71

Felsefi Deneyimler

تجارب فلسفية

Türler

وربما تشهد تضرعاته وصلواته لإلهيه شمش ولو جال بندا، بجانب التحذيرات التي كان يوجهها إنكيدو من إساءة استخدام السلطة، بوجود وازع خفي في نفسه يذكره بثلثه البشري، وبالتعهد أو العقد المبرم بينه وبين الآلهة بألا يشتط في تسلطه وطغيانه.

بيد أن جلجاميش قد تطهر من طغيانه على النحو الذي حاولت تصويره وتبريره على الصفحات السابقة. ربما لا يقتنع القارئ بهذه المحاولة، فيرد عليها بقوله: ولكن ما تسميه تطهرا هو في الحقيقة هزيمة وفشل وانكسار. والحقيقة أنني لا أتعصب لهذا الرأي ولا لرأي سواه؛ فالقراءة المتعاطفة مع النص، وتجربته من داخله، وفي إطار سياقه وشروطه المختلفة، تسمح بأكثر من قراءة، لكن معايشتي للنص قد كونت لدي حدسا يشبه اليقين بأن جلجاميش - مثل غيره من حكماء حضارتنا القديمة والوسيطة والحديثة وأصحاب البصيرة فيها - يقف هناك بعيدا، ويشير إلينا وسط المحنة وهو يقول: حذار من الطغيان! حذار من الطغيان!

25

ويبقى في النهاية أن نرجع للأسئلة التي طرحناها في البداية، والحق أنها لا تنتظر إجابات بقدر ما تفرض واجبات، لا على المثقفين المستنيرين والعلماء المختصين وحدهم من أبناء أمتنا، بل على كل منتم لهذه الأرض وهذه الحضارة، وكل من يشعر مع مآسي الطغيان المتكرر بأننا ننتحر - إذا جازت هنا صيغة المبني للمجهول! - أو نستدرج للانتحار بأيدينا. وهذه الواجبات تتمثل في أسئلة أخرى ربما تحفز الإجابة عليها بالمشاركة في أفعال لا في أقوال: فهل آن لنا أن نتجاوز تراث الطغيان في تاريخنا القديم والوسيط والحديث، بتراث آخر نتخلص فيه من الكابوس الذي جثم على الأنفاس آلاف السنين، ولم يزل يفاجئنا بين الحين والحين؟ وإذا كان جلجاميش يقدم المثل أو الأمثولة للطاغية الذي تطهر من طغيانه، فكيف يتم التطهر في ظروفنا وظروف عصرنا؟ وكيف ومتى يصح العزم على «البدء من بداية البدايات» وهي الحرية؟ وإذا كان الطغيان أو الاستبداد أو التسلط أو ما شئت من المسميات، بمثابة «بنية لا زمنية» - كما يقول علماء اللغة - خيمت على تاريخنا، أو «نموذج أصلي» ترسب في الطبقات الدفينة من «لاوعينا الجمعي»، وما فتئ يعلن عن نفسه على كل المستويات، ويطل برأسه حتى في سلوكنا اليومي، فهل من سبيل لرصده، وتعقب جذوره وفروعه وثماره المرة في مظاهره ونصوصه وتعبيراته عن «ذاتنا» التاريخية؛ تمهيدا لبتر ورمه الخبيث؟

أسئلة وأسئلة طرحناها في البداية، ويمكن أن نزيد عليها في النهاية. وإذا صح تفسيري فقد كان تطهر جلجاميش من طغيانه هو البداية القديمة التي تنتظر أن نجددها بلغة العصر وأدواته، وكان هو النبع الأصلي الذي يمكن أن نغرق فيه، ويمكن أن نغتسل بمائه من آثام الماضي ومحن الحاضر، ونخرج منه متطهرين لمواجهة المستقبل، فهل آن لنا أن نعقد العزم على التطهر، ونجاوز تراث الطغيان بتراث الحرية؟ هل نتعلم من المحنة فنبدأ من البداية ونحققها بالفعل، ونجسدها بالعمل والبناء الحضاري؟

هوامش

أحب الكتب إلى قلبي

الطريق والفضيلة (تاو-تي-كنج) الكتاب المقدس للطاوية

تعب المعلم والحكيم العجوز، ووهن عظمه، وسئمت نفسه. كان قد بلغ السبعين من عمره، وتاق إلى الراحة من هموم بلده وعصره؛ فقد غاب الخير، وضل الناس الطريق، ورجع الشر إلى سطوته، وغرقت الدويلات والإمارات الإقطاعية في بحور الفقر والجوع والدماء. ربط المعلم حذاءه، وحزم ما يحتاج إليه في طريق رحلته إلى منفاه في الغرب البعيد؛ الغليون الذي تعود أن يدخن فيه كل ليلة، والكتاب الذي تعود أن يقرأه، ومن الجبن والخبز على قدر النصيب. فرح قلبه برؤية الوادي لآخر مرة، ثم نسيه عندما اتجه لصعود الجبل، كما فرح ثوره الأسود بالعشب الندي، راح يمضغه والشيخ فوق ظهره، والغلام الصغير يسحبه على مهل من مقوده. وفي اليوم الرابع، عند أسفل الجبل، سد عليه الطريق عامل الجمرك النحيل الشاب، وسأله: هل من شيء يستحق الضريبة؟ - لا شيء.

وتكلم الغلام قائلا: لقد كان يعلم الناس.

Bilinmeyen sayfa