المحسن إليّ - خطابًا شريفًا يرد ما شاع على ألسنة جماعة من الرعاع؛ من اختصاص سلفِ هذه الأمة بإحراز فضيلة البلوغ إلى ذروة الاجتهاد والتجديد، وتعذُّر وجودِ المجتهدين بعد المئة السادسة أو السابعة على التعيين والتحديد، وكانت هذه المقالة بمكان من الجهالة، لا تخفى على مَنْ له أدنى حظ من علم، وأنزرُ نصيب من عرفان، وخصر حصة من فهم وجلالة؛ لأنها كما قال العلامة الرباني، مجتهدُ القطر اليماني، مجددُ المئة الثالثة عشرة في إحياء الأمر الإيماني، شيخُنا وبركتنا قاضي القضاة شيخُ الإسلام، وحسنةُ الليالي والأيام، محمدُ بنُ علي بن محمدٍ الشوكاني ﵁: قصرٌ للفضل الإلهي والفيض الرباني على بعض العباد دون البعض، وعلى أهل عصر دون عصر، وعلى أبناء دهر دون دهر، بدون برهان ولا قرآن، على أن هذه المقالة المخذولة، والحكاية المرذولة، تستلزم خلو هذه الأعصار المتأخرة عن قائم بحجج الله، ومترجم عن كتابه العزيز، وسنة رسوله المطهرة، ومبين لما شرعه الله لعباده.
وذلك هو ضياع الشريعة الحقة بلا مِرْية، وذهاب الدين المتين بلا شك، وهو تعالى قد تكفل بحفظ دينه القويم، وليس المراد به حفظه في بطون الصحف والدفاتر، بل إيجاد من يبينه للناس في كل وقت وعند كل حاجة، فليعلم صاحب تلك المقالة: أن الله تعالى - وله المنة - قد تفضل على الخلف كما تفضل على السلف، بل ربما كان في العصور المتأخرة من العلماء المحيطين بالمعارف العلمية، والمدارك الشرعية، على اختلاف أنواعها، من يقل نظيرُه من أهل العصور المتقدمة، انتهى.
وسوق هذا الكلام منه - أعلى الله منزلته في دار السلام - فيمن يعرف الكتاب والسنة وعلومهما، دون من لم يرفع رأسه إليهما، بل أضاع عمره في الفروع سرمدًا، فإنه لا يكون مجتهدًا ولا مجددًا للدين أبدًا.
وسيقف على ذلك من أمعن النظر في هذا "الكتاب"، وحل من عنقه عرا التقليد والارتياب، والمذكورون في هذا "المختصر" هم صميم الكرام، الذين
1 / 9