وضحك ساخرا، ثم واصل قائلا: لكنه لا شيء إلا الظلام والصمت!
وتنقضي فترة طويلة في صمت، ثم يعود قائلا: إني أسخر منكم بالكلام الفارغ، وأنتم تسخرون مني في قلوبكم بالصمت، وهذا يعني أنكم لا تتعلمون، أما أنا فقد حققت لنفسي المعجزة، رغم أنف الدنيا، فلا أسرة لي ولا عمل، إذ إن الموزع في الحقيقة لا عمل حقيقي له، وفي غمرة الذهول وجريان الأيام على وتيرة واحدة تبدو لي الحياة طويلة كثيفة مثقلة بالملل فلا أخاف الموت، من منكم لا يخاف الموت!
وبرغم حقارته، برغم ما يثيره في النفوس من سخرية خرساء، فقد مس وترا حساسا، ولكن من يصدق أنه لا يخاف الموت؟ ولم إذن بنى هذه الحجرة المعزولة في الهواء والخلاء؟
وفي ذات ليلة قال لهم بثقة: في هذه الحجرة خلاصة مركزة لحكمة الحياة.
وكف عن الكلام طويلا؛ وإذا بالجوزة تتوقف عن الدوران، ظنوه ينشد شيئا من الراحة بخلاف عادته، وانتظروا فطال بهم الانتظار في الصمت والظلام، انتظروا وانتظروا، ولكن لم يجد جديد، استهلكوا قدرتهم على الانتظار، تنحنح بعضهم استحثاثا له على العمل، ولكن دون جدوى. هل نام الرجل؟ هل أغمي عليه؟ هل مات؟
وأقربهم إلى موضعه مد يده متحسسا مكانه، ثم همس بقلق: ليس الرجل في مكانه!
وألصقهم بالباب قام ليفتحه، ولكنه همس في اضطراب: الباب مغلق بإحكام.
واضطر أحدهم إلى رفع صوته قائلا: لا بد من وجود نافذة، فليفتش عنها كل فيما يليه من الجدار.
ومضت فترة في التفتيش، ثم تتابعت الأصوات: لا توجد نافذة .. لا توجد نافذة!
واستهانوا بالستر فقرروا إشعال أعواد الثقاب ليتبينوا موقفهم، ولكن أحدا لم يجد علبة ثقابه .. علبة السجار بمكانها أما الثقاب فلا أثر له! لا يمكن أن يقع ذلك مصادفة. سرق الثقاب! ولكن من السارق؟ ولم سرقه؟ وماذا يراد بهم؟ ونادوا المعلم؛ نادوه بأصوات غاضبة، نادوه بأصوات رعدية، ولكن لا مجيب، لا مجيب على الإطلاق، ولا صوت. - أين ومتى ذهب؟ - من أي منفذ تسلل؟ - ما معنى اختفائه؟ - كيف؟ ولم سرق الثقاب؟ - لعله ذهب لقضاء أمر فدهمه حادث. - ولم أغلق الباب؟ - ولم سرق الثقاب؟ - أهزر وراء ذلك أم شر؟ - نحن مهددون في الظلام.
Bilinmeyen sayfa