تلوين الخطاب لابن كمال باشا: دراسة وتحقيق
إعداد: د. عبد الخالق بن مساعد الزهراني
الأستاذ المشارك في كلية اللغة العربية
المقدمة
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على صفوة خلق الله سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه: أما بعد:
فإن الله قد هيّأ للغة العربية رجالًا، سبروا أغوارها العميقة، وفهموا أسرارها، واستخرجوا دررها، وتنافسوا في خدمتها، فملأت مؤلفاتهم الصحائف، وانتشرت في مشارق الأرض ومغاربها، وبين الحين والآخر نجد مؤلّفًا قشيبًا، نفض عنه غبار النسيان، فبدأ بهيّ الطلعة، وليد اللحظة، تتطلع إليه الأنظار، وتهفو إليه الأفئدة، ومع هذا الدأب في إخراج كنوز التراث، والجهد المتواصل في تحقيقها، فما زالت المكتبات تخبّئ في زواياها نفائس، تضنّ بها على محبيها، والمتعطشين إلى ورود حياضها، على الرغم من سعيهم الحثيث إليها، وتنقيبهم الدؤوب عنها في كلّ مكان.
و"تلوين الخطاب" من نفائس المخطوطات، رسالة صغيرة الحجم، جليلة القدر، عثرت على مصورتين منها في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهي للعالم المشهور ابن كمال باشا رحمه الله تعالى.
وقد أغراني عنوانها، فهو عنوان جذاب، ينبئ عن اختيار أديب بارع، وعالم متمكن، وحين قلّبت صفحاتها، وجدتها رسالة قيّمة، حقيقة بأن يبذل فيها الجهد والوقت، وقد عثرت على مصوّرتين لها، فشرعت في نسخها، ومقابلة نُسختيها، وحين استعصى عليّ اختيار إحدى النسختين أصلًا عمدت إلى اختيار ما أراه صوابًا منهما، وما ترجّح لديّ من خلال قرائن السياق، وأثبت في الهامش ما يخالفه.
وإذا تبيّن لي أنّ في النسختين خطأ ظاهرًا، فإنَّني أجعل ما أراه صوابًا في المتن وأضعه بين معكوفتين، وأذكر في الهامش ما هو موجود فيهما، وإن كان ما
1 / 297
أظنَّه خطأ منقولًا عن أحد المصادر، فإني أستعين بهذا المصدر في التصويب، فأجعل الصواب في المتن، وأذكر في الهامش ما يخالفه.
وقد خدمت النصّ؛ فخرّجت الآيات القرآنية الكريمة التي وردت فيه، فبينت سورها وأرقامها، وخرّجت الأبيات الشعريّة وعزوتها إلى أصحابها، وذكرت مصادرها في الهامش.
وتتتبعت الأقوال التي أوردها المؤلف، فعزوتها إلى أصحابها، ووثّقتها من مؤلفاتهم، سوى نقلين لم أجدهما في المصادر التي أشار المؤلف إلى أنه نقلهما عنها، ونبّهت على ذلك في موضعه من الرسالة.
كما أنه نقل عن الكشف مرتين، والكشف لا يزال مخطوطًا، وقد بحثت عنه في المدينة فلم أجده، وسألت بعض المهتمين بكتب التفسير فلم أجد له خبرًا لديهم، ولذا فقد اكتفيت بالتوثيق من حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي لأن الشهاب ينقل عن الكشف كثيرًا في حاشيته هذه.
وجعلت مدخلًا قبل الرِّسالة، تحدثت فيه عن المؤلف؛ مولده، ونشأته، وطلبه للعلم، ومؤلفاته، وأعماله، ووفاته.
واتضح لي جهده وكفاحه في سبيل تحصيله العلم، حتى أصبح عالمًا لا يجارى، يتبوأ أعلى المناصب العلمية في عصره، ويخلّف ثروة كبيرة من المؤلفات في كثير من الفنون.
وتحدثت - أيضًا - عن الرِّسالة؛ فبيّنت عنوانها ووثّقت نسبتها إلى مؤلفها، وعرضت محتواها، وبيّنت قيمتها العلميّة، فذكرت ما فيها من مزايا وحسنات، والمآخذ التي ظهرت لي.
ثم قدّمت وصفًا للنسخ المخطوطة التي اعتمدت عليها في التحقيق وأوردت نماذج منها. ولا يخفى ما في تحقيق المخطوطات من مشقة وعناء، ولا
1 / 298
قدّر ذلك حقّ قدره إلا من مارسه، ورأي الجهد الذي يتكبّده الباحث في سبيل إقامة عبارة أو تصحيح كلمة، أو تخريج بيت، أو توثيق نقل ... وغير ذلك مما يعترض الباحث من عقبات يقف أمامها الساعات الطّوال حتى ييسّر الله له تجاوزها.
وكل جهد مهما عظم في عين صاحبه، يكون يسيرًا وينقلب متعةً حين تتحقّق الفائدة المرجوّة من ورائه، وأسأل الله ﷿ أن ينفع بهذا الجهد، وأن يجعله لبنة بنّاءة في خدمة اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، وأن يجعلنا جندًا مخلصين في سبيل إعلائها والمحافظة عليها، إنه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
1 / 299
التعريف بالمؤلف١
اسمه ونسبه:
هو: أحمد٢ بن سليمان بن كما باشا، الملقب شمس الدين.
اشتهر بابن كمال باشا. تركي الأصل، مستعرب.
_________
١ انظر في ترجمته: - الشقائق النعمانية طاشكبري زادة ٢٢٦-٢٢٧ دار الكتاب العربي - بيروت ١٩٧٥م.
- الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة للشيخ نجم الدين الغزّي ٢/١٠٧-١٠٨ تحقيق د. جبرائيل سليمان جبّور. منشورات دار الآفاق الحديثة - بيروت ط (٢) ١٩٧٩م.
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي ٨/٢٣٨-٢٣٩ دار الفكر د. ت.
- تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ٣/٢٥٢-٢٥٣. دار الهلال د. ت.
- الأعلام - خير الدين الزركلي ١/١٣٣، دار العلم للملايين (ط ٦) ١٩٨٤م.
- معجم المؤلفين عمر رضا كحالة ١/٢٣٨ دار إحياء التراث العربي - بيروت.
٢ لم يخالف في هذا إلا جرجي زيدان فقد ذكر أن اسمه: محمد بن أحمد بن سليمان.
تاريخ آداب اللغة العربية ٣/٣٥٢.
حياته: كانت لأسرته مكانة عالية إضافة إلى ما عرفت به من علم وفضل فقد كان جدّه من أمراء الدولة العثمانية، ولذا فقد نشأ ابن كمال في بيت جاهٍ وسلطان، وهذا يجعل حياته مرفّهة ومنعمّة، ولكنه التحق بالجيش وهو شاب، فكان لهذا أثر في تكوين شخصيته، من حرصٍ على الوقت، وجدٍّ، وتحمّلٍ للشدائد، والصبر على الصعوبات.
حياته: كانت لأسرته مكانة عالية إضافة إلى ما عرفت به من علم وفضل فقد كان جدّه من أمراء الدولة العثمانية، ولذا فقد نشأ ابن كمال في بيت جاهٍ وسلطان، وهذا يجعل حياته مرفّهة ومنعمّة، ولكنه التحق بالجيش وهو شاب، فكان لهذا أثر في تكوين شخصيته، من حرصٍ على الوقت، وجدٍّ، وتحمّلٍ للشدائد، والصبر على الصعوبات.
1 / 300
وأراد الله له الخير والذّكر الحسن، فرأى منظرًا صرفه عمّا هو فيه من عملٍ إلى طلب العلم، وقد وصف ذلك المنظر، فذكر أنه كان مسافرًا مع السلطان بايزيد خان ووزيره إبراهيم باشا، ثم صادف أن كان في حضرة الوزير أمير ليس في الأمراء أعظم مكانةً منه؛ لا يتصدّر عليه أحد من الأمراء، وبينما ابن كمال في هذا الموقف العسكري، الذي يقف فيه كل إنسان عند حدود رتبته، ولا يتطلّع إلى أعلى منها؛ إذا هو يشاهد رجلًا رثّ اللباس؛ لا تدلّ هيئته على علوّ منزلة، يخطو خطوات واثقة، فيتصدّر المجلس، ويتبوأ مكانًا أعلى من الأمير، فتدخل الدهشة والحيرة نفس ابن كمال، ويتساءل: لماذا لم يمنعه أحد؟! ولماذا رضي الأمير بهذا الأمر؟! وهمس إلى بعض رفقائه: من هذا الذي تصدّر على مثل هذا الأمير؟!.
فأخبره: إن هذا عالم، يقال له: المولى لطفي.
ولكن ابن كمال لم يقتنع بهذا الجواب، فهو لا يزال يزن الأمور بميزان مادّيّ بحتٍ، ولذا فقد سأل رفيقه أيضًا: كم وظيفته؟ أي ما مقدار ما يتقاضاه من الأجر؟ فأجابه رفيقه: ثلاثون درهمًا. ويدهش دهشة كبيرةً، لهذه المكانة التي أتيحت لهذا الرجل؛ إذ كيف يقدّم على الأمير ووظيفته بهذا المقدار الضّئيل؟
ولكن رفيقه بيّن له حقيقة الأمر، فقال:
العلماء معظّمون لعلمهم، فإنه لو تأخّر لم يرض بذلك الأمير ولا الوزير.
وكان له في هذا القول تفكير وتأمّل، دفع به إلى طلب العلم، فهو يريد علوّ المنزلة، ولا يمكن أن يصل إلى منزلة الأمير، ولكنه لو طلب العلم، فأصبح عالمًا، فإنّه سيصل إلى منزلة أعلى، ولهذا فقد قرّر أن يكون تلميذًا؛ وكانت هذه بداية انطلاقه نحو تحصيل العلوم المتنوّعة، وبذل في سبيلها أقصى جهده، ووجّه
1 / 301
كلّ طاقاته، فحصل له خير كثير، وجمع فنونًا عديدةً، برع فيها كلها وقد وصفه صاحب الشقائق النعمانية وصفًا رائعًا حين قال: "كان رحمه الله تعالى من العلماء الذين صرفوا جميع أوقاتهم إلى العلم، وكان يشتغل به ليلًا ونهارًا، ويكتب جميع ما لاح بباله.. وقد فتر الليل والنهار ولم يفتَّر قلمه"١.
وأثمر هذا الجهد عن مكانة عالية، وعلم متدفّق، جعلت ابن كمال باشا يتولّى التدريس في عدد من المدارس، حتى وصل إلى أرقاها؛ فدرّس في مدرسة علي بك بمدينة أدرنة، ثم بمدرسة أسكوب، ثم درّس بإحدى المدارس الثمان٢، ثم بمدرسة السلطان بايزيد بأدرنة.
وتولّى بعد ذلك القضاء بأدرنة. ثم قضاء العسكر الأناضولي. وانتهى به المطاف ليستقرّ في الإفتاء بالقسطنطينية إلى أن توفي سنة ٩٤٠هـ٣ رحمه الله تعالى.
_________
١ الشقائق النعمانية: ٢٢٧.
٢ المدارس الثمان، أو مدارس الصحن الثمان، تماثل الدراسات العليا في العصر الحاضر، وهي ثمان مدارس مجاورة لمسجد السلطان الفاتح.
انظر: تحقيق ودراسة سورتي الفاتحة والبقرة من تفسير ابن كمال باشا. ليونس عبد الحي ما. رسالة ماجستير مخطوطة بالجامعة الإسلامية.
٣ انظر:
- الشقائق النعمانية: ٢٢٧.
- الكواكب السائرة ٢/١٠٧-١٠٨.
- شذرات الذهب ٨/٢٣٨-٢٣٩.
- الأعلام ١/١٣٣.
مؤلفاته: كان ابن كمال باشا باحثًا موسوعيًاّ، خاض غمار التأليف في فنون شتّى، ولو تصفّحنا عناوين مؤلفاته التي ذكرت في المصادر لوجدناه عالمًا فذًاّ محيطًا بكثير من العلوم، فقد صنّف في: التفسير، والفقه، والفرائض، والأصول، وعلم
مؤلفاته: كان ابن كمال باشا باحثًا موسوعيًاّ، خاض غمار التأليف في فنون شتّى، ولو تصفّحنا عناوين مؤلفاته التي ذكرت في المصادر لوجدناه عالمًا فذًاّ محيطًا بكثير من العلوم، فقد صنّف في: التفسير، والفقه، والفرائض، والأصول، وعلم
1 / 302
الكلام، والبلاغة، واللغة، ولم يقف عند التأليف بالعربيّة، ولكنه ألّف بالفارسيّة والتركيّة، كما كان بارعًا في النظم والإنشاء أيضًا، فهو رجل موهوب، وقد وهب نفسه للعلم، فأثمر جهده عن حصيلة متميّزة، وليس من اليسير حصر مؤلفاته، خاصة أنه كان يعمد إلى اختيار الموضوعات الدقيقة، فيصنف فيها، ولذا كثرت رسائله، فقال عنه صاحب الشقائق "وصنّف رسائل كثيرة في المباحث المهمّة الغامضة، وكان عدد رسائله قريبًا من مائة"١. وشبّهه د/ناصر الرشيد في كثرة تأليفه "بالسيوطي وابن الجوزي وابن حزم وابن تيمية ممن اشتهر في تاريخ الإسلام بكثرة التأليف"٢.
وسأشير هنا إلى ما وقفت عليه من مؤلفاته:
١- أسرار النحو. وقد حققه د. أحمد حسن حامد٣.
٢- إصلاح الإيضاح، أو إيضاح الإصلاح٤ في الفقه وهو شرح لمتن للمؤلف.
٣- تاريخ آل عثمان٥.
٤- تجريد التجريد٦ في علم الكلام.
٥- تغيير التنقيح٧ في الأصول وهو شرح لمتن للمؤلف.
٦- تفسير القرآن العزيز٨.
_________
١ الشقائق النعمانية: ٢٢٧.
٢ رسائل ابن كمال باشا اللغوية: ١١ طبعة النادي الأدبي - الرياض ١٤٠١هـ.
٣ رسالتان في المعرب لابن كمال والمنشي: ٥٢ تحقيق د. سليمان إبراهيم العايد. جامعة أم القرى.
٤ الشقائق النعمانية: ٢٢٧. والكواكب السائرة: ٢/١٠٨، والأعلام: ١/١٣٣.
٥ الشقائق النعمانية: ٢٢٧، والأعلام: ١/٣٣.
٦ الشقائق النعمانية: ٢٢٧، والكواكب السائرة: ٢/١٠٨، وشذرات الذهب ٨/٢٣٩.
٧ الشقائق النعمانية: ٢٢٧، والكواكب السائرة ٢/١٠٨، والأعلام ١/١٣٣.
٨ الشقائق النعمانية: ٢٢٧، والكواكب السائرة ٢/١٠٨، وشذرات الذهب ٨/٢٣٩.
1 / 303
وقد حقق الباحث يونس عبد الحي ما سورتي الفاتحة والبقرة منه في رسالة علمية لنيل درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وذكر أن هذا التفسير من أول سورة الفاتحة إلى نهاية سورة الصافات.
٧- حواشٍ على التلويح١.
٨- حواشٍ على التهافت للمولى خواجة زاده٢.
٩- حواشٍ على شرح المفتاح للسيد الشريف٣.
١٠- حواشٍ على الكشاف٤.
١١- رجوع الشيخ إلى صباه٥.
١٢- شرح بعض الهداية٦.
١٣- شرح مشكاة المصابيح٧.
١٤- شرح مفتاح العلوم للسكاكي٨.
١٥- طبقات الفقهاء٩.
١٦- طبقات المجتهدين١٠.
١٧- كتاب في الفرائض١١ وهو شرح لمتن للمؤلف.
_________
١ الشقائق النعمانية: ٢٢٧، والكواكب السائرة ٢/١٠٨، وشذرات الذهب ٨/٢٣٩.
٢ الشقائق النعمانية: ٢٢٧، والكواكب السائرة ٢/١٠٨، وشذرات الذهب ٨/٢٣٩.
٣ الشقائق النعمانية: ٢٢٧، والكواكب السائرة ٢/١٠٨، وشذرات الذهب ٨/٢٣٩.
٤ الشقائق النعمانية: ٢٢٧، والكواكب السائرة ٢/١٠٨، وشذرات الذهب ٨/٢٣٩.
٥ تاريخ آداب اللغة العربية ٣/٣٥٣، والأعلام: ١/١٣٣. وقد طبع مرارًا بمصر.
٦ الشقائق النعمانية ٢٢٧، والكواكب السائرة ٢/١٠٨، وشذرات الذهب ٨/٢٣٩.
٧ معجم المؤلفين ١/٢٣٨.
٨ مخطوط بمكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة برقم (٨٧/٤١٦) .
٩ تاريخ آداب اللغة العربية ٣/٣٥٢، والأعلام ١/١٣٣.
١٠ تاريخ آداب اللغة العربية ٣/٣٥٢، والأعلام ١/١٣٣.
١١ الشقائق النعمانية: ٢٢٧، والكواكب السائرة ٢/١٠٨.
1 / 304
١٨- محيط اللغة١.
١٩- المهمات في فروع الفقه الحنفي٢.
وله عدد من الرسائل طبع منها مجموعة تضم ستًا وثلاثين رسالة٣، ومنها مجموعة مخطوطة تضم ثمانًا وعشرين رسالة في الخزانة التيمورية، ومجموعة خطيّة أخرى في أربع وعشرين رسالة فيها أيضًا٤.
ومن الرسائل التي نشرت - فيما وقفت عليه:
١- رسالة في تحقيق معنى كاد.
٢- رسالة في تحقيق التغليب.
٣- رسالة أن التوسع شائع.
٤- رسالة في تحقيق المشاكلة.
٥- رسالة في رفع ما يتعلق بالضمائر من الأوهام٥.
٦- رسالة في الفرق بين "من" التبعيضية و"من" التبيينية.
٧- رسالة في بيان ما إذا كان صاحب علم المعاني يشارك اللغوي في البحث عن مفردات الألفاظ٦.
_________
١ معجم المؤلفين ١/٢٣٨.
٢ معجم المؤلفين ١/٢٣٨.
٣ تاريخ آداب اللغة العربية ٣/٣٥٣، والأعلام ١/١٣٣.
٤ تاريخ آداب اللغة العربية ٣/٣٥٣.
٥ من ١ إلى ٥ هذه الرسائل الخمس حققها د. ناصر بن سعد الرشيد، ونشرها النادي الأدبي بالرياض عام ١٤٠١هـ بعنوان "رسائل ابن كمال باشا اللغوية".
والرسالة الأولى منها نشرها أيضًا د. محمد حسين أبو الفتوح كما سيأتي.
(٦-٧) هاتان الرسالتان حققهما د. محمد حسين أبو الفتوح مع الرسالة الأولى السابق ذكرها، ونشرها جميعًا بعنوان "ثلاث رسائل في اللغة لابن كمال باشا" مكتبة الحياة - بيروت ط (١) ١٩٩٣م.
1 / 305
٨- رسالة في تحقيق تعريب الكلمة الأعجمية١.
٩- التنبيه على غلط الجاهل والنّبية٢.
١٠- رسالة في الكلمات المعرّبة٣.
١١- رسالة في بيان الأسلوب الحكيم٤.
١٢- المزايا والخواص في الأسلوب البلاغي٥.
١٣- تحقيق معنى النظم والصياغة٦.
وهذا ما استطعت أن أصل إليه، وهناك من الباحثين من ذكر أن عدد رسائله تفوق ما ذكره صاحبا الشقائق والكواكب السائرة فقد ذكرا أن رسائله قريبة من مائة رسالة، بينما أشار د. محمد حسين: أبو الفتوح إلى أن لابن كمال باشا
_________
١ حققها د. سليمان بن إبراهيم العايد ونشرها مع رسالة أخرى لابن المنشي وجعلهما بعنوان (رسالتان في المعرّب لابن كمال والمنشي) من مطبوعات جامعة أم القرى، وحققها أيضًا د. حامد صادق قنيبي. وطبعت عام ١٩٩١م ط (١) دار الجيل - بيروت. بعنوان: "دراسات في تأصيل المعرّبات والمصطلح من خلال دراسة وتحقيق تعريب الكلمة الأعجمية لابن كمال باشا".
٢ نشرها د. رشيد عبد الرحمن العبيدي في مجلة المورد المجلد التاسع العدد الرابع ١٩٨١م.
٣ نشرها سليم البخاري في المجلد السابع من مجلة المقتبس. انظر (رسالتان في المعرب لابن كمال والمنشي: ٥٣) .
٤ حققها د. محمد بن علي الصامل. ونشرها في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الخامس عشر. شعبان ١٤١٦هـ.
٥ حققها د. حامد صادق قنيبي انظر (الأسلوب الحكيم دارسة بلاغية تحليلية مع تحقيق رسالة في بيان الأسلوب الحكيم لابن كمال باشا ودراستها، د. محمد بن علي الصامل: ٧١. مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - العدد الخامس عشر شعبان ١٤١٦هـ.
٦ حققها د. حامد صادق قنيبي، ونشرها في مجلة الجامعة الإسلامية العددان (٧١، ٧٢) ١٤٠٦هـ وكنت قد حققّتها أيضًا، ولم أطلع على تحقيق الدكتور المذكور إلا بعد فراغي من تحقيق النصّ ودراسته.
1 / 306
"عدة رسائل في اللغة، قيل إنها تزيد على ثلاثمائة رسالة في اللغة"١.
وهذا تراث ضخم أسأل الله أن يدلّ الباحثين على مواطنه كي يخرجوه إلى اللغة العربية ليفيدوا منه، وينهلوا من معينه.
_________
١ ثلاث رسائل في اللغة لابن كمال باشا: ١٨.
1 / 307
التعريف بالرِّسالة:
عنوانها - توثيق نسبتها إلى المؤلف - بيان محتواها - قيمتها العلميّة - المآخذ عليها
عنوانها:
لم أجد صعوبة في تحديد عنوان الرِّسالة، لأنّ المؤلّف نصّ عليه في مقدمّته، فقال: "وبعد فهذه رسالة مرتّبة في بيان تلوين الخطاب، وتفصيل شعبه....".
ووجدت في إحدى النسخ التي اعتمدتها عنوانًا بارزًا هو: "رسالة تلوين الخطاب".
وذكر هذا العنوان - أيضًا - الباحث يونس عبد الحي ما، فقال: "رسالة في الالتفات، وتسمّى برسالة في تلوين الخطاب"١.
وإن كان قد وهم في جعلها في الالتفات، لأن المؤلّف نصّ على أنها في تلوين الخطاب، والالتفات إحدى شعبه.
_________
١ تحقيق ودراسة سورتي الفاتحة والبقرة من تفسير ابن كمال باشا: ٩٣.
توثيق نسبتها إلى المؤلف: رسائل ابن كمال باشا كثيرة ومتنوّعة، ولذا كان المترجمون له يذكرون أنّ له رسائل كثيرةٌ وقد تربو على الثلاثمائة عند بعضهم٢. وأمام هذا العدد الهائل من الرسائل أحجم الباحثون عن تتبُّعها وبيان عناوينها وفنونها، واكتفوا بذكر ما اطلعوا عليه منها فقط، حتّى هيّأ الله باحثًا جادًّا، تتبّع مصنّفات ابن كمال جميعها، وفصّل فيها، فذكر عناوينها وموضوعاتها، وهو الباحث: يونس عبد الحي ما، وقد أورد مصنفات المؤلف _________ ١ تحقيق ودراسة سورتي الفاتحة والبقرة من تفسير ابن كمال باشا: ٩٣. ٢ انظر ما ذكر في مؤلفاته سابقًا.
توثيق نسبتها إلى المؤلف: رسائل ابن كمال باشا كثيرة ومتنوّعة، ولذا كان المترجمون له يذكرون أنّ له رسائل كثيرةٌ وقد تربو على الثلاثمائة عند بعضهم٢. وأمام هذا العدد الهائل من الرسائل أحجم الباحثون عن تتبُّعها وبيان عناوينها وفنونها، واكتفوا بذكر ما اطلعوا عليه منها فقط، حتّى هيّأ الله باحثًا جادًّا، تتبّع مصنّفات ابن كمال جميعها، وفصّل فيها، فذكر عناوينها وموضوعاتها، وهو الباحث: يونس عبد الحي ما، وقد أورد مصنفات المؤلف _________ ١ تحقيق ودراسة سورتي الفاتحة والبقرة من تفسير ابن كمال باشا: ٩٣. ٢ انظر ما ذكر في مؤلفاته سابقًا.
1 / 308
باللغة العربية في (٤٤) صفحة١ وهذا جهد يُشكر عليه، وتتبّع دقيق يحمد له.
وكان ممّا أورده من هذه المصنّفات، الرِّسالة التي نحن بصددها، وقد أسماها:
- رسالة في الالتفات، وتسمّى برسالة في تلوين الخطاب٢.
ومن عرف أسلوب ابن كمال باشا، أو قرأ بعض رسائله، فإنه لن يجد مشكلة في معرفة ما هو له، أو ليس له من الرسائل، فمما يميّز رسائله، أنه درج على نمط معين في التعريف بموضوعها، إذ يقول بعد التحميد: "فهذه رسالة رتبناها"، أو "فهذه رسالة مرتبة في.."
وانظر ما قاله في الرسائل الآتية:
- وبعد فهذه رسالة مرتّبة في وضع كاد وتوضيح طريق استعماله٣.
- وبعد فهذه رسالة رتّبناها في تحقيق المشاكلة وتفصيل ما يتعلق بها..٤.
- وبعد فهذه رسالة رتبناها في رفع ما يتعلق بالضمائر من الأوهام..٥.
- وبعد فهذه رسالة رتّبناها في تحقيق معنى النظم والصياغة..٦.
وهنا نجد أنّ هذه الرسالة تسير وفق ما ألفناه من قبل في الرسائل السابقة فقد جاء فيها:
- وبعد فهذه رسالة مرتّبة في تلوين الخطاب وتفصيل شعبه....
وممّا يوثّق نسبة الرِّسالة إلى صاحبها، أننا نجد علماء يكثر دورانهم في
_________
١ تحقيق سورتي الفاتحة والبقرة من تفسير ابن كمال باشا: ٥٣-٩٦.
٢ المرجع السابق: ٩٣.
٣ رسائل ابن كمال باشا تحقيق د. ناصر الرشيد: ٢١.
٤ المرجع السابق: ٦٩.
٥ المرجع السابق: ٦٩.
٦ رسالة منشورة في مجلة الجامعة الإسلامية - العددان (٧١،٧٢) .
1 / 309
رسائله، ينقل عنهم، أو يناقشهم ويعترض عليهم، وهؤلاء هم:
١- الزمخشري، ويشير إليه كثيرًا بقوله: صاحب الكشاف١.
٢- صاحب الكشف٢.
٣- البيضاوي٣.
٤- الشريف الفاضل٤.
٥- الفاضل التفتازاني٥.
٦- صدر الأفاضل في ضرام السقط٦.
وهؤلاء هم الذين تردّد ذكرهم كثيرًا في هذه الرسالة، ويبدو أنَّ المؤلّف قد ألفهم واعتاد مناقشتهم أو النقل عنهم في كثير من رسائله.
_________
١ انظر رسائل ابن كمال باشا: ٥٧، ٧٩، ٨٢، ٩٣، ٩٣، وثلاث رسائل في اللغة لابن كمال باشا تحقيق د. محمد حسين أبو الفتوح: ٤٥، ٤٦، ٥١، ١٢٣.
٢ انظر/ رسائل ابن كمال باشا: ٧٠، ٧٤، ٨٩، ٩٣.
٣ انظر/ المرجع السابق: ٨١، وثلاث رسائل في اللغة لابن كمال باشا: ٥٠، ٥٤، ١٢٥، ١٢٩، ١٣٠، ١٣١.
٤ انظر/ رسائل ابن كمال باشا: ٨٢، ٨٣، ٨٦، وثلاث رسائل في اللغة: ١٢٢، ١٢٧.
٥ انظر/ رسائل ابن كمال باشا: ٥٦، ٧٠، ٩٦، وثلاث رسائل في اللغة: ١٢٧.
٦ انظر/ رسائل ابن كمال باشا: ٥٥، ٥٦، وثلاث رسائل في اللغة: ٣٩.
محتوى الرسالة: في هذه الرسالة يبحث ابن كمال باشا تلوين الخطاب، فيبيّن أهميته وعناية العرب به أكثر من عنايتهم بقرى الأضياف، وما ذاك إلا لأنَّه قرىً للأرواح، ولذا فقد أولوه عنايتهم. ثم ذكر أن تلوين الخطاب يكون بأحد هذه الأمور: ١- العدول عن الخطاب الخاص إلى الخطاب العام، وقد مثّل له بقوله
محتوى الرسالة: في هذه الرسالة يبحث ابن كمال باشا تلوين الخطاب، فيبيّن أهميته وعناية العرب به أكثر من عنايتهم بقرى الأضياف، وما ذاك إلا لأنَّه قرىً للأرواح، ولذا فقد أولوه عنايتهم. ثم ذكر أن تلوين الخطاب يكون بأحد هذه الأمور: ١- العدول عن الخطاب الخاص إلى الخطاب العام، وقد مثّل له بقوله
1 / 310
تعالى: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ...﴾ ١ والشاهد من هذه الآيات في قوله تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ بعد قوله ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾ .
٢- صرف الخطاب عن مخاطب إلى مخاطب. ومثّل له بقول جرير٢:
ثِقِيْ بِاللهِ لَيْسَ لَهُ شَرِيْكٌ وَمِنْ عِنْدِ الْخَلَيْفَةِ بِالنَّجَاحِ
أَغِثْنِيْ يَا فِدَاكَ أَبِيْ وَأُمِّي بِسَيْبٍ مِنْكَ إِنَّك ذُو ارْتِياحِ
فهو يرى أن الشاعر انتقل من خطاب زوجته إلى خطاب الخليفة، وبناءً على ذلك فليس فيه التفات عنده، وإنما هو من قبيل تلوين الخطاب، لأن من شرط الالتفات أن يكون المخاطب في الحالين واحدًا، وقد بيّنت أنّ في هذين البيتين التفاتًا خلاف ما ذهب إليه المؤلف٣. وسواء كان فيهما التفات أو لم يكن كما قرّر ذلك المؤلف، فهما داخلان تحت تلوين الخطاب.
٣- العدول عن صيغة من الصيغ الثلاث وهي: صيغة التكلم، وصيغة الخطاب، وصيغة الغيبة، إلى الأخرى منها.
وهذا النوع لم يمثّل له.
٤- الالتفات: وذكر أنه: تغيير أسلوب الكلام بنقله من إحدى الصيغ الثلاث المذكورة سابقًا إلى الأخرى؛ بشرط أن يكون الكلام بعد النقل مع من كان قبله.
_________
١ سورة الأنعام: ١٠٦- ١٠٨.
٢ شرح ديوان جرير ٩٨، محمد إسماعيل الصاوي - الشركة اللبنانية - بيروت.
٣ انظر النصّ المحقق: ٤٧- ٤٨
1 / 311
والفرق بين هذا وما قبله، أنّ هذا خاصّ فيما إذا كان المخاطب قبل النقل وبعده واحدًا، بينما الذي قبله عامّ لا يشترط فيه استمرار الكلام بعد النقل مع من كان قبله.
وقد أسهب في هذا النوع، واستغرق منه معظم صفحات الرسالة، ولا غرابة في ذلك فالالتفات مما اعتنى ببحثه البلاغيون.
٥- تغيير الأسلوب دون النقل.
وهذا أيضًا لم يمثّل له، وأرى أنه باب واسع، يشمل كثيرًا من الأمور التي يكون فيها تغيير للأسلوب عن مقتضى ظاهر المقام، ويمكن حينئذٍ أن يدخل فيه ما أورده ابن الأثير في الالتفات مثل: الرجوع عن الفعل المستقبل إلى فعل الأمر وعن الفعل الماضي إلى فعل الأمر، والإخبار عن الفعل الماضي بالمستقبل، وعن المستقبل بالماضي١.
وحين نمعن النظر في تلوين الخطاب لدى ابن كمال باشا، نجده يحاول استقصاء الأساليب التي تلفت الانتباه، حين تتغيّر من حال إلى حال، وتخرج عن مقتضى الظاهر، فيجعلها داخلة في فروعه، وذلك لأنه رأى أن علماء البلاغة لا يعدّونها من الالتفات بعد أن تحدّد مفهومه، ووضعت له الشروط التي تخرج كثيرًا من الأساليب الخارجة عن مقتضى الظاهر، وخاصة عند متأخري علماء البلاغة حيث ذكروا أن الالتفات هو: "التعبير عن معنى بطريق من الثلاثة بعد التعبير عنه بآخر منها"٢ وإن كان السّكاكي أكثر تسامحًا منهم: فلا يشترط
_________
١ انظر/ المثل السائر ٢/١٧٩-١٨٦ قدمه وعلّق عليه د. أحمد الحوفي ود. بدوي طبانة، دار نهضة مصر - القاهرة ط (٢) .
٢ تلخيص المفتاح للخطيب القزويني ٨٦، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - بمصر. الطبعة الأخيرة، وشروح التلخيص ١/٤٦٥، دار الكتب العلمية - بيروت.
1 / 312
تحقّق التعبير أوّلًا، بل يكتفي بأن يكون التعبير قد عدل عمّا يتطلبه مقتضى الظاهر إلى خلافه١.
وكان الالتفات عند السابقين من علماء البيان مصطلحًا عائمًا يدخل فيه ما ليس منه، وهذا ما وجد لدى ابن قتيبة، وابن المعتز، وقدامة بن جعفر، وأبي هلال العسكري، وابن رشيق، وغيرهم فالالتفات لديهم غير محدّد، بل أدخل فيه بعضهم التذييل٢ والاعتراض والاستدراك٣، وكذلك نجد التوسّع فيه عند ابن الأثير من بعد، حيث جعل منه التعبير بالأمر عن المضارع أو الماضي، والتعبير
_________
١ انظر: مفتاح العلوم: ١٩٩ - ٢٠٠ ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه نعيم زرزور - دار الكتب العلمية - بيروت، وشروح التلخيص ١/٤٦٤-٤٦٥.
٢ التذليل هو تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها بعد إتمام الكلام، لإفادة التوكيد، وتقريرًا لحقيقة الكلام.
والاعتراض: هو أن يوتى في أثناء الكلام، أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو أكثر لا محلّ لها من الإعراب.
والاستدراك: هو أن يتضمن الأسلوب إيضاح ما قد يقع في ظاهر الكلام من إشكال.
ينظر: معجم البلاغة العربية د/بدوي طبانة. دار العلوم للطباعة والنشر - الرياض ١٤٠٢هـ ١/٢٨٨، ١٤٠-١٤١، ٢/٥٢٦.
٣ انظر في ذلك: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ٢٨٩-٢٩٠ شرحه ونشره السيد أحمد صقر - دار الكتب العلمية - بيروت ط (٣) ١٤٠١هـ، والبديع لابن المعتز: ١٠٦ شرحه وعلق عليه د. محمد عبد المنعم خفاجي. مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ونقد الشعر لقدامة بن جعفر ١٤٦-١٤٨ تحقيق كمال مصطفى. مكتبة الخانجي - القاهرة. ط (٣) ١٣٩٨هـ وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري: ٣٩٢-٣٩٣. تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم. دار إحياء الكتب العربية - القاهرة ط (١) ١٣٧١هـ، والعمدة في محاسن الشعر وآدابه لابن رشيق ١/٦٣٦-٦٣٧ تحقيق د/محمد قرقزان دار المعرفة - بيروت ط (١) ١٤٠٨هـ، ومعجم النقد العربي القديم د. أحمد مطلوب ١/٢٢١-٢٢٥. دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد ط (١) ١٩٨٩م وأسلوب الالتفات دارسة تاريخية فنية د. نزيه عبد الحميد: ٢٠- ٥٩، مطبعة دار البيان بمصر ط (١) ١٤٠٣.
1 / 313
بالمضارع عن الماضي، وبالماضي عن المضارع١.
وحين وجد ابن كمال الانفتاح لدى بعض البلاغيين في مفهوم الالتفات، والانغلاق والتضييق لدى بعضهم الآخر، اختار تلوين الخطاب فجمع فيه بين رؤية السابقين واللاحقين، وحافظ على مصطلح الالتفات محدّدًا دقيقًا وجعله نوعًا من أنواع تلوين الخطاب.
_________
١ انظر: المثل السائر: ٢/١٧٩-١٨٦.
1 / 314
قيمتها العلمية
...
قيمة الرسالة العلمية
تأتي أهميّة الرسالة من كونها تتناول موضوعًا، لم أجد من أفرد له بحثًا مستقلًا، وهو تلوين الخطاب، ولم أقف على مؤلفٍ - فيما اطلعت عليه - يتحدث عنه، أو يشير إليه سوى عند الشهاب الخفاجي، فقد وردت إشارة خاطفة إليه١، ولذا فقد خلت منه المعاجم الأدبية والنقدية الحديثة التي تهتمّ برصد المصطلحات الواردة في القديم والحديث٢.
ومع هذه الأهميّة، فإنّ للمؤلف وقفاتٍ رائعة، ومناقشات لمن سبقه من العلماء تدلّ على سعة علمه، ودِقَّته، وتفصح عن مكانة الرسالة العلمية، ومن ذلك:
١- اعتراضه على الزمخشري في استنباط النكتة البلاغية من الالتفات في قوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ ٣. حيث قال: "ولذلك صرّح الإمام البيضاوي على وفق إشارة صاحب الكشاف بوجود الالتفات في قوله تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ فإن العدول فيه عن مقتضى ظاهر الكلام، حيث كان سباقه، وهو قوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى﴾ على صيغة الغيبة، لا عن مقتضى ظاهر المقام، لأن مقتضاه الخطاب في الموضعين، ونكتة العدول عن مقتضى الظاهر بحسب المقام، التعظيم للنبي ﵊، والتلطيف في تأديبه بالعدول عن الخطاب في مقام
_________
١ انظر: حاشية الشهاب المسمّاة بعناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي: ٦/٣٩٦.
٢ انظر مثلًا: معجم النقد العربي القديم د. أحمد مطلوب.
والمعجم الأدبي جيور عبد النور، دار العلم للملايين - بيروت ط (٢) ١٩٨٤م، والمعجم المفصل في الأدب د. محمد التونجي دار الكتب العلمية - بيروت ط (١) ١٤١٣هـ.
٣ سورة عبس: ١-٣.
1 / 315
العتاب، والإباء عن المواجهة بما فيه الكراهة".
وعقَّب على هذا بقوله: "وأمَّا ما قيل: في الإخبار عمّا فرط منه ثم الإقبال عليه، دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانيًا جنى عليه، ثم يقبل على الجاني إذا حمي في الشكاية مواجهًا له بالتوبيخ، وإلزام الحجة -فوهم لا ينبغي أن يذهب إليه فهم"١. وهذا القول الذي أشار إليه بقوله: "وأما ما قيل" ورد عند الزمخشري في الكشاف٢.
٢- اعتراضه على اشتراط "أن يكون التعبير الثاني على خلاف مقتضى الظاهر"٣ في الالتفات ويرى أنه "لا حاجة إلى ذكره، واعتباره شرطًا زائدًا على ما ذكرنا، لأن أسلوب الكلام لا يتغيّر إلا إذا كان كذلك، بناءً على أن المراد من مقتضى الظاهر هنا، ظاهر الكلام لا مقتضى ظاهر المقام"٤.
وهذا الذي ذكره وجيه، إذ إن الالتفات في الأصل لا يكون إلا إذا كان التعبير الثاني على خلاف مقتضى الظاهر، فكأنّ اشتراطه لا داعي له، فهو متحقّق، ومن الأولى تركه.
٣- وقد انتقد الزمخشري في عدم تفصيله لأنواع الالتفات، وأعجب بما أورده السكاكي في هذا الأمر، فقال: "وقد أفصح عن هذا صاحب المفتاح بقوله: بل الحكاية والخطاب والغيبة ثلاثتها ينقل كل واحدٍ منها إلى الآخر، ويسمّى هذا النقل التفاتًا عند علماء المعاني، وإن قصر عنه بيان صاحب
_________
١ النصّ المحقق: ٥٣-٥٤.
٢ الكشاف: ٤/٢١٨- مطبعة البابي الحلبي وأولاده بمصر.
٣ هذا الشرط اشترطه الجمهور. انظر: المطوّل على التلخيص للتفتازاني: ١٣١ مطبعة أحمد كامل ١٣٣٠هـ.
٤ النص المحقق: ٥٣- ٥٤.
1 / 316