Takmeel al-Naf' bima Lam Yathbut bihi Waqf wala Raf'
تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع
Yayıncı
مكتب التوعية الإسلامية
Baskı Numarası
الأولى ١٤١٠ هـ
Yayın Yılı
١٩٨٩ م
Türler
ـ[تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع]ـ
المؤلف: محمد عمرو بن عبد اللطيف
الناشر: مكتب التوعية الإسلامية
لإحياء التراث العربي - الجيزة، مصر
الطبعة: الأولى ١٤١٠ هـ، ١٩٨٩ م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Bilinmeyen sayfa
تكميل النفع
بما لم يثبت به
وقف ولا رفع
كتبه
محمد عمرو عبد اللطيف
القسم الأول
من ١: ٢٥
1 / 1
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئا أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً. واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إن الله كان عليكم رقيبًا) .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم. ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا) .
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإني أثناء البحث عن مادة جديدة للأقسام التالية من كتابي: «تبييض الصحيفة»، والتقليب في «حلية الأولياء» للحافظ أبي نعيم ﵀، وفي كتب أخرى، كنت أجد روايات موقوفة لكثير من الأحاديث التي أعلم عدم صحتها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأسر بذلك، وأقيد مواضعها عندي، ولكن عند مراجعة أسانيد بعضها يتبين لي عدم ثبوت وقفها أيضًا، فتفسد عليّ وأغتم! ويشاء الرحمن الرحيم تعالى أن ينجيني من الغم، ويهديني إلى التفكير في عمل آخر يكون صنوًا لـ: «التبييض»، مع افتراقه عنه في التعريف بالأحاديث التي لا صحة لها،، لا عن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا عمن رويت عنه موقوفة عليه من الصحابة والتابعين فمن بعدهم
1 / 3
فشرعت في هذا الأمر - مستعينًا بالله - حتى تجمع لي قدر من الأحاديث، فيها المشهور وغيره، يمكن انتخاب خمسين منها لإخراجه في القسم الأول من الكتاب. ثم تراجعت عن هذا القدر كله خوفًا وطمعًا وإشفاقًا، خوفًا من مغبة التسرع بتضعيف آثار تتبين صحتها بعد ذلك، وفي ذلك حرج لا يخفى، فإنه: «من كثر كلامه كثر خطؤه» كما في بعض الآثار! وذلك يوجب عليّ عمل استدراكات وتعقبات على ذلك.
وطمعًا في سرعة الإنجاز، توطئة لطباعة هذا القسم قبل أن يتسرب إلى النفس شئ من الضجر والملل - مما لا ينفك عنه أحد ـ، وقد يؤدي أيضًا إلى التوقف عن الفكرة أو إرجائها.
وإشفاقًا على أخي الحبيب، الصابر بالله - كما لقبه أحد أفاضل علمائنا المعاصرين - حفظه لنا الله - وهو القائم على نشر كتاباتي، فإنني لم أعرف في الناشرين الذين تعاملت معهم عن كثب أصدق منه ولا أحرص على إخراج العلم الصحيح النافع للمسلمين ولا يزال - ثبته الله - صابرًا على تسويقي في إنجاز بعض مصالحه ومصالح المسلمين، فاللهم زده صبرًا، وسخره لإخراج ما ينفع الكافة. آمين.
ومقصودي بالإشفاق عليه، ألا يعظم حجم الكتاب، بما يترتب عليه زيادة في تكاليف القيام على نشره. لذلك كله، رأيت الاقتصار على خمسة وعشرين حديثًا فحسب - كنظام «البدائل المستحسنة» - بحيث يبلغ حجم القسم منه ما يقارب حجم خمسين حديثًا من صنوة المتقدم ذكره. مع الرغبة في إعداد فهارس للرجال الذين تعرضت لهم بالقدح أثناء تخريج كل حديث أورده، وكذلك ما ورد في ثنايا الكتاب من أحاديث صحيحة استدللت بها، إلى جانب الفهرس الموضوعي بإذن الله. وسميته - بعد تردد ـ: «تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع» . وكان أحب إلى نفسي أن يكون اسمه بعيدًا عن الإطراء والتزكية - حتى لا أكون أقرب إلى السلامة ـ، فكنت اخترت له اسمين آخرين، أحدهما:
1 / 4
«إعلام الثقف بما لم يثبت بع رفع ولا وقف»، والثقف - بتسكين القاف وكسرها ـ: «الحاذق الفطن النابه. والآخر: «الشفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع» . لكني وجدت - بعد استشارة أحد الأحباب - أن الأسمين يكتنفهما شئ من الغموض لا سيما الأول، فإن الشائع على ألسنة الناس في هذا العصر ألفاظ: «المثقف» و«الثقافة» و«التثقيف» مع غياب المعنى اللغوي الدقيق لها عن الكثيرين، والذي استفدناه من «لسان العرب» لابن منظور ﵀. ولفظة: «الشفع» أيضًا قد يخفى معناها على كثير من الناس، ومن فهمها قد لا يدرك مقصودي منها.
ومن الملاحظ أنني قد تطرقت في هذا الكتاب - خاصة - إلى أمور ليس لها صلة مباشرة بالتخريج، كالحط على أدعياء التحقيق - ممن هم عنه بمنأى عدالة وضبطًا! - وإبداء الحرف والتخويف من الاغترار بالألقاب والتحصيل العلمي، ومن استمراء التردي في آفات القلوب كالعجب والرياء والسمعة والدعوى في العلم، وحب الرياسة والمشيخة نجانا الله بفضله ومنه وكرمه منها، وأعاننا على أنفسنا بالصد عنها، ولعل هذا الاتجاه مني - بما يتضمن التذكير لنفسي قبل الآخرين ـ، ناتج عما يراه المرء ويسمعه ويقرؤه ويبلغه لدى احتكاكه بساحة الواقع العلمي للمسلمين من مصر وغيرها، من باب القول المشهور المنسوب لأبي الدرداء ﵁: «وجدت الناس: اخبر تقله» . فهذا يقطع عنق أخيه - الناشئ في طلب العلم - بقوله عنه: «ما رأيت مثله، وما رأى مثل نفسه» كأنه ابن تيمية آخر! وآخر يجاهر، أو يفاخر، والله أعلم - وهو يطالبني برؤية إجازة شيخي ﵀ إلى الإمام النووي ﵀ بأن ستة - فقط - من شيوخه بالإجازة مبتدعون، ويذكر كلامًا فيه أن الشيخ الفلاني قد أجازه رواية جمسع مصنفات ابن أبي الدنيا، يقولها ضاحكًا متعجبًا. وثالث فتان، بدلًا من أن يقول للآباء الذين يلاحقون بناتهم، بل منهم من جرى وراءهن بالسكاكين كما حدثني الثقة المأمون! ـ: «ارفعوا أيديكم عنهن، أعينوهن على الصون والعفاف»، يجلس لى الملأ قائلًا: «خروجًا من الخلاف
1 / 5
في مسألة الحجاب والنقاب، نأذن للمرأة أن تستر جميع جسدها إلا الوجه والكفين»، كما أخبرني أخو الشدة والرخاء عفا الله عنه. ما هذا الفقه المتين، والقريحة الفاذة التي خرجت على الناس بهذا الهذيان؟ ! أفلا يعلم هذا الكائن أن معنى القاعدة الشرعية التي قررها الفقهاء: «الخروج من الخلاف مستحب ما لم يوقع في خلاف آخر» أن معنى ذلك الأخذ بأحوط الأقوال التي يتفق الجميع على مشروعيتها.
أم هو يقصد أن الأنقياء والنقيات من أهل الصيانة والديانة سوف يرضخون لما قال، وبذلك يذوب الخلاف بين المسلمين في المسألة؟ ! احتمالان، أحلاهما مر، وقديمًا قال أحدهم:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظم
ورابع يقول - عقب خطبته في الناس ـ: «من كان عنده سؤال في كذا وكذا أو استفسار عن صحة حديث، فليذكره» . مع أن هذا الخطيب نفسه - سامحه الله - قد حشا خطبته بأحاديث لا يحل ذكرها البتة. بل هو شاهد على نفسه أن أصاب في جميع العلوم خطأ، سوى «علم الجرح والتعديل»، هكذا بالضم والله.
فيا عباد الله، رحم الله امرأ عرف قدر نفسه (١)، فلم يبخسها حقها، ولم يتعد حدوده أيضًا فيرفعها فوق قدرها. فهل آن لهؤلاء أن يكفوا عن الدعاوى العريضة، والمديح المردي، والألقاب الضارة. هل آن لنا أن نراقب القلوب، ونصلح من الألسن، ونتقي الله فنقول قولًا سديدًا؟ هل آن لغير المختص في علم من العلوم أن يكف عن تلفيق قواعد وأصول لا سلف له فيها، ولم يحسن فهمها، حتى لا يأتي بالمضحكات المبكيات، قبل العرض على جبار الأرضين والسموات؟ وأن يتوب من دعوى استعداده الإجابة في كل ما يسأل عنه من تفسير أو حكم أو حديث بغير مسوغ؟ وقد قال ابن مسعود ﵁
_________
(١) جعله الشيخ محمد الغزالي عفا الله عنه حديثًا نبويًا في جريدة «الشعب» ليوم الثلاثاء ٣٠ جمادى الآخر ١٤٠٩هـ، ٧ فبراير ١٩٨٩م، ولا أعلم له أصلًا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل هو أثر عن عمر بن عبد العزيز لم أتحقق من صحته.
1 / 6
فيما راوه الدارمي وغيره بإسناد صحيح عنه ـ: «إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتى لمجنون»: هذا - عباد الله - فيمن هو أهل، فكيف بمن ليس بأهل؟ ! .
إذ لا يستطيع مسلم أن يرد القول بأن: «النية هي المطية»، كما يردد أحد الأحبة دائمًا، ولا أن ينفي أن رأس مال كل مسلم من عالم وطالب علم وعابد هو إخلاص العمل لله ﷿، ومعالجة النية وتصحيحيها على الدوام. وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «... ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن
دعوتهم تحوط من وراءهم (١» .
وثبت أيضًا أن صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «بشر هذه الأمة بالسناء، والدين، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب (٢» . وقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يحترزون من أقوال وأفعال، نعدها نحن في هذه الأيام من التوافه والمحقرات. قيل لأحدهم: أدع الله لنا. قال: لا تحضرني لذلك نية. وكان شيخ الإسلام الأوزاعي ﵀ على إمامته وجلالته - يكره أن يرى معتمًا يوم الجمعة وحده مخافة الشهرة، فكان يرسل إلى تلاميذه: الهقل وابن أبي العشرين وعقبة بن علقمة أن اعتموا اليوم فإني أكره أن أعتم. فيا سبحان الله، هلك الذين كانوا يحبون الخمول ويمقتون الشهرة، وكثرت عمائم العجب والخيلاء حتى ظن بعض من أرخى أربع أصابع أنه قد صار بذلك إمام المسلمين - وفيهم - يا أسفى - شباب في مقتبل العمر. وبعد كل ذلك، فلا يظنن ظان أنني أدعى لنفسي الإخلاص أو التجرد أو الرسوخ في العلم أو طهارة القلب من الآفات.
_________
(١) قطعة من حديث صحيح، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة عن زيد بن ثابت، وأحمد وابن ماجة والحاكم عن
جبير بن مطعم، وأحمد بن أنس. وبقيت له طرق لا مجال لذكرها هنا.
(٢) حديث جيد الإسناد، رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم عن أبي، وصححه غير واحد.
1 / 7
حاشا وكلا، على أنني أسألها الله ﷿ على الدوام، عسى أو يرزقنيها يومًا من الأيام، ويهديني فيمن هدى، فلا يطردني عن بابه، ولا يحرمني من جنابه.
(أما) بشأن هذا الكتاب، فينبغي التنبيه على أنني قد أسسته على تضعيف الألفاظ لا المعاني، فما هو كتاب تصحيح مفاهيم، ولا تثبيت معاني، ولا خوض في أصول أو فروع، ولا ذكر بدائل، ولا تقرير معنى صحيح لآية. بل هو لدفع صحة صدور الألفاظ الواردة فيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو أحد من السلف. نعم، قد أطرق إلى بعض هذه الأمور إن اقتضى المقام ذلك في بعض الأحيان. فمثلًا، إذا أثبت وضع حديث: «أفضل الحسنات تكرمة الجلساء»، ووهاءه موقوفًا، فلا يلزمني إيراد ما ثبت مرفوعًا في «أفضل الحسنات» أو «الأعمال»، أو أحبها إلى الله ﷿، ولا إيراد ما صح في فضل إكرام الكرء جليسه. وهذا باب لو فتح لم ينغلق أبدًا. وإذا ثبت ضعف حديث ما في تعيين: «اسم الله الأعظم»، فلا يلزمني إيراد ما صح في هذا الباب من الأحاديث والآثار، على ألا يفهم مما قررته إهدار أهمية الإلحاح على الله ﷿ بدعوة ذي النون علي السلام: (لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين)، بدليل أنني قد أوردت بعض ما صح في فضلها.
وإذا حكيت تضعيف حديث: «من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى، كتب له حسنة مضاعفة ...»، فليس مقصدي البتة أن الاستماع إلى القرآن العظيم لا ثواب له، ولا فضل فيه. كيف، وقد جعل الله تعالى جزاءه رحمته التي وسعت كل شئ، (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) (١)، وجعله تعالى مشهودًا تشهده ملائكة الرحمة المتعاقبة في العباد، (وقرآن الفجر. إن قرآن الفجر كان مشهودًا) (٢) .
_________
(١) على أن الآية نزلت في القراءة خلف الإمام كما حكى الإمام أحمد ﵀ الإجماع على ذلك. والأدلة متوافرة على ذلك كقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا ...) الحديث.
(٢) وأحزنني أنني قد سمعت أحد الأحباب الطيبين يستدل بهذه الآية - حسب فهمه، على مشروعية التحلق بعد صلاة الفجر لقراءة القرآن في جماعة. وهذا فهم غير صحيح، بل ذهب الإمام مالك ﵀ إلى أن التحلق المذكور من الأمور المحدثة. نعم، ثبت ذلك عن بعض تابعي أهل العراق، ولكن الحق أحق أن يتبع، ومجموع الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأبى ذلك في هذا الوقت خاصة، فانظر رسالة «أخذ الجنة» (ص٥٢: ٥٧) .
1 / 8
فالمقصد أن القضية قضية تصحيح وتضعيف ألفاظ لا معاني، و«رحم الله امرءا قال خيرًا، أو سكت فسلم» .
هذا، وقد حرصت في هذا الكتاب على الترضي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والترحم على تابعيهم بإحسان - في أغلب المواضع ـ، والدعاء لأئمة المسلمين، وتوقيرهم بما يستحقون من الألفاظ الدالة على إمامتهم ومنزلتهم العلمية، مع ترك الإغماض عما يقع في كلام بعضهم على الأحاديث من السهو والخطأ اللذين لا ينفك عنهما بشر، بما يتبين لي أنه الحق والصواب إن شاء الله تعالى، سائلًا إياه أن يصلح النية ويجعله نصحًا لوجهه، مجردًا من شهوة النفس وحظ الشيطان.
إنه على كل شئ قدير، وبالإجابة جدير.
وكتبه: محمد عمرو بن عبد اللطيف بن محمد. ثم الفراغ منها صبيحة يوم الجمعة الموافق الحادي عشر من رجب ١٤٠٩هـ.، والسابع عشر من فبراير ١٩٨٩م.
1 / 9
الحديث الأول:
«إذا جعلت إصبعيك في أذنك، سمعت خرير الكوثر» موضوع. رواه الدارقطني كما في «الجامع الصغير» (٥٥٣) عن عائشة، ﵂. وما هو في «سننه» المتبادرة لدى الإطلاق، فلعله في غيرها.
وقال الحافظ المناوي رحم الله في «الفيض» (١/٣٢٧): «رمز لضعفه - يعني السيوطي ـ، ومن حكى أنه رمز لصحته أو حسنه فقد وهم، وبين السخاوي وغيره أن فيه وقفًا وانقطاعًا، لكن يعضده ما رواه الدارقطني أيضًا عن عائشة (يعني مرفوعًا): «إن الله أعطاني نهرًا في الجنة لا يدخل أحد إصبعيه في أذنيه إلا سمع خريره» قالت: فكيف؟ قال: «أدخلي إصبعيك وسدي إذنيك منهما خريره» اهـ. قلت: وأورده الشيخ الألباني حفظه الله في «ضعيف الجامع» (١/١٧٠) وقال: «موضوع» وأحال على كتاب «تذكرة الموضوعات» للشيخ الفتني ﵀.
(وروى) عن عائشة ﵂ مرفوعًا - بسند ضعيف ومنقطع كما تقدمت الإشارة إلأى ذلك عن الحافز السخاوي ﵀. ففي «زهد هناد» (١٤١) و«تفسير الطبري» (٣٠/٢٠٧) عن وكيع عن أبي جعفر الرازي عن ابن أبي نجيح عنها قالت: «من أحب أن يسمع خرير الكوثر، فليجعل إصبعيه في أذنيه» . ورواه الطبري عن ثقتين عن أبي جعفر الرازي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجل عنها بنحوه. وروى البيهقي في «البعث» (١٣٠) من طريق يونس بن بكير عن عيسى عن عبد الله التميمي (هو جعفر الرازي) عن ابن أبي نجيح قال - في قوله (إنا أعطيناك الكوثر) قال: «نهر في الجنة. وقالت عائشة: هو نهر في الجنة، ليس أحد يدخل ...» الأثر. قلت: وإسناده ضعيف، مداره على أبي جعفر الرازي، قال الحافظ ﵀ في «التقريب» (٨٠١٩): «صدوق سئ الحفظ خصوصًا عن مغيرة» . وأما الانقطاع، فقال
1 / 10
الحافظ العلائي ﵀ في «جامع التحصيل» (٤٠٦): «عبد الله بن أبي نجيح يسار المكي، ذكره ابن المديني فيمن لم يلق أحدًا من الصحابة رضي الل عنهم ...» قلت: فقول العلامة الألباني حفظه الله في «الصحيحة» (٢١٦) - في حديث آخر يرويه ابن أبي نجيح عن عائشة ـ: «قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين ولكنه منقطع بين ابن أبي نجيح - واسمه عبد الله - وعائشة، فإنه لم يسمع منها كما قال أبو حاتم، خلافًا لابن المديني، ووقع التصريح بسماعه منها في «صحيح البخاري» فالله أعلم» اهـ.
هو وهم منه عفا الله عنه، فإن الكلام الذي ذكره يتعلق بمجاهد بن جبر ﵀ أحد شيوخ ابن أبي نجيح - لا بد به هو، فانظر «الجرح والتعديل» (٨/٣١٩) و«جامع التحصيل» (٧٣٦) و«التهذيب» (١٠/٤٢-٤٣) يتبين لك صحة ما ذكرت، والله الذي لا إله إلا هو، ما أوردت هذا الحديث، ولا جعلته أول حديث في هذا الكتاب من أجل توهيم شيخنا الجليل، وما كان هذا على بالي قط حين اخترت هذا الحديث، ولكنني أثناء البحث عن قضية سماع ابن أبي نجيح من الصحابة تذكرت تعليقًا قديمًا لي على نسختي من «الصحيحة» فرأيت من اللائق إيراده في هذا المقام تنبيهًا للشيخ ونصيحة للقراء.
والمقصود أن رواية ابن أبي نجيح عن عائشة منقطعة - على ما في رواية وكيع ويونس بن بكير ـ، أما على رواية أبي النضر وشبابه - عند الطبري - ففي الإسناد رجل مجهول العين لم يسم. ولا مانع من أن يكون ابن أبي نجيح قد رواه تارة عن مجاهد عنه عن عائشة، وتارة كان يرسله عنها لولا أن أبا جعفر الرازي ضعيف في حديثه خلل واضطراب كثير، فلعله هو الذي كان يضطرب فيه. والعلم عند الله تعالى.
وهذا الحديث - لنكارته - اضطر بعض العلماء إلى تأويله. قال العلامة ابن القيم ﵀ في «حادي الأوراح» (ص١٤٨-١٤٩): «وقالت عائة: ...» فذكره، قال: «وهذا معناه - والله أعلم - أن خرير ذلك النهر يشبه الخرير الذي يسمعه حين يدخل إصبعيه في أذنيه» . وقال المناوي:
1 / 11
«قال ابن الأثير (١): معناه: من أحب أن يسمع خرير الكوثر أي نظيره أو ما يشبهه - لا أنه يسمعه بعينه - بل شبيه دويه بدوى ما يسمع إذا وضع إصبعيه في أذنيه» اهـ. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم الكثير في صفة الكوثر، بدون هذه العبارة، فالله أعلى وأعلم.
_________
(١) والذي وجدته في «النهاية» (٢/٢١) لابن الأثير ﵀: «وفي حديث ابن عباس: «من أدخل أصبعيه في أنيه سمع خرير الكوثر» خرير الماء: صوته، أراد مثل صوت خرير الكوثر» اهـ. فالله أعلم أين قاله باللفظ الذي ساقه المناوى، ولم أجده أيضًا من حديث ابن عباس.
1 / 12
الحديث الثاني:
«إذا عسر على المرأة ولدها أخذ إناء نظيفًا (١) يكتب فيه: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون) إلى آخر الآية، و: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) و: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) إلى آخر الآبة، ثم يغسل ويسقي المرأة منه، وينضح على بطنها وفرجها» . ضعيف جدًا أو موضوع. رواه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٦١٩) من طريق عبد الله بن محمد بن المغيرة حدثنا سفيا الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا به. وابن المغيرة هذا واه، أتهم. قال العقيلي: «وكان يخالف في بعض حديثه، ويحدث بما لا أصل له» . وقال النسائي: «روى عن الثوري ومالك بن مغول أحاديث كانا أتقى لله من أن يحدثا بها» . وأورد له الحافظ الذهبي ﵀ في «الميزان» (٢/٤٨٧-٤٨٨) أحاديث، وقال: «قلت: وهذه موضوعات» . وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن الكوفي القاضي، قال الحافظ (٦٠٨١): «صدوق سئ الحفظ جدًا» . والحديث أورده الهندي ﵀ في «كنز العمال» (١٠/٦٤) من رواية ابن السني بلفظ: «إذا عسر على المرأة ولادتها خذ إناء نظيفًا فاكتب عليه ...» وفيه: «ثم يغسل وتسقى المرأة منه وينضح على بطنها وفي وجهها» . ولا يبعد أن يكون هذا هو لفظه الصحيح قبل أن تتناول الكتاب أيدي التحريف وقلة الدقة في التحقيق، ثم يدعى تخريج أحاديثه من لا ناقة له - في هذا الشأن - ولا جمل، ممعنًا في إيهام القراء أنه ملتزم أو متمكن - والله أعلم - إذ يكتب على طرته: «حققه فلان بن فلان» ! ثم كأنه تدارك الأمر فقال في طبعة أهرى: «خرج أحاديثه وعلق عليه» وحذف لفظ: «ابن»، فالله المستعان.
ولا أقول هذا مقرًا على نفسي بالتحقيق الذي يدخل فيه النظر في المخطوطات
_________
(١) في النسخة المتدوالة من «ابن السني»: «أخذ إناء لطيفًا» . والظاهر أنه تحريف صوابه هذا، أو: «أخذ إناء نظيف» . فالله أعلم.
1 / 13
والبراعة في قراءتها وفك رموزها، بل أشهد على نفسي أيضًا لا باع لي في هذا الأمر، ولذلك لم يسند إلى تحقيق كتاب مخطوط حتى هذه اللحظة. فمن كتب على طرة كتاب: «آداب حملة القرآن» للإمام الآحري رحمه اله - محولاظً اسمه إلى: «أخلاق أهل القرآن» ـ: «حققه وخرج أحاديثه الشيخ محمد عمرو بن عبد اللطيف» - وما حققته ولا رأيت مخطوطته بل نقلها غيري - أقول: من كتب ذلك، فقط غلط عليّ. وقد دعا ذلك البعض إلى اتهامي بالتصرف في اسم الكتاب باعتباري محققه ثم إن الناشر وصمني بمشيخة لست لها بأهل دون استشارتي في ذلك. وما أنا إلا عبد مذنب فقير إلى رحمة ربه الجليل، وطالب علم لم يزل في بداية الطريق. نعوذ بالله من انتحال المشيخة قبل الأوان، ومن الاغترار بما وهبنا الرحمن ﵎ من بعض فهم لقواعد علم «مصطلح الحديث» وأحوال طائفة من رجال الحديث ومراتبه. وما هذا - وحده - علم الحديث بفنونه وتقاسيمه، على قصور وقلة بلع، وجهل تاك أحيانًا في بعض فروع العلم. ومن نظر بعين البصيرة علم أن الفضل لله تعالى وحده يسلبه متى شاء - ويؤتيه من يشاء (وفوق كل ذي علم عليم) .
وبعد، فقد (روى) هذا الحديث أيضًا موقوفًا على ابن عباس ﵄ من طريق أخرى عن الثوري، وعن غيره عن ابن ليلى بنحوه، ففي «مصنف ابن أبي شيبة» (٧/٣٨٥): «حدثنا علي بن مسهر عن ابن أبي ليلى به ...» فذكره.
ولفظة: إذا عسر على المرأة ولدها فليكتب هاتين الآيتين والكلمات في صحفة ثم تغسل فتسقى منه: بسم الله لا إله إلا هو الحليم الكريم. سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم: ٠ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)،: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار. بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) . وقال حمزة بن يوسف السهمي ﵀ في «تاريخ جرجان» (ص٢٢٩): «قرأت في كتاب (الطب) لأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم البحري: أعطاني أبو عمران إبراهيم
1 / 14
ابن هانئ كتابًا له (في الأصل - محرفًا - كتاب الله) عن شجاع بن صبيح عن مصعب بن ماهان عن الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس ...» فذكره لأخصر مما قبله، وفيه: «قال سفيان: يكتب بعسل أو زعفران أو نحوهما ثم يغسله فتشربها المرأة» . ومدار الطريقين على أن ابن أبي ليلى، وقد تقدم ذكره. وفي إسناد السهمي - سواه ـ: «مصعب بن ماهان»، وهو مختلف فيه، وقال الحافظ (٦٦٩٤): «صدوق عابد كثير الخطأ» . والراوي عنه لم يذكر فيه السهمي (٣٦٧) جرحًا ولا تعديلًا. وكذلك أبو عمرن إبراهيم ابن هانئ (١٣٩) على جلالة ترجمته عنده. فقوله في هذا الإسناد: «عن الحكم عن مقسم» بدلًا من: «عن سعيد بن جبير» إن لم يكن من سوء حفظ ابن أبي ليلى واضطرابه، فهو من قبل أحد هؤلاء. فالله أعلم.
ومع ضعف هذا الأشر، فقد عمل به الإمام أحمد ﵀. قال الإمام ابن القيم ﵀ في «زاد المعاد» (٣/١٨٠): «كتاب لعسر الولادة. قال الخلال: حدثني عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام (١) أبيض أو شئ نظيف، يكتب حديث ابن عباس ﵁ ...» فذكره. وقال «قال الخلال: أنبأنا أبو بكر المروذي (٢) أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين، فقال: قل له يجئ بجام واسع وزعفران. ورأيته يكتب لغير واحد ...» . قلت: وفي هذا دليل على أن الإمام أحمد ﵀ كان يأخذ بالأحاديث والآثار الضعيفة إذا لم يجد في الباب غيرها، ولم يكن هناك ما يدفعها، والله أعلم.
_________
(١) قال ابن منظور في «لسان العرب» (١/٧٣١): «والجام إناء من فضة، عربي صحيح ...» .
(٢) في الأصل: «المروزي» بالزاي. وهذا خطأ شائع في هذه النسخة، راج على محققي الكتاب أو لم يباليا به في الطبعة التي حققاها (٤/٣٥٧) . والروذي نسبة إلى «مرو الروذ» أو المروزي فنسبة إلى «مرو»، وأبو بكر هذا يعد أجل أصحاب الإمام أحمد رحمهما الله.
1 / 15
فائدة: وقد روى ابن السني (٦٢٠) - عقب حديث ابن عباس الذي تقدم الكلام عنه - حديثًا آخر مرفوعًا بإسناد أتلف منه بكثير، من طريق عبيد الله عن محمد بن خنيس (في الأصل: عبد الله - مكبرًا - وهو تحريف) حدثني موسى ابن محمد بن عطاء حدثنا بقية بن الوليد حدثني عيسى بن إبراهيم القرشي عن موسى بن أبي حبيب قال: «سمعت علي بن الحسين يحدث عن أبيه عن أمه فاطمة ﵂، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لما دنا ولادها - أمر أم سليم وزينب بنت جحش أن تأتيا فاطمة فتقرءا عندها آية الكرسي و: (إن ربكم الله ...) إلى آخر الآية، وتعوذاها بالمعوذتين» . وهذا إسناد قد هلهل (١) بالمرة، وفيه الآتي:
١- عبيد الله بن محمد بن خنيس، وهو الدمياطي، وقيل: الدمشقي. ترجمة بن عساكر
في «تاريخه» (١٠/٧٣٢-٧٣٣) برواية جماعة عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
٢- وشيخه موسى بن محمد بن عطاء، وهو البلقاوي الدمياطي المقدسي، أحد التلفاء.
قال العقيلي: «يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات» . وقال ابن حبان وغيره: «كان يضع الحديث» . وكذبه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان. فالظاهر أنه من وضعه.
٣- وعيسى بن إبراهيم القرشي، وهاه ابن معين وقال أبو حاتم والنسائي: «متورك» .
٤- وشيخه موسى بن أبي حبيب، وهو الحمصي. ضعفه أبو حاتم. وقال الذهبي في «الميزان» (٤/٢٠٢): «وخبرة ساقط» . قلت: ومن قرائن تهافت هذا الحديث واختلافه، أن الزهراء ﵂ ماتت بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بستة أشهر، والحسين ﵁ لم يزل غلامًا صغيرًا، فمتى حدثته فاطمة بذلك عن جده المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ ! .
_________
$! هذه العبارة استخدمها الحافظ المناوى ﵀، في حديث آخر لا أذكره الآن.
1 / 16
وهذا الحافظ الطبراني (﵀) - على سعة روايته - لم يورد في «معجمه الكبير» (٢٢/٤١٤-٤١٥) من رواية الحسين عنها إلا حديثين، في أحدهما الحكم عبد الله الأيلي، وهو وضاع. وفي الآخر جماعة لم يعرفهم الهيثمي، وفيه أيضًا: جندل بن والق، صدقه أبو حاتم ووثقه ابن حبان. أما مسلم فقال: متروك الحديث. ولينه البزار. والمتن الذي رواه ظاهر البطلان في فضل أمير المؤمنين علي ﵁ (١) . أما عامة ما أورده الطبراني للزهراء ﵂ فلا يكاد يسلم منها حديث، إما وهاه في الإسناد، أو كونه من مسند غيرها لا من مسندها هي. أو مما حدثت به عائشة ﵂ قبيل أو عقيب وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من وراية مخصوصة بعينها -، وهذا ما تبين لي من مجموع هذه الروايات: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) .
_________
$! وما شاع بين المسلمين في تخصيص علي بقولهم: «كرم الله وجهه»، فيما لم أقف له على أصل، ولا ثبوت عن أحد السلف المتقدمين. وهؤلاء الرافضة أخزاهم الله، لا يعجبهم من أهل السنة أن يقولوا: (﵁) ولا «كرم الله وجهه»، بل يصرون على تخصيصه وغيره من آل البيت بلفظة: (﵇)، كلمة حق أريد بها باطل!!
1 / 17
الحديث الثالث:
«إذا كثرت ذنوب العبد، ولم يكن له ما يكفرها من العمل، ابتلاه الله ﷿ بالحزن ليكفرها عنه» ضعيف. رواه الإمام أحمد (٦/١٥٧) - واللفظ له - والبزار (٣٢٦٠) كشف الأستار) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (٢/١٨٩) وعنه ابن رشيد الفهري في «ملئ العيبة) (٣/٣٨٨٠٣٨٩) والخطيب (٦/٨٨) من طريق حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن عائشة مرفوعًا. وكذلك الديلمي كما في «الفردوس» (١٣٣٢)، قال الحافظ في «تسديد القوس» - ونقله المحققان -: «أحمد وأبو الشيخ من رواية مجاهد عن عائشة» . وقال البزار: «لا نعلم رواه بهذا الإسناد إلا وائدة، ولا عنه إلا حسين» اهـ. قلت: وهو إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح سوى ليت - وهو ابن أبي سليم الكوفي ـ، فضعيف اختلط كما يأتي مفصلًا بإذن الله. وكلام الحافظ البزار ﵀، إليه المنتهى في الدقة، فقد روى الحديث عن ليث أيضًا بإسناد ومتن سوى هذا.
وقال الحافظ المنذري ﵀ في «الترغيب» (٤/٥٣٧): «رواه أحمد، ورواته ثقات إلا ليث بن أبي سليم» .
وذكره الحافظ الهيثمي ﵀ في «المجمع» في موضعين، فقال في الأول (٢/٢٩١): «رواه أحمد، وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات» . وقال في الثاني (١٠/١٩٢): «رواه أحمد والبزار، وإسناده حسن» . كذا قال.
وقال الحافظ العراقي ﵀ كما في «تخريج الإحياء» (٣٣١٩) -: «تقدم أيضًا في «النكاح»، وهو عند أحمد من حديث عائشة: «ابتلاه الله بالحزن» النتهى. قلت (القائل: الزبيدي): ذكر هناك أن فيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه، ولفظ أحمد في «المسند» ...، حتى قال: «ولكن حسن السيوطي
1 / 18
وكأنه رجح جانب التوثيق فيه، والله أعلم» . قلت: كلا، بل لعله ذهول أو غير ذلك، فإن ليثًا عند الحافظ السيوطي ﵀ من المقطوع بضعفهم، بل حكم ببطلان بعض أحاديث له من جهة المتن كما يأتي في الحديث التاسع عشر بإذن الله. والحديث في «الجامع الصغير» (٨٣٨) مرموزًا له بالحسن.
قال المناوى (١/٣٤٣) - بعد حكاية كلام المنذري والعراقي والهيثمي -: «... وقد رمز المصنف لحسنه» .
أما الإسناد الآخر الذي أشرنا إليه، فهو ما رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢/٣/١٣٤/ب) من طريق أحمد بن عمران الأخنسي قال: سمعت أبا بكر ابن عياش وعبد الرحمن المحاربي عن ليث عن الحكم بن عتيبة رفعه قال: «إذا كثرت ذنوب العبد ...»، فذكره بنحو مما تقدم.
والأخنسي هاذ واه، قال أبو زرعة: «كتبت عنه ببغداد، وكان كوفيًا، وتركوه» . وقال البخاري والأزدي: «منكر الحديث»، ومع ذلك وثقه ابن عدي وقال ابن حبان في «ثقاته»: «مستقيم الحديث» . وقد توبع على روايته عن أبي بكر بن عياش وحده - فيما أعلم - بلفظ يختلف عن هذا، فعند عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائد الزهد» (ص١٠) وعند الخطيب (٧/١١١) عن بيان ابن الحكم حدثنا محمد بن حاتم أبو جعفر عن بشر بن الحارث (١) أبنأنا أبو بكر بن عياش عن ليث عن الحكم مرفوعًا: «إذا قصر العبد في العمل، ابتلاه الله بالهم» .
ورواه أيضًا الديلمي كما في «الفردوس» (١١٤٧)، بلفظ: «بالحزن» . قال الحافظ في (تسديد القوس»: «الحكم بن عمير» يعني أن الحكم الذي أرسل هذا الحديث هو ابن عمير المجهول الذي لم تثبت صحبته من وجه يعتمد عليه، وليس الحكم بن عتيبة الفقيه الكوفي المشهور، ولا أدري ما حجة الحافظ ﵀ في هذا الجزم، وليث لم أجد له رواية لا عن هذا ولا عن ذاك -، مع أن الأشبه أن يكون بلديه الحكم بن عتيبة -، والحديث في الحالين غير متصل،
_________
$! ثم وجدته في «الحلية» (٨/٣٤٤) عن بشر موقوفًا عليه بلفظ: «إذا قل عمل العبد ابتلى بالهم» . وشيخ أبي نعيم فيه: أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم وهو واه ليس بثقة.
1 / 19
أما رواية الأخنسي المتقدمة،، والتي تنص على أنه: «ابن عتيبة»، فلا يؤبه لها. وله علة أخرى. ففي الإسناد أيضًا: بيان بن الحكم، ترجمة الخطيب في «تاريخ بغداد» من رواية عبد الله عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال الذهبي في «الميزان» (١/٣٥٦): «لا يعرف»، وذكر له هذا الحديث وقال: «معضل» .
ونخلص من ذلك أن الإسناد إلى أبي بكر بن عياش والمحاربيعن ليث لم يثبت أصلًا، وأن الصحيح عن ليث - على ضعفه - روايته عن مجاهد عن عائشة موصولًا باللفظ الأول. ومن أجل ذلك تركت إعلاله بابن عياش إذ لا مدخل له فيه. والأصل فيه القبول والتوثيق ما لم تثبت مخالفته للأثبات، ولم تثبت.
(ملحوظة): ولا يغتر برواية الخطيب للحديث، بلفظ: «إذا كان للعبد ذنوب وخطايا ولم يكن له عمل صالح، ابتلى بالغموم والأحزان ليكون كفارة لذنوبه» . ففي إسنادها - سوى ليث -: عمربن مدرك الرازي وهو متروك كذب، فلعل هذه التزيدات منه، والراوي عنه لم يذكر فيه الخطيب جرحًا ولا تعديلًا. وشيخه لم أهتد به إليه.
(أما) الراوية الموقوفة، فقد روى بعض الرافضة هذا الحديث عن الحكم ابن عتيبة، فألصقوه بجعفر الصادق رحمه اللله، ففي «أمالي المفيد» (ص٢٤،٢٣) من طريق الحسين بن سعيد، عن ابن أ [ي عمير، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن الحكم بن عتيبة قال: قال أبو عبد الله ﵇: «إذا العبد إذا كثرت ذنوبه» اهـ. وفي إسناده جماعة من الشيعة الذين لا يوثق بهم، والذين لا يتبين ضدقهم من كذبهم، والذين قال فيهم الذهبي ﵀ في «الميزان» (١/٥-٦) - لدى كلامه عن البدعة الصغرى والبدعة الكبرى -: «... ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر ﵄، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. وأيضًا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلًا
1 / 20