Tahrir ve Tanwir
التحرير والتنوير
Yayıncı
الدار التونسية للنشر
Yayın Yeri
تونس
تَأْكِيدُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَادَّةُ الْإِقَامَةِ مِنَ الْمُوَاظَبَةِ وَالتَّكَرُّرِ لِيَكُونَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ أَصْرَحَ.
وَالصَّلَاةُ اسْمٌ جَامِدٌ بِوَزْنِ فَعَلَةَ مُحَرَّكُ الْعَيْنِ (صَلَوَةَ) وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ كَقَوْلِ الْأَعْشَى:
تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ يَمَّمْتُ مُرْتَحِلًا ... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا
عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي ... جَفْنًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا
وَوَرَدَ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ الْمَلِي ... كِ طَوْرًا سُجُودًا وَطَوْرًا جُؤَارَا (١)
فَأَمَّا الصَّلَاةُ الْمَقْصُودَةُ فِي الْآيَةِ فَهِيَ الْعِبَادَةُ الْمَخْصُوصَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى قِيَامٍ وَقِرَاءَةٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَتَسْلِيمٍ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ كَانَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ آبَائِهِمْ فِي لُغَاتِهِمْ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ حَالَتْ أَحْوَالٌ وَنُقِلَتْ أَلْفَاظٌ مِنْ مَوَاضِعَ إِلَى مَوَاضِعَ أُخَرَ بِزِيَادَاتٍ، وَمِمَّا جَاءَ فِي الشَّرْعِ الصَّلَاةَ وَقَدْ كَانُوا عَرَفُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ على هاته الهيأة قَالَ النَّابِغَةُ:
أَوْ دُرَّةٌ صدفيّة غوّاصها ... بهيج مَتَى يَرَهَا يُهِلُّ وَيَسْجُدُ (٢)
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ كَذَا فَإِنَّ الْعَرَبَ لَمْ تُعَرِّفْهُ بِمِثْلِ مَا أَتَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ مِنَ الْأَعْدَادِ وَالْمَوَاقِيتِ اهـ.
قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ الْعَرَبَ عَرَفُوا الصَّلَاةَ وَالسُّجُودَ وَالرُّكُوعَ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ ﵇ فَقَالَ: رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ [إِبْرَاهِيم: ٣٧] وَقَدْ كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمُ الْيَهُودُ يُصَلُّونَ أَيْ يَأْتُونَ عِبَادَتَهُمْ بِهَيْأَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَسَمَّوْا كَنِيسَتَهُمْ صَلَاةً، وَكَانَ بَيْنَهُمُ النَّصَارَى وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ قَالَ النَّابِغَةُ فِي ذِكْرِ دَفْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ الْغَسَّانِيِّ:
فَآبَ مُصَلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ ... وَغُودِرَ بِالْجُولَانِ حَزْمٌ وَنَايِلُُ (٣)
(١) عَائِد إِلَى أيبلىّ فِي قَوْله قبله:
وَمَا أيبلىّ على هيكل ... بناه وصلّب فِيهِ وصارا
والأيبلي الراهب.
(٢) يهل: أَي يرفع صَوته فَرحا بِمَا أتيح لَهُ وَيسْجد شكرا لله تَعَالَى. [.....]
(٣) رُوِيَ مصلوه بالصَّاد فَقَالَ فِي «شرح ديوانه»: إِن مَعْنَاهُ رَجَعَ الرهبان الَّذين صلوا عَلَيْهِ صَلَاة الْجِنَازَة وَرُوِيَ بالضاد الْمُعْجَمَة وَمَعْنَاهُ دافنوه، أَي رَجَعَ الَّذين أضلوه أَي غيبوه فِي الأَرْض. قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [السَّجْدَة: ١٠] وَقَوله بِعَين جلية:
أَي بتحقق خبر مَوته لمن كَانَ فِي شكّ من ذَلِك لشدَّة هول الْمُصَاب. والجولان: مَوضِع دفن بِهِ.
1 / 232