وكان بأدفو جمع كبير من أهل المكارم والرّئاسة؛ حتّى أخبرنى الخطيب منتصر (^١) أنّه لمّا طلع ابن بشكور إلى البلاد، خرج [لمقابلته] منها خلائق ممّن له عدالة ورياسة، فتعجب من ذلك وقال: ما ظننت أن يكون فى هذه البلدة مثل هؤلاء.
وأهلها معروفون بالعفّة (^٢)، موصوفون بالصدق والتحرّز فى الأقوال، مشهورون بإكرام الوارد، وإغاثة الملهوف، وإسداء المعروف، ولمّا كان بها «مباشر» يقال له الصّفىّ، أجحف بأهلها مدّة، فطلع له شقفة فى ظهره، فكانت سبب وفاته، فأنشدنى الأديب الفاضل علاء الدّين علىّ بن أحمد بن الحسين الأسفونىّ (^٣) لنفسه هذين البيتين وهما:
_________
- إلى العالم الإسلامى الدعاة، مجتنبين المجاهرة بالدعوة، ولقد حاول الخليفة العباسى المكتفى بالله القبض على أحد هؤلاء الدعاة الخطرين، وهو سعيد بن الحسين، ولكنه فر إلى مصر، ومنها إلى بلاد المغرب، حيث وجد فيها أرضا خصبة لبذور دعوته، وذلك لما كان يسودها وقت ذاك من انحطاط فكرى عام وبداوة شاملة.
ويحدثنا الرواة أن هذا الداعية الخطر سعيد بن الحسين هو الذى زعم أنه المهدى المنتظر أبو محمد عبيد الله، من ولد جعفر الصادق، ولم ينكر عليه الداعية أبو عبد الله الشيعى هذا الزعم، بل عمل على تأكيده وأخذ البيعة له، فبايعه على دعوته بربر قبيلة كتامة، ثم تتابع المغاربة على المبايعة، فاستطاع أبو عبيد الله المهدى أن ينتزع ملك الأغالبة، وأن يحقق أحلام العلويين بقيام دولة بنى عبيد الفاطمية فى شمال إفريقية فى أواخر القرن الثالث الهجرى ٢٩٦ هـ، ثم انتزع خليفتهم المعز لدين الله مصر من أيدى الإخشيديين، بوساطة قائده جوهر الصقلى عام ٣٥٨ هـ، وعملوا على نشر المذهب الشيعى الإسماعيلى الباطنى بين ربوعها، وأنشئوا «الأزهر» ليكون منبرا رسميا لدعوتهم؛ انظر كتابنا: المهدية فى الإسلام/ ١٣٧.
والتشيع- قديما- هو الانتصار لعلى بن أبى طالب ولحقه فى الخلافة، فشيعة على أو أنصار على هم أولئك الذين التفوا حوله، وامتنعوا عن مبايعة أبى بكر، ساخطين على مؤتمر السقيفة الذى أهدر حقوق بنى هاشم، وتناسى قرابتهم للرسول صاحب الأمر … فخط بذلك أول سطر فى ظلم «آل البيت» الذى عجت به صحائفهم الحمر الدامية من مختلف الحاكمين، ثم تطور «التشيع» بعد ذلك، فصار عقيدة دينية لها أصول وفروع، وتطور أيضا لفظ «الشيعة» فأصبح فرقة ذات عقائد وكيان ومذهب فقهى خاص، تلقته عن الأئمة المعصومين من أولاد على، الذين تدين لهم بالخضوع والولاء؛ انظر كتابنا:
«المهدية فى الإسلام» فى كل ما يتعلق بهذه المباحث.
(^١) هو منتصر بن الحسن، وستأتى ترجمته فى الطالع.
(^٢) انظر أيضا: الانتصار لابن دقماق ٥/ ٢٩، وقد ورد هناك:
«وأهلها معروفون بالفقه»، وهو تحريف.
(^٣) ستأتى ترجمته فى الطالع.
1 / 35