Tahrir ve Tanwir
التحرير والتنوير
Yayıncı
الدار التونسية للنشر
Yayın Yeri
تونس
كَمَا أَظْهَرُوا هَمْزَةَ الْأُنَاسِ فِي قَوْلِ عَبِيدِ بْنِ الْأَبْرَصِ الْأَسَدِيِّ:
إِنَّ الْمَنَايَا لَيَطَّلِعْ ... نَ عَلَى الْأُنَاسِ الْآمِنِينَ
وَنَزَلَ هَذَا اللَّفْظُ فِي طَوْرِهِ الثَّالِثِ مَنْزِلَةَ الْأَعْلَامِ الشَّخْصِيَّةِ فَتَصَرَّفُوا فِيهِ هَذَا التَّصَرُّفَ لِيَنْتَقِلُوا بِهِ إِلَى طَوْرٍ جَدِيدٍ فَيَجْعَلُوهُ مِثْلَ عَلَمٍ جَدِيدٍ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مَسْلُوكَةٌ فِي بَعْضِ الْأَعْلَامِ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي فِي شَرْحِ قَوْلِ تَأَبَّطَ شَرًّا فِي النَّشِيدِ الثَّالِثِ عَشَرَ مِنَ «الْحَمَاسَةِ»:
إِنِّي لَمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَقَاصِدٌ ... بِهِ لِابْنِ عَمِّ الصِّدْقِ شُمْسِ بْنِ مَالِكٍ
شُمْسُ بِضَمِّ الشِّينِ وَأَصْلُهُ شَمْسُ بِفَتْحِهَا كَمَا قَالُوا حُجْرَ وَسُلْمَى فَيَكُونُ مِمَّا غُيِّرَ عَنْ نَظَائِرِهِ لِأَجْلِ الْعَلَمِيَّةِ اهـ. وَفِي «الْكَشَّافِ» فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ أَبِي لَهَبٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ مِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ قَرَأَ (أَبِي لَهْبٍ) بِسُكُونِ الْهَاءِ مَا نَصَّهُ وَهِيَ مِنْ تَغْيِيرِ الْأَعْلَامِ كَقَوْلِهِمْ شُمْسُ بْنُ مَالِكٍ بِالضَّمِّ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ: «وَلِفُلَيْتَةَ بْنِ قَاسِمٍ أَمِيرِ مَكَّة ابْنَانِ أحد هما عَبْدِ اللَّهِ بِالْجَرِّ، وَالْآخَرُ عَبْدَ اللَّهِ بِالنَّصْبِ، وَكَانَ بِمَكَّةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا هَكَذَا» اهـ. يَعْنِي بِكَسْرِ دَالِ عَبْدِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ إِعْرَابِهِ، فَهُوَ بِهَذَا الْإِيمَاءِ نَوْعٌ مَخْصُوصٌ مِنَ الْعَلَمِ، وَهُوَ أَنَّهُ أَقْوَى مِنَ الْعَلَمِ بِالْغَلَبَةِ لِأَنَّ لَهُ لَفْظًا جَدِيدًا بَعْدَ اللَّفْظِ الْمُغَلَّبِ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي الْعَلَمِيَّةِ الَّتِي عَرَضَتْ لِاسْمِ الْجَلَالَةِ لَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْأَعْلَامِ فَكَانَ اسْمُهُ تَعَالَى غَيْرُ مُشَابِهٍ لِأَسْمَاءِ الْحَوَادِثِ كَمَا أَنَّ مُسَمَّى ذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُ مُمَاثِلٍ لِمُسَمَّيَاتِ أَسْمَاءِ الْحَوَادِثِ. وَقَدْ دَلُّوا عَلَى تَنَاسِيهِمْ مَا فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ التَّعْرِيف وَأَنَّهُمْ جعلو هما جُزْءًا مِنَ الْكَلِمَةِ بِتَجْوِيزِهِمْ نِدَاءَ اسْمِ الْجَلَالَةِ مَعَ إِبْقَاءِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ إِذْ يَقُولُونَ يَا اللَّهُ مَعَ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ نِدَاءَ مَدْخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ.
وَقَدِ احْتَجَّ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» عَلَى كَوْنِ أَصْلِهِ الْإِلَهَ بِبَيْت البعيث الْمُتَقَدّم، وَلَمْ يُقَرِّرْ نَاظِرُوهُ وَجْهَ احْتِجَاجِهِ بِهِ، وَهُوَ احْتِجَاجٌ وَجِيهٌ لِأَنَّ مَعَاذَ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ مُضَافَةً لِغَيْرِ اسْمِ الْجَلَالَةِ، مِثْلَ سُبْحَانَ فأجريت مجْرى أَمْثَال فِي لُزُومِهَا لهاته الْإِضَافَة، إِذا تَقُولُ مَعَاذَ اللَّهِ فَلَمَّا قَالَ الشَّاعِرُ مَعَاذَ الْإِلَهِ وَهُوَ مِنْ فُصَحَاءِ اللِّسَانِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ الْإِلَهَ أَصْلًا لِلَفْظِ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّصَرُّفُ تَغْيِيرًا إِلَّا أَنَّهُ تَصَرَّفٌ فِي حُرُوفِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ كَاخْتِلَافِ وُجُوهِ الْأَدَاءِ مَعَ كَوْنِ اللَّفْظِ وَاحِدًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمُ احْتَجُّواُ
1 / 164