Arap Düşüncesini Yenileme
تجديد الفكر العربي
Türler
الفصل السابع
ثورة في اللغة
(أ) من اللغة تبدأ ثورة التجديد
لست أتصور لأمة من الأمم ثورة فكرية كاسحة للرواسب، إلا أن تكون بدايتها نظرة عميقة عريضة تراجع بها اللغة وطرائق استخدامها؛ لأن اللغة هي الفكر، ومحال أن يتغير هذا بغير تلك، فقد تسود العصر روح دينية صوفية، تبحث عن الغيب وراء الشهادة، عن الخفاء وراء الظهور، عن الثابت وراء المتغير، عن المطلق وراء الجزئي النسبي العابر، عن البقاء وراء الفناء، فعندئذ ينعكس هذا كله على طريقة استخدام الناس للغة - في مدارج الثقافة العليا لا في تصاريف الحياة اليومية - فتراهم يجعلونها للإيحاء لا للدلالة، فهي أداة عروج إلى السماء لا وسيلة اتصال بالواقع. ثم قد تسود العصر روح علمانية واقعية، ينشغل الناس فيها بالعلوم الطبيعية والرياضية أكثر مما ينشغلون بالوجد الصوفي وتسبيح المتدين، فعندئذ كذلك ينعكس ذلك على اللغة، فترى أصحابها يتخذون منها أداة ترمز إلى الواقع المحسوس، أكثر مما يتخذونها عدسات ينفذون منها إلى اللانهاية والخلود، ذلك على وجه التعميم الذي لا ينفي أن يتناثر في الحالة الأولى أفراد أشبه بالعلماء في استخدامهم للغة، كما لا ينفي أن يكون في الحالة الثانية أفراد أشبه بالشعراء في صياغة القول.
فإذا كان الناس في مرحلة من تاريخهم الفكري تشبه الحالة وأرادوا الانتقال منها إلى مرحلة أخرى تشبه الحالة الثانية، كان لا بد لهم من تغيير الأداة. والعكس صحيح أيضا بالنسبة إلى من يأخذون العلم الطبيعي برقابهم ويريدون الإفلات من قبضته ولو قليلا، فهنا كذلك ترى الدعاة إنما يسوقون دعوتهم بلغة الإيحاء الشاعرة، لا بلغة الأعلام الواقعية العلمية المحدودة المعنى. •••
وقبل أن أنصرف بالحديث إلى أنفسنا، أود أن أنقل إلى القارئ لمحة من النشاط الفكري الذي نشط به الفرنسيون في ثورتهم الكبرى، ليرى معي كيف أنهم ما كادوا يعلنون الثورة السياسية الاجتماعية حتى اجتمع رجال الفكر منهم ليبحثوا في اللغة على أي نحو يتصورونها، وفي أي اتجاه يوجهونها.
ولم يكن قد مضى على الثورة (1789) أربعة أعوام حين حلت السلطة القائمة ما كان هنالك من مجامع علمية؛ رغبة منها في أن تعيد بناءها على خطة جديدة تتفق وروح الثورة التي أرادت أن يستدبر الفرنسيون من تاريخهم مرحلة، ليستقبلوا مرحلة جديدة جدة كاملة شاملة. ومضى عامان بعد هذا الإلغاء، ثم أنشئ (1795) «المعهد القومي للعلوم»، قسموه أقساما ثلاثة: قسم منها للعلوم الطبيعية، وقسم آخر لعلوم الأخلاق والسياسة، وقسم ثالث للفنون الجميلة بما فيها الأدب، ويهمنا في هذا الحديث القسم الثاني - قسم علوم الأخلاق والسياسة - فقد فرعوه فروعا ستة: فرع لتحليل الإحساسات والأفكار، وفرع للأخلاق، وثالث لعلم الاجتماع، ورابع للاقتصاد السياسي، وخامس للتاريخ، وسادس للجغرافيا، شيء يذكرنا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية في الجمهورية العربية المتحدة اليوم. •••
والذي يعنينا الآن هو أول الفروع، الخاص بالنظر في تحليل الإحساسات والأفكار؛ لأنه هو الفرع الذي عني بتحليل المعرفة الإنسانية تحليلا يبين وسائلها ومداها وحدودها، وهنا يأتي البحث في اللغة من حيث هي الوسيلة التي لا وسيلة سواها لنشأة المعرفة الإنسانية وتكوينها وتطويرها - أو جمودها في بعض الحالات - وغني عن البيان أن يقال إن البحث في المعرفة الإنسانية من حيث النشأة والتكوين، هو من أهم الموضوعات التي يتصدى لها الفلاسفة، بل هو أهمها على الإطلاق منذ القرن السادس عشر وإلى يومنا هذا، فلا عجب أن نرى بعض أعضاء هذا الفرع من فروع «المعهد القومي للعلوم» من الفلاسفة البارزين عندئذ، منهم «فولني»
Comte de Volney
و«كاباني»
Bilinmeyen sayfa