المداولة بين هؤلاء الأربعة أشخاص، وقدمت الفرنساوية شروطها، وقدمت العثمانلي ربوطها، وكل من الفريقين يكتب ما يتوقع إلى والي أمره ويستنظر الجواب، والوزير في أرض غزة، وكان حينما تم ذلك الإيراد وشاعت أخبار الصلح بين العباد تقدمت بعض عساكر الإسلام إلى أراضي العريش ونصبوا الوطاق قريب من القلعة، وأما عساكر الفرنساوية الذين في القلعة كانوا ثلثماية صلدات وسرعسكر الجنرال غزال، وبقي البعض من العساكر يتقدمون إلى القلعة، ويخاطبون العساكر الصلدات ويعرفوهم في الصلح الذي توقع فيما بينهم، وصارت الصلدات الفرنساوية تنزل من القلعة ويختلطون في عساكر الإسلام.
ووقع الوداد بين الجنرال غزال وبين مصطفى باشا أرناوط، فدعا الجنرال المذكور إلى مصطفى باشا إلى القلعة وصنع له وليمة عظيمة، وحضر الباشا إلى القلعة بأناس قليلين العدد، وأرشد عساكره أن بعد دخوله إلى القلعة يهجمون هجمة واحدة على الباب ويملكون القلعة ويقتلون من بها، وكان داير القلعة خندق وأمام الباب جسر من خشب، وكانوا الفرنساوية يرفعوه ويضعوه في الحبال، وكان من بعد دخول مصطفى باشا من باب القلعة هجمت أوليك العساكر بضجيج عظيم على الباب، فلم يعد يمكن الفرنساوية أن يرفعوا الجسر عن الخندق، ودخلت العساكر إلى القلعة ودار السيف بينهم، وعندما نظرت الفرنساوية هذه الخيانة سارع أحد الصلدات إلى جبخانة البارود وألقى فيها النار، وطلعت الجبخانة والناس متزاحمة وطارت تلك العوالم ، ويا لها من ساعة كانت مهولة! إذ قد احترق بها خلق ما له عدد من العساكر العثمانية والصلدات الفرنساوية، وسقط حيط القلعة إلى ناحية الباب، ومات مصطفى باشا حريقا بالنار، ولم يبق من الفرنساوية سوى نحو ماية نفر، فتراكمت العساكر وقبضوا عليهم، وحضرت الأخبار إلى أمير الجيوش كليبر فيما جرى على الفرنساوية الذين في قلعة العريش، فأخذه العجب واشتد به الغضب، ونبه على العسكر بأخذ الأهبة للسفر، وأحضر مصطفى باشا كوسا وأخبره بما جرى وتدبر على عسكره من الموت والضرر، وشرح له غدر الإسلام وخيانتهم وعدم أمانتهم، فتصاعب الأمر عليه وكبر ذلك لديه وقال له: على موجب هذا الأسلوب كيف تأمن منا القلوب؟ فبدأ مصطفى باشا يقدم له الاعتذار ويطرد من قلبه النار، ويدعي جهل عساكرهم وعدم طاعتهم إلى أكابرهم، ويلطف له الحادثة، ويتمناه أن لا يجعل الأمور ناكثة، وكان أمير الجيوش لم يزل مصرا على الركوب ومستعدا للحروب، وفي مبادي شهر شعبان سنة 1214 ركب من مدينة مصر إلى مدينة بلبيس بالصالحية بعدة عساكر قوية، وقبل خروجه من الكنانة أحضر العلماء وأرباب الديوان وباقي الحكام والأعيان، وأوصاهم على الصيانة وعدم الخيانة، ورفع البلابل والقلاقل، وحفظ الديار من القوم الأشرار، ويوعدهم بالدمار والدثار إن كانوا يذكرون عوايدهم السابقة ويتبعون الرأيات المنافقة والمشاقة، فتضمنت له العلماء والأعيان بهدوء الرعايا وعدم الافتنان.
وسار من مدينة القاهرة وشرار الغضب في فواده ظاهرة وتنفسات الصعداء من أحشائه طايرة، وعندما وصل إلى أرض الصالحية بدأ يختبر العساكر بفطنته الزكية فوجد قلوبهم منقسمة ووجوههم غير مبتسمة، ونفوسهم قلقانة ومن النفور ملانة، وقلوبهم إلى السفر ظمآنة، ومتحسرين من نفور أهل الكنانة وخاشين من الخيانة، وقد كان أخبره حاكم مدينة بلبيس أنه طلب الصلدات إلى المسير فامتنعوا، ثم أخبروه أيضا أن الجنرال ورديه حاكم مدينة دمياط أنه دق طبول المسير إلى أراضي قطية حسب أمر أمير الجيوش، فامتنعت الصلدات وأبدت التنكير وأبت عن المسير، فقلق الجنرال قلقا عظيما؛ إذ كان ذلك ضد عوايد العساكر الفرنساوية، ثم بلغه أيضا من حاكم مدينة الإسكندرية أن الصلدات الفرنساوية نهضوا على بعض الكوميسارية المسافرين بأمر أمير الجيوش إلى البلاد الإفرنجية ومنعوهم عن السفر بالكلية، وقالوا لهم: نحن نظيركم بالسوية وبالحرية، ومن المحال أن ندعكم تسيروا بهذه الأموال ونحن نقاسي الوبال والنكال، إما أننا نسير سوية وإما نمكث سوية، ثم بلغه أيضا أن أحد الجنرالية وهو جايز في أراضي طنطة؛ مقام السيد البدوي عليه أشرف السلام المشهور في أراضي مصر خرجت عليه شردمة من العربان والفلاحين وكان صحبته ثلاثة آلاف صلدات فلم يرضوا يحاربوهم، وحينما تواردت الأخبار إلى أمير الجيوش بذلك الديوان وعلم ذلك الشان، واتضح لديه بأن قلوب الفرنساوية غير مستوية، فكتم ذلك بسره، وعمل على الصلح والتسليم.
هذا ما كان من الفرنساوية وأما ما كان من صدر الدولة العثمانية أنه كان باذل جهده بإخراج الفرنساوية من المملكة المصرية من غير حرب ولا قتال، احتسابا مما يعلمه من بطشهم في الجدال، وقوة بأسهم وشدة مراسهم وعدم اكتراثهم، ومخافة على خراب البلاد وهلاك العباد وتلاف الأجناد؛ فلذلك ما سره أخذ قلعة العريش بالسيف مما حل بعسكره من الحيف بذلك الحريق الفظيع والأمر المريع، فكان يريهم الحرب والمصادمة ويتهددهم بالأوامر الصارمة، وأما قصده ومرامه بأن يخرجوا بالسلامة وتستخلص دار الكنانة، وكان هذا هو الصواب لأن الفرنساوية من أصعب القوم الصعاب، وحربهم مر العذاب، وكانوا قد تمكنوا القلع المكينة والحصون المتينة والأقاليم والمدينة، ويعلم بأن حروبهم كثيرة ومقاومتهم خطيرة؛ فلذلك كان يرغب أمر الصلح، وقد كان كل من الفريقين مقصوده الأمن والنجاح والتقريب والإيلاف وتدبير الأمور من غير خلاف، ورفع الخصام وبلوغ المرام، فولجت الوسايط بعقد الرباط، ورجعوا على ما كانوا عليه من الارتباط وتوفيق الشروط وتمكين العقد المربوط.
وما زالوا يثبتوا أشياء وينكروا أشياء، ويقبلوا أشياء ويرفضوا أشياء، حتى تمت المواد وحصل المراد، واتفقت الأمور على خروج العسكر الفرنساوي من مملكة مصر بالصلح والأمان، وتسليم الديار المصرية لدولة آل عثمان، على شروط وثيقة وعقود حقيقية، وأمضى عليها الأمير كليبر ووزيره الجنرال داماس، ثم الجنرال ديزه ، ثم بوسلنج مدبر الحدود، وأمضى عليها الوزير الأعظم والدفتردار رشيد، ومصطفى أفندي رئيس الكتاب، وكل من الفريقين أخذ نسخة الشروط، وأرسل الوزير الصورة إلى الدولة العلية، وأرسل أيضا الأمير كليبر الصورة إلى مدينة باريز إلى المشيخة الفرنساوية، وهذه الصورة:
إن الجيش الفرنساوي بمصر عندما قصد أن يوضح ما في نفسه من الشوق لحقن الدماء، ورأى نهاية الخصام المضر الذي حصل ما بين المشيخة الفرنساوية والباب الأعلى، ارتضى أن يسلم الإقليم المصري بحسب هذه الشروط الآتي ذكرها، بأمل أن في هذا التسليم يمكن أن يتجدد ذلك الصلح العام في بلاد الغرب قاطبة.
Bilinmeyen sayfa