ما مات، ولكنّه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران. فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، ووالله ليرجعنّ رسول الله ﷺ كما رجع موسى فلتقطعن «١» أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله ﷺ مات.
وروى محمد بن إسماعيل البخاري ﵀ في «صحيحه» (٦: ١٧) عن أبي سلمة أن عائشة زوج النبي ﷺ أخبرته قالت: أقبل أبو بكر على فرسه من مسكنه بالسّنح «٢»، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلّم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمّم النبيّ ﷺ وهو مسجّى ببرد حبرة «٣»، فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه فقبّله ثم بكى، فقال «٤»: بأبي أنت يا نبيّ الله، لا يجمع الله عليك موتتين أبدا، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متّها.
قال أبو سلمة (السيرة ٢: ٦٥٥): فأخبرني «٥» ابن عباس: أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فتشهد أبو بكر، فمال إليه الناس وتركوا عمر، فقال: أما بعد من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، قال الله تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران: ١٤٤) قال: والله لكأنّ الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر، فتلقّاها منه الناس فما يسمع بشر إلا وهو يتلوها.
قال ابن إسحاق (٢: ٦٥٦): ولما قبض رسول الله ﷺ انحاز
_________
(١) السيرة: فليقطعنّ.
(٢) السّنح: في طرف من أطراف المدينة، كان بها منزل أبي بكر الصديق حين تزوج مليكة وقيل حبيبة بنت خارجة الأنصارية.
(٣) البخاري: وهو مغشى بثوب حبرة.
(٤) البخاري: وبكى ثم قال.
(٥) قارن أيضا بالبخاري ٦: ١٧.
1 / 38