يجيب بلهجة مستنكرة: قاعد مع العروسة.
يبتسم أبي: هنياله. - يصح راجل كبير يعمل كده؟ - يعني عنده كام سنة؟ - أهو عدى الستين.
يهز أبي رأسه: ناوي يخلف؟ - لا. الحمد لله مبتخلفش. بس عايز يكتب الدكان باسمها.
نشتري شمامة من عربة بحصان. نعبر الشارع إلى دكان الحاج «عبد العليم». نلج الدكان. يفتح «سليم» دفتر «الشكك» بمجرد رؤية أبي. يحسب ما علينا. يطلب منه أبي قليلا من السكر الناعم. يسأله «سليم» بلهجته الجافة: قد إيه يعني؟ - خمسين درهم. علشان الشمامة.
نتجه إلى الحارة. يقول لي أبي: زمان «فاطمة» عملت الفاصوليا والرز. أقول: متعرفش تعمل رز زي اللي إنت بتعمله.
3
يتردد أذان العصر عاليا من ميكروفون الحاج «مشعل» المعلق في مدخل الحارة. يطل تاجر الحديد من بلكونة الزوجة الثانية. يستند بساعده إلى حافتها. علامات الغضب على وجهه. يمد يده اليمنى بطرف خرطوم من المطاط الأسود. يوجه فوهة الخرطوم نحو المنطقة التي حفرنا بها دوائر البلي الخمس. تنطلق المياه من فوهة الخرطوم. تنحدر إلى حفر البلي فتغمرها. نجمع البلي. يأخذ كل واحد ما يخصه. يصعد «صفوت» إلى شقته. أقف أنا و«سمير» حائرين. وجهه مليء ببثور «الحمونيل» مثل وجه أمه. تكتسح المياه الحارة. ولا تترك لنا فرصة للعب. يناديني أبي من البلكونة. أصعد. أغسل وجهي وقدمي من صنبور الحوض. أعود إلى الغرفة فأجفف وجهي بالفوطة الملقاة فوق حافة السرير. تختفي الشمس فيستدعيني. أسرع إلى الداخل وأذهب على الفور إلى الحمام. أغسل وجهي وقدمي. ألحق به عند النافذة. يكون الظلام قد حل. نجلس في الظلام دون أن نشعل النور. الشارع ساكن ليس به أحد.
أفتح ضلفة الدولاب اليسرى. أمد يدي إلى كيس النقل. أغرف كبشة من البندق واللوز والجوز. أضعها على المكتب. أفتح الضلفة اليمنى. أتناول لفافة «قمر الدين». أقتطع قطعة في حجم الكف. أبحث عن الكسارة حتى أجدها مدفونة بين الملابس. أجلس إلى المكتب. أفتح كراسة أغاني «ليلى مراد». أكسر بندقتين ولوزتين وجوزة. أقضم قطعة من قمر الدين. أستحلبها في فمي ثم أضيف إليها بندقة أو لوزة. أبي يروح ويجيء بين البلكونة وباب الغرفة. يزفر متشكيا من الحر. يردد: «اشتدي أزمة تنفرجي.» ينش الذباب للمرة الرابعة. يتردد صوت مألوف من الحارة. ««شكوكو» بقزازة.» أهرع إلى البلكونة. يتكرر النداء من صاحب عربة امتلأت بتماثيل صغيرة من الجص للمغني المشهور. ألتفت لأطلب من أبي زجاجة فارغة كي أبادلها بأحد التماثيل. لا يشجعني وجهه المقطب.
يصيح بائع من مدخل الحارة: «لوز يا أمهات». ينادي أبي على «فاطمة». تظهر في مدخل الغرفة. تمسح يديها في جلبابها. يسألها ماذا تفعل. تقول: باخرط الملوخية يا سيدي. يلتفت إلي قائلا: خد قرش صاغ من جيبي وروح هات رطل بلح. أندفع إلى سترته المعلقة على الشماعة. أبحث في جيوبها حتى أجد الفكة. أستخرجها في كفي وألتقط منها قرش صاغ. آخذ أيضا مليمين. أسأله: أدفع كام؟ يقول: زي ما يقولك؛ مش حتعرف تفاصل. أتجه إلى الباب. يصيح بي: خلي بالك من الميزان، إوعى يضحك عليك.
أغادر الشقة جريا. أقطع الحارة حتى الشارع. بائع البلح يجلس فوق أحد ساعدي عربة يد مستندا بساق فوق المسند الآخر. قدمه حافية ومطينة. البلح مكوم في قفص مستدير من الخوص. فوقه ستارة بيضاء شفافة. يزيح الستارة قليلا. يتناول بيده كمية من البلح. يضعها في إحدى كفتي الميزان. ألف حوله لأكون قريبا من الميزان وأتأكد من سلامته. يصنع قرطاسا من الورق. يصب فيه محتويات كفة الميزان. يضيف إليها بلحتين. يعطيني باقي القرش. أجري حتى بائع اللب وأشتري بمليم لبا وبمليم حمصا.
Bilinmeyen sayfa