يخرج أبي من غرفة الضيوف مرتديا جلبابا نظيفا. يطلب من «أم نظيرة» أن ترمي المياه الوسخة وتجفف أرضية الغرفة.
تقول: لما أخلص اللي في إيدي.
يقول إن المياه يجب أن تجفف الآن قبل أن تتجمع في فتحات الأرضية الخشبية. تنهض ممتعضة وتمضي إلى المطبخ. تحضر الممسحة والجردل وتدخل غرفة الضيوف. تخرج بعد لحظة بالجردل. تذهب إلى المطبخ. تعود وتهم بالجلوس. يطلب منها أن تغسل يديها أولا. تذهب لغسلها. أقول له بصوت خافت إنها لم تغسل القلقاس بعد تقشيره. تعود وتجلس. تستأنف تقطيع القلقاس. يسألها عما إذا كانت غسلته بعد التقشير. تقول إنها ستفعل بعد أن تنتهي من تقطيعه. يزعق فيها قائلا: أنا مش قلتلك تغسليه الأول وبعدين تنشفيه بالفوطة؟
تقول: مفيش فرق.
يقول: تعملي زي ما أقولك.
تزم شفتيها. تواصل تقطيع القلقاس في صمت.
يستخرج موسا من علبة الحلاقة. صندوق صغير للسجائر من الكرتون. يفك غلاف الموس الذي يحمل صورة التمساح. يضع قدمه اليمنى فوق حافة السرير. ينحني ويكشط الكالو من إصبعه الصغير. يقول إنه ناتج من الأحذية المدببة التي كان يرتديها في شبابه حسب الموضة. يكشط الكالو من القدم اليسرى. يعيد الموس إلى غلافه. يضعه في العلبة الكرتون. يستخرج منها مقصا صغيرا. يقص الأظافر المتصلبة في أصابع قدميه بصعوبة. يغادر الغرفة ليغسل يديه. يعود يرتدي جوربا من الصوف.
يأتي صوت خطبة الجمعة من راديو «أم زكية». تسكن الطابق الأول في المنزل المجاور وتطل نافذتها على المنور. يرتقي أبي الفراش وينتصب واقفا. يقترب من الحائط. يلمسه براحتيه ثم يرفعهما إلى وجهه ويمسحه بهما وهو يتمتم بالدعوات. ينتهي من التيمم فيستعد للصلاة. أقف بسيارتي الحمراء عند باب حجرة الطعام ويدي على الدركسيون أنتظر بفارغ صبر وعيني على وجهه المتجهم. عزائي أني أشبه سائقي السيارات الذين تحتجزهم إشارات المرور. يصل خطيب الجمعة إلى نهاية الخطبة ويبدأ الدعاء للملك. يبسط أبي سجادة الصلاة في غرفة المسافرين. أنتظر ملولا وأنا أعد ركعاته. يلوي عنقه ناحية اليمين ليسلم على ملاك الكتف الأيمن ثم يفعل المثل مع الملاك الأيسر. وقبل أن ينهض واقفا وهو يطوي السجادة أكون قد انطلقت.
يركع فوق الفراش. أخرج إلى الصالة. أتناول طبقا من فوق البوفيه. أصب فيه من برطمان العسل الأسود. أتفحصه جيدا لأتأكد من عدم وجود نمل. أضيف قليلا من برطمان الطحينة. أتناول رغيف خبز. أوازنه في صعوبة مع الطبق. يهتز الطبق في يدي وتسيل قطرات منه على الأرض. أضع الطبق فوق المائدة. ألعق نقطة عسل فوق إصبعي. تلمح «أم نظيرة» نقاط العسل فوق الأرض. تقول غاضبة: أنا مش حامسح تاني.
تنتهي الصلاة ويظهر أبي عند الباب. يسألها عن سبب زعيقها. يقول لها في غضب إنه لا يسمح لها برفع صوتها علي. يأمرها بأن تمسح بقعة العسل. تنصاع متجهمة. ينتظر حتى تنتهي وتشرع في العودة إلى المائدة فيأمرها بأن تغسل يديها بالصابون.
Bilinmeyen sayfa