بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله حق حمده، أحمده كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، اتصف بالعلم وحث عليه جميع عباده، ووعدهم عليه جزيل ثوابه وفضله.
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أرسله بالمحجة الزكية ، والطريقة السوية ، والشريعة السمحة ، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى تابعيهم من العلماء العاملين الناصرين لدين الله تعالى، والقائمين بأمره، حتى أتاهم اليقين.
وبعد:
فلم تحظ لغة من لغات العالم، بما حظيت به اللغة العربية من تكريم وتشريف، وما أحاطها الله به من عناية ورعاية، وقد تجلت هذه العناية وهذا التشريف في الأمور التالية:
أولا : وجود عوامل توحد بين القبائل العربية، واللهجات المنتشرة في الجزيرة العربية، كمواسم الحج والأسواق الأدبية، مما أدى إلى ظهور شكل لغوي مشترك لجميع هؤلاء الناس، والذي تمثل في لغة قريش ذات السلطان الديني والتفوق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في الفترة التي ظهر فيها الإسلام.
ثانيا : نزول القرآن بهذه اللغة ، وقد تكفل الله بحفظه إلى يوم الدين، وهذا جعل الناس ينطوون تحت لواء القرآن طوال هذه القرون الطويلة.
Sayfa 1
ثالثا : قيض الله للقرآن من يخدمه ويعتني به، فمنهم علماء الشريعة الذين اعتنوا بجانب الفقه والعبادات الواردة فيه، ومنهم علماء اللغة وأهل النحو الذين اعتنوا بالقرآن كلغة، فأخذوا جانب الصرف والأصوات والبلاغة والتركيب والمفردات، مما أنتج دراسات للعربية ساهمت في المحافظة عليها حتى يومنا هذا، وإن الأرض وخاصة العربية، لا ولن تضن يوما بالعلماء الذين يلتقفون الراية خلفا عن سلف، ويحاول كل جيل أن يضع بصمته، ويضيف جهده، لتمضي المسيرة.
وقد برزت عناية هؤلاء العلماء بهذه اللغة في مؤلفاتهم الكثيرة والضخمة التي تناولوها بالشرح والتبيين، وبذلك تكونت في الأمة مكتبات عظيمة تضم هذه المؤلفات.
ومن المعلوم أن إبراز هذه المؤلفات للأجيال المتوالية، تحتاج إلى نوع من العناية والترتيب قبل إخراجها من عالم المخطوطات، إلى عالم المطبوعات، ومع كثرة ما طبع من هذه المخطوطات إلا أن أعدادا كبيرة في محطة الانتظار، تنتظر من ينفض عنها غبار الزمان والمكان، وهذا الحمل يقع على عاتق شباب هذه الأمة، وخاصة الدارسين المتخصصين، ليقوموا بهذا الدور العظيم.
ومن هذا المنطلق اخترت أن يكون بحث تخرجي من هذا المعهد - معهد العلوم الشرعية - تحقيق مخطوط من تراثنا العلمي المجيد، وقد وقع اختياري لمخطوط يتناول جانب النحو في اللغة العربية، لعالم بارز من علماء القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، هو العلامة: ناصر بن أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي - رحمهما الله تعالى -.
وهذا الكتاب عبارة عن شرح لمنظومة رجزها المؤلف - رحمه الله - على كتاب «العوامل المائة» لمؤلفه الشيخ العلامة عبد القاهر الجرجاني، فكان شرحا لطيفا يسيرا سهل العبارة، قصير الجملة ، بسيط التركيب، وضع خصيصا للمبتدئ الضعيف، فكان كما أراد .
Sayfa 2
وكأي باحث يبحث، ومحقق يحقق، واجهتني بعض الصعوبات أثناء قيامي بهذا البحث، على رأسها: عدم الخبرة في التعامل مع المخطوطات ، مع قلة الزاد في المجال التاريخي، وضعف محصلتي النحوية، فاستغرقت وقتا طويلا في المقارنة بين نسخ المخطوطة، وأرهقني بحث المسائل النحوية من مظانها، وكذلك بالنسبة لترجمة الشيخ ناصر، والشيخ عبد القاهر، فهما لم يترجم لهما إلا النزر اليسير.
ومما واجهني أيضا صعوبة التوفيق بين متابعة دروسي في المواد التي ندرسها، مع الاستمرار في البحث، والذي استغرق جل وقتي، فجعلني في حرج شديد، لم يخففه إلا لطف الله تعالى.
ومن ناحية أخرى، هناك المكتبة التي نعتمد عليها في بحوثنا لم تكن مشرعة الأبواب في كل الأوقات، لنرتادها وقتما نشاء، فقد كانت تغلق إلا في ساعات محدودة مما ساهم في تضييق الأوقات، وتزاحم الأعمال.
والجانب الأخير في هذه الصعوبات ، هو طباعة البحث ، فإن ذلك قد سرق منا أوقاتا كثيرة، نرجو أن يصفح الله عنا إن آخذنا بها.
ولهذا أدعو من يطلع على خلل في هذا العمل المتواضع أن يسده ويسدده، وله منا جزيل الشكر.
هذا، وقد اشتمل بحثنا هذا مع هذه المقدمة على قسمين اثنين، هما:
أولا: التعريف بالمؤلف - رحمه الله - وبالمؤلف.
فعرفت بالمؤلف من جهة اسمه ونسبه، وولادته ونشأته، وحياته العلمية والعملية، وآثاره التي تركها ، وأخيرا وفاته.
وعرفت بالمؤلف، بتبيين عنوان المخطوط، وتحقيق نسبته إلى صاحبه، وتبيين موضوع الكتاب ومحتوياته، وسبب تأليفه، ومنهجه فيه، والمصادر التي اعتمد عليها، وتطرقنا إلى التعريف بنسخ المخطوط، و ذكر منهجنا في التحقيق.
ثانيا: تحقيق نص المؤلف - رحمه الله -.
ثم ختمت البحث بخاتمة قصيرة.
وذيلت بعدها البحث بقائمة للمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها.
وقائمة تشتمل فهرسة مفصلة للمواضيع المطروحة في هذا البحث.
Sayfa 3
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أتوجه بخالص شكري وتقديري إلى أستاذي وشيخي ومشرفي الفاضل ، الشيخ: طالب بن علي السعدي، الذي لم يأل جهدا في دعمي حسيا ومعنويا، وفي كل وقت وحين، حتى غدوت أتغنى بعلمه وخلقه ونصحه وإخلاصه بين الأقران والخلان، فهو بحق جمع بين صفات المعلم والمربي، وهذا الذي كان له كبير الأثر في نفسي وبحثي، فجزاه الله خير الجزاء.
كما أقدم شكري أيضا لكل من كانت له علي يد بيضاء في هذا البحث وإتمامه وإنجازه، وأدعو الله تعالى لهم بالأجر والثواب الجزيل.
وأسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبلها منا، وأن ييسر لطلبة العلم وأهله إخراج الكنوز الثمينة من أصدافها، حتى يستفيد منها باغي الخير، إنه على كل شيء قدير.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحمد بن نبهان الخروصي
6/ ربيع الأول/ 1424 للهجرة
8/5/2003 للميلاد .
الفصل الأول:
التعريف بالمؤلف والمؤلف:
أولا: التعريف بالمؤلف (¬1) :
*- اسمه ونسبه: هو الشيخ العلامة ناصر (¬2) بن العلامة أبي نبهان جاعد بن خميس ابن مبارك بن يحيى بن عبد الله بن ناصر بن محمد (¬3)
¬__________
(¬1) اعتمدت في هذه الترجمة على كتاب " تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان: نور الدين عبد الله بن حميد السالمي، الناشر مكتبة الإمام نور الدين السالمي." وما كان من غيرها فقد بينته .
(¬2) وكان يسمى أيضا «عبد الرحمن» وتذكره بعض الكتب بهذا الاسم.
(¬3) إلى هذا الموضع ذكره الشيخ جاعد في النسخة المخطوطة التي نسخها الشيخ بنفسه من كتاب التعليق على إشراف المنذر .
ذكر هذا الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي - حفظه الله - في بحث له غير منشور عن الشيخ جاعد بن خميس، عند تحقيقه لكتاب "مقاليد التنزيل" كبحث تخرج له في المعهد، ص15.
Sayfa 4
بن حيا بن زيد بن منصور بن خليل بن الإمام الخليل بن شادان بن الإمام الصلت بن مالك بن عبد الله بن مالك (¬1) الخروصي اليحمدي الأزدي القحطاني.
ولم يتكن الشيخ ناصر بكنية، فهو لم يولد له ولد ذكر ، وإنما خلف ابنتان عاشتا من بعده في زنجبار، ولم يتلقب أيضا بلقب يميزه، إلا أن الباحثين يطلقون عليه اسم: ابن أبي نبهان ، بالرغم من أنه ليس أكبر إخوانه، ولا وحيد أبيه، فقد كان له تسعة أخوة ؛ ولكن نبوغه وتمكنه في العلم ميزه عن بقية أخوته، فصار الذهن ينصرف إليه حين يقال: ابن أبي نبهان.
*- ولادته:
¬__________
(¬1) ذكر هذا النسب: محمد بن حمد بن محمد بن رزيق في «الصحيفة القحطانية» [مخطوط مصور]، ص192. هكذا قال الشيخ كهلان، وقد علق بالتالي:
«يبدو أن هناك سقطا في النسب بين الإمام الخليل بن شاذان و الإمام الصلت بن مالك، لأن شاذان الذي هو نجل الإمام الصلت شارك في الأحداث الأخيرة من إمامة الصلت، وكان ذلك في القرن الثالث، بينما الإمام الخليل كان في القرن الخامس الهجري». وقد قال الدكتور مبارك بن عبد الله الراشدي - في بحث ضمن كتاب «قراءات في فكر الخليلي»،وزارة التراث القومي والثقافة، ط1(1414ه- 1994م)، ص112.قدمه بالمنتدى الأدبي - زيادة على ذلك: « ... فبين هذا الإمام وشاذان بن الصلت حوالي 237 عاما على الأقل، ... لكن يمكن أن يقال أن الخليل الإمام هو حفيد الخليل بن شاذان، فيصبح: الإمام الخليل بن شاذان بن الخليل بن شاذان بن الإمام الصلت، وهذا على أقل تقدير».
ولكن وإن ثبت وجود هذه الفترة الطويلة بينهما، إلا أن في النفس شيء من تقدير وجود من اسمه الخليل بن شاذان ليكون رابطا في وسط النسب، لعدم وجود دليل - حتى الآن - يدل عليه بهذا التحديد، ولله علم كل شيء.
Sayfa 5
ولد شيخنا - رحمه الله - سنة 1192ه، في قرية والده «العلياء» من وادي بني خروص، وهي آخر قرى الوادي للقادم من جهة ولاية العوابي، وتقع أسفل الجبل الأخضر في الجهة المقابلة لولاية نزوى، ولذا فقد اكتسبت القرية شيئا من خضرة وخصوبة هذا الجبل الشامخ.
*- نشأته:
إن ولادة شيخنا في أسرة كريمة مباركة، مليئة بأهل العلم والورع والتقوى ، وكون والده عالم عصره، وفريد دهره، مرجع العلماء، ونبراس المهتدين، آية الله في الفهم والحفظ والذكاء ، وفي بلدة تلتف فيها الأشجار باهجة مخضرة، هواؤها عليل، وماؤها سلسبيل، كان فاتحة خير له، وبشرى طيبة بوجود المحضن المناسب لهذا المولود الجديد ، الذي تناسقت هذه العوامل مع استعداده الفطري والذهني والعقلي، لينشأ على الخصال الكريمة، وحب العلم والرغبة في التعلم؛ فلازم والده وأخذ عنه العلم والعمل معا، فكان يلتهم العلم التهاما، ويسمو بنفسه إلى معالي الأمور يوما بعد يوم، حتى صار عالما نحريرا ، بل وخلف والده من بعده، فصار مقدما على أهل زمانه لما وصل إليه من العلم والفضل.
*- حياته العلمية والعملية:
يمكن تقسيم حياة الشيخ ناصر إلى ثلاثة أقسام، أو إلى ثلاث فترات زمنية مختلفة:
الفترة الأولى:
فترة ملازمته لوالده، وتمتد من ولادته حتى وفاة أبيه عام 1237ه، أي مدة 46 سنة، حيث استقر معه في بلده «العلياء».
وفي هذه المرحلة استطاع الشيخ أن يكون نفسه من الناحية العلمية، ومن الناحية العملية أيضا، وأن يصل إلى ما وصل إليه من المقام الرفيع، والمنزلة العالية.
فالناحية العلمية: هي استفادته من أبيه الذي يعتبر شيخه الذي أخذ عنه العلم ، ولا أدل على ذلك تلك النقول الكثيرة من المسائل التي نقلها عن أبيه، والتي لم يصل بعضها إلينا إلا عن طريقه، وإن ملازمة التلميذ لشيخه لدرجة أنهما يسكنان في بيت واحد، ليوفر مناخا خصبا لنجابة هذا التلميذ، وكثرة الأخذ عنه.
Sayfa 6
ولا يعني هذا اعتماد شيخنا على نقل علم أبيه فقط؛ فقد كان طالبا قارئا مطالعا، يقلب الآثار وينعم النظر في الكتب، وإن المطلع على مؤلفاته - رحمه الله - لينبهر بذلكم الكم الهائل من الكتب التي يذكرها، ولم يقتصر على مؤلفات أصحابنا الإباضية فحسب، وإنما اطلع حتى على كتب المخالفين، ودليل ذلك أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا لتحقيقه، بناه على كتاب «العوامل المائة» للجرجاني ، وهو من غير الإباضية - كما أن لشيخنا تعليقات على كتاب «الجامع الصغير» للسيوطي ، وهي موجودة في مجلد ضخم، يربو على سبعمائة صفحة ، وهو يذكر في مؤلفاته الكثير من المصادر والمراجع التي تدل على أن الرجل ليس بالهين في المطالعة والقراءة، ولعل مما ساعده على ذلك تلك المكتبة الضخمة التي كان يمتلكها والده - رحمه الله - والتي أحرقت من بعد ، حيث قيل: إنها تضم من الكتب ما يزيد على ستة آلاف كتاب ، وهو لعمر الله عدد ليس باليسير، خاصة في ذلك الوقت الذي عاشوا فيه.
أما الناحية العملية:
فهي ممارسته العميقة للحياة نتيجة مداخلته مجتمعه، وخوضه غمار أحداث عصره، وخاصة الأحداث السياسية التي ضربت المجتمع في الصميم، فمزقته أشلاء مشتتة، تناثرت فيه القبائل، وعادت الأحوال إلى عصر الجاهلية، من جهة التناحر والصراع لأتفه الأسباب، حتى غدا الرجل لا يأمن على نفسه أو أهله أو ماله، فهو عرضة للبطش والسلب من قبل قبائل أخرى .
وفيما يخص أسرة الشيخ ناصر، فقد كانت ترزح تحت وطأة مضايقات أحد ولاة السيد سعيد بن سلطان (¬1)
¬__________
(¬1) السيد سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد، حكم عمان لفترة طويلة استمرت خمسين عاما وقيل أكثر.انظر: تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، مرجع سابق . 2/ 205. =
=وقد فصلت التحفة الأحداث الواقعة في حياة السيد سعيد بن سلطان، وما ذكرناه مجرد نبذة مبسطة بالقدر الذي يؤدي الغرض، فقد أعرضنا - مثلا - عن ذكر الوقائع التي حدثت بسبب دخول الدولة الوهابية السعودية إلى عمان، وما يتعلق بأسرة الشيخ ناصر في ذلك، ويعد كتاب التحفة المصدر الوحيد الذي ذكر هذه الأحداث، وما سواه من الكتب ناقلون عنه، وقد يضيفون عليها شيئا من التحليل، أو تسجيل بعض الملاحظات على هذه الأحداث ، لا غير .
Sayfa 7
الحاكم على عمان في تلك الفترة؛ فقد كان واليه على الرستاق، وهو طالب بن الإمام أحمد بن سعيد ، شديد القسوة على الشيخ جاعد وأسرته، فحدثت بهذا أحداث جليلة، كان وقعها صعبا على هؤلاء الضعفاء سلطة .
فمن أبرز ما وقع سقوط أكبر أبناء الشيخ جاعد - وهو نبهان - قتيلا على يد أعدائه المتربصين به، ونحوها من الوقائع التي تجد تفصيلها في التحفة.
فهذه الأحداث التي عاشها الشيخ ناصر، زودته بخبرة حياتية ليست بالبسيطة، مكنته فيما بعد من التصرف المناسب في مثل هذه الظروف، وهذا ما سنراه في الفترة الثانية من حياته .
الفترة الثانية:
وهي الفترة التي كثر فيها تنقل وتردد الشيخ في بعض المناطق ؛ فالشيخ ناصر بعد وفاة أبيه عام 1237ه، زادت عليه المضايقات هو وأخوته ، فآل به الأمر أن يترك العش الذي درج فيه ليرحل بعيدا عن مسقط رأسه، فرحل إلى نزوى مهاجرا بنفسه فحسب، فبقي بها فترة تزيد على السنة ، ولم تكن الحالة هناك بالمريحة ، إلا أنها لعلها كانت أخف من الناحية السياسية؛ وقد ارتاح فيها إلى أحد العلماء الموجودين فيها ، وهو الشيخ علي بن سليمان العزري، حيث قال فيه الشيخ ناصر : "وأما أفضل من فيها - يقصد نزوى - فالشيخ العالم الورع الثقة السميدع الضرير علي بن سليمان العزري..." (¬1) .
وبالنسبة للحالة الاقتصادية: فقد قضمه فك الفقر في هذه الفترة، حتى بلغ به الحد أنه استمر لمدة سنة يأكل الخبر بالماء والليمون والملح والقاشع (نوع من السمك يكون مجففا رخيص الثمن) ولا شيء عنده غيره، وقد قال بنفسه في ذلك:
... معيشتنا خبز لغالب ... قوتنا ... وماء وليمون وملح ... وقاشع
... فإن حصلت مع صحة الجسم ... والتقى فيا حبذا هذا بما هو ... قانع (¬2)
وهي لعمرو الله نبرة المؤمن الراضي بقضاء الله وقدره، المتوكل على ربه حق توكله.
¬__________
(¬1) تحفة الأعيان، مرجع سابق، 2/220.
(¬2) تحفة الأعيان، مرجع سابق، 2/ 229.
Sayfa 8
وبعد ما تسامع الناس بالحال الذي وصل إليه الشيخ ، عاتب المقربون من السيد سعيد بن سلطان سيدهم على التقصير في حق عالم كهذا، فندم وتأسف، فدعاه إليه وقربه، وهنا ينتقل الشيخ إلى المرحلة الثالثة.
الفترة الثالثة:
وهي الفترة التي قضاها شيخنا - رحمه الله - بجوار السيد سعيد بن سلطان، واستمرت حتى آخر لحظات حياته سنة 1263ه، فعندما دعا السيد سعيد الشيخ ناصر للوصول إليه بمسقط، حياه وكرمه وعظمه وكساه، وجعل له فريضة معلومة، وبيوتا مستورة، وتزوج له، واصطحبه معه في حضره وسفره، فكان كالمستشار له، ولكون السيد سعيد كان كثير التنقل بين عمان وساحل إفريقيا، كان الشيخ ناصر يتنقل معه، وقد مكثا معا في زنجبار لفترة كانت آخر حياة الشيخ ناصر، ولم تكن فترة قصيرة، ثم توفي بها وهو في حجر السيد وجواره سنة 1263ه (¬1) .
فهذه هي المراحل التي عاشها الشيخ ناصر باختصار شديد، وموجز سريع، وننتقل الآن إلى ذكر أبرز ما تركه الشيخ من آثار علمية في خدمته للعلم والعلماء ، وللإسلام والمسلمين.
*- آثاره العلمية:
بالرغم مما تعرض له شيخنا من محن وإحن في حياته، وما شغله من مدلهمات الحياة، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يجود بعلمه، فكان أن تتلمذ على يديه أحد أبرز الرجال في عصره من بعده ، ألا وهو العلامة المحقق سعيد بن خلفان الخليلي -رحمه الله- (1231-1321ه) (¬2) ، فقد تتلمذ على يديه بعد أن درس على يد بعض أهل العلم، وبعدها انتقل إلى الشيخ ناصر، فكان تلميذا نبيها مجتهدا، سرعان ما ارتقى سلم العلم حتى أصبح عالما نحريرا محققا خبيرا.
¬__________
(¬1) نفس المرجع والصفحة.
(¬2) بحث ضمن كتاب «قراءات في فكر الخليلي»، د/ مبارك بن عبد الله الراشدي، وزارة التراث القومي والثقافة، ط1/ 1414ه- 1994م، ص112.
Sayfa 9
وقد بلغت الصحبة بينهما مبلغا عظيما، حتى يحكى أن الشيخ ناصر كان يأتي هو إلى «بوشر» - وهي بلدة تلميذه - مع الشيخ سعيد، فيقضي رمضان عنده في كل عام، لأن الشيخ سعيد كان ذا وفرة من المال الذي آل إليه بالإرث من آبائه، فكان الشيخ يأكل التمر والماء فقط؛ ثم يأبى بعد ذلك أكل العشاء حتى السحر، تعففا منه، ولئلا يثقل على تلميذه ولا يشبع بطنه (¬1) .
ولا تسعفنا المصادر بذكر تلاميذ آخرين تتلمذوا على يد هذا الشيخ.
وبالنسبة إلى مؤلفات هذا العالم الجليل، فهي متنوعة وعديدة، أهمها:
موسوعته العلمية التي سماها: «الحق المبين والحق اليقين» في ستة أسفار :
الأول: سفر التوحيد لله المجيد .
والثاني: سفر الكشف المبين في افتراق الصحابة والتابعين.
والثالث: سفر تنوير العقول في قواعد علم الأصول.
والرابع: الأنوار الجلية أو العلية في الأحكام الشرعية.
والخامس: لطائف المنة في أحكام السنة.
والسادس: الإرشاد في القياس والاجتهاد (¬2) .
*- وفاته:
¬__________
(¬1) مقابلة مع الشيخ سالم بن حمد الحارثي ، أجراها الدكتور مبارك الراشدي، وذكرها في بحثه، ص117.
(¬2) تحقيق مقاليد التنزيل ، مرجع سابق . ص24. وقال في الهامش أن الشيخ ناصر ذكر ذلك كله في مقدمة السفر الخامس من كتابه «الإرشاد في القياس والاجتهاد».
Sayfa 10
توفي شيخنا - رحمه الله - في زنجبار - كما ذكرنا سابقا - يوم 21 من جمادى الأولى 1263ه، عن عمر يناهز 71 عاما (¬1) .
ترجمة الشيخ: عبد القاهر الجرجاني (¬2) :-
ونضيف هنا ترجمة للإمام عبد القاهر الجرجاني، صاحب كتاب: «العوامل المائة» الذي نظمه المؤلف - رحمه الله -، ثم شرحه في هذا الكتاب، وبالله التوفيق:
هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني، فارسي الأصل، جرجاني الدار، وجرجان بين طبرستان وخراسان، شافعي المذهب، متكلم، على طريقة الأشعري، كان متدينا ورعا قانعا ساكنا.
يحكى أنه دخل عليه لص وهو في الصلاة، فأخذ جميع ما وجد، والجرجاني ينظر إليه، ولم يقطع صلاته.
هو واضع أصول البلاغة، وهو من أئمة اللغة، وله فضيلة تامة في النحو، فقد أخذ النحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسي، ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي ، حتى صار مقصودا من جميع الجهات.
¬__________
(¬1) انظر: التحفة، مرجع سابق،، 2/ 229. وهنا أنوه ثانية بأن ما ذكرته هنا مختصر جدا فيما يتعلق بجوانب حياة هذا الشيخ، وأن المجال خصب أمام الدارسين والباحثين لدراسة هذه الشخصية العظيمة، وهناك باحث يبحث الآن - عند إعداد هذا البحث - هذه الشخصية، وهو الشيخ سلطان بن مبارك= =الشيباني - حفظه الله -، وهو باحث معروف متمكن في هذا المجال، وله دراسات وبحوث عديدة، وأرجو أن تتيسر له الأمور وينفعنا بما يتوصل إليه في دراسته.
(¬2) أخذت هذه الترجمة ومزجتها من عدة كتب ذكرتها في آخر الترجمة .
Sayfa 11
وأخذ عنه علي بن أبي زيد الفصيحي، وصنف كتبا كثيرة، من أشهرها: كتاب «العمدة» في التصريف، وكتاب «المفتاح» و«شرح الفاتحة» (¬1) في مجلد، وكتاب «المغني في شرح الإيضاح» (¬2) في نحو ثلاثين مجلدا، و«المقصد في شرح الإيضاح» في ثلاثة مجلدات، وكتاب «إعجاز القرآن» الكبير، وكتاب «إعجاز القرآن» الصغير، و«أسرار البلاغة» و«دلائل الإعجاز» و«التتمة» في النحو، وكتاب «العوامل المائة» (¬3) ، ثم اختصره في كتاب «الجمل» ، ثم شرحه في كتاب «التلخيص» ، وكتاب «العوامل المائة» شرحه نفر من النحاة، واختصر غيرهم هذه الشروح، وكلهم عيالون عليه (¬4) .
وللجرجاني شعر رقيق، وله أشعار كثيرة في ذم الزمان وأهله، منها:
أي وقت هذا الذي نحن ... فيه ... قد دجا بالقياس ... والتشبيه
كلما سارت العقول لكي ... تق ... طع تيها توغلت في ... تيه ...
ومن شعره:
كبر على العلم يا ... خليلي ... ومل إلى الجهل ميل ... هائم
وعش حمارا تعش ... سعيدا ... فالسعد في طالع ... البهائم
ولعبد القاهر شعر مدح به نظام الملك الحسن بن إسحاق:
لو جاود الغيث ... غدا ... بالجود منه ... أجدرا
أو قيس عرف ... عرفه ... بالمسك كان ... أعطرا
ذو شيم لو ... أنها ... في الماء ما ... تغيرا
¬__________
(¬1) ذكر بعضهم أن اسم الكتاب هو «سر الفاتحة».
(¬2) كتاب «الإيضاح» في النحو لأبي علي الفارسي، وقد اعتنى به جمع من النحاة، وصنفوا له شروحا، وعلقوا عليه.
(¬3) ذكر بعضهم أنه طبع في ليدن سنة 1617م، وكلكته سنة 1803م، وبولاق سنة 1247ه.
وذكروا كذلك أن منه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية، برقم 31 لغة، وأخرى برقم 78لغة.
وقد علمت من أحد المدرسين المصريين في السلطنة أن طالبا مصريا في الدراسات العليا حقق هذه المخطوطة.
(¬4) كنت أود أن أزيد في التعريف بكتاب «العوامل المائة» ، إلا أنني لم أستطع العثور على غير ما ذكرت .
Sayfa 12
وهمة لو ... أنها ... للنجم ما ... تغورا
لو مس عودا ... يابسا ... أورق ثم ... أثمرا
ولم يزل مقيما بجرجان يفيد الراحلين إليه والوافدين عليه، إلى أن توفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وقيل: سنة أربع وسبعين وأربعمائة (¬1) .
ثانيا:
التعريف بالمؤلف:
أ عنوان المخطوط:
أشار المؤلف - رحمه الله - في مقدمة المخطوط إلى اسم الكتاب الذي بين أيدينا، مصرحا باسمه وعنوانه، حيث قال: «وسميته كتاب التهذيب بالنحو القريب».
هذا، وقد وجد هذا العنوان في مقدمة الكتاب في كلا النسختين اللتين تم الرجوع إليهما في التحقيق.
ب توثيق المخطوط ونسبته إلى صاحبه:
¬__________
(¬1) جمعت هذه الترجمة من عدة كتب (بتصرف)، هي:
? ... نظرية الحروف العاملة مبناها، وطبيعة استعمالها القرآني بلاغيا . هادي عطية مطر الهلالي . عالم الكتب - بيروت، ط ( 1406 ه- 1986م )، ص18.
? ... طبقات الشافعية، عبد الرحيم الأسنوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1 ( 1407ه- 1987م ) ، 2/ 275- 266.
? ... الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين - بيروت، ط 7 ( 1986م ) ، 4/ 48- 49.
? ... إنباء الرواة على أنباء النحاة، لجمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي - القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية- بيروت، ط1 ( 1406ه- 1986م ) . 2/ 188- 190.
? ... شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري، تحقيق: محمد الأرناؤوط، دار ابن كثير- دمشق، وبيروت، ط1 ( 1410ه- 1989م ) ، 5 / 308- 309.
? ... طبقات المفسرين ، محمد بن علي بن أحمد الداودي . دار الكتب العلمية - بيروت . 1/ 336- 237.
? ... بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي . دار الفكر، ط2 ( 1399ه- 1979م ) . 2/ 106.
Sayfa 13
في الحقيقة، من خلال اطلاعي على التراجم القليلة التي ترجمت للمؤلف - رحمه الله -، ومن خلال تقليبي السريع لبعض مؤلفات الشيخ، لم أجد إشارة إلى هذا الكتاب،ولا أي ذكر له؛ إلا أنه في هذا الكتاب ما يؤكد نسبته للمؤلف- رحمه الله -، وهي كالتالي:
1- ما جاء في مقدمة النسخة التي اعتمدناها أصلا في التحقيق في الصفحة الأولى للمخطوط: «أما بعد: فقد قال الشيخ الفقيه العلامة النزيه تاج العرفان ناصر بن أبي نبهان... هذا كتاب وجيز... وسميته كتاب التهذيب بالنحو القريب» (¬1) .
2- قول المؤلف: «أخبرني والدي - رحمه الله -...» يدعم نسبة الكتاب إلى المؤلف؛ لأن هذا أسلوبه في التأليف، فهو ينقل كثيرا أقوال والده العلامة أبي نبهان.
3- ذكر سنة الانتهاء من تأليف الكتاب في آخر المخطوطة الأصل يدل على أنه تم تأليف الكتاب في حياة الشيخ ناصر، ولا يعارض نسبة الكتاب إليه، حيث ورد في آخر المخطوط الأصل: « ... وكان تمامه ليلة الأحد وسبعة وعشرون خلت من شهر صفر، سنة 1255 من الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل السلام» (¬2) .
4- عدم ورود ما يشكك في نسبة الكتاب، يؤكد نسبته للمؤلف - رحمه الله -.
وكل هذا يوثق المخطوط ويؤكد وجوده ونسبته للمؤلف - رحمه الله -.
ج- موضوع الكتاب:
هذا الكتاب الذي بين أيدينا يتناول شرحا لمنظومة نحوية ألفها المؤلف تتحدث عن العوامل النحوية.
والعامل هو ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب (¬3) .
¬__________
(¬1) التهذيب بالنحو القريب ، ( مخطوط ) ، ص 1 .
(¬2) التهذيب بالنحو القريب ، ( مخطوط ) ، ص 71 .
(¬3) كتاب التعريفات ، علي بن محمد بن علي الجرجاني . تحقيق : إبراهيم الأبياري . دار الكتاب العربي -بيروت. ط 4 (1418 ه - 1998 م ) . ص 189 .
Sayfa 14
ولم يتطرق المؤلف في كتابه هذا إلى تعريف العامل النحوي، ولا إلى الخلاف في وجوده أصلا، وإنما بدأ بذكر تعريف للكلام وأقسامه وعلامة كل قسم، ثم انتقل إلى تقسيم العامل، وشرح ما يتعلق بها.
وهنا نحب الإفادة حول قضية نظرية العامل النحوي باختصار شديد:
العامل: هو ما يؤثر في اللفظ تأثيرا ينشأ عنه علامة إعرابية ترمز إلى معنى خاص كالفاعلية، أو المفعولية، أو غيرهما، ولا فرق أن تكون تلك العلامة ظاهرة أو مقدرة (¬1) .
وقد اختلف النحاة في المؤثر الذي يؤثر على أواخر الكلمات فيغيرها من حال إلى حال، أو بعبارة أخرى فيغير حركة آخرها.
فمنهم من أرجع ذلك إلى وجود عوامل تعمل هذا التغيير، وقسموا هذه العوامل إلى عوامل لفظية، وعوامل معنوية، وهذا قول جمهور العلماء وجهابذة النحو.
ومنهم من رفض هذه الفكرة، ونسب هذا التغيير في الحركات إلى المتكلم نفسه، لا لشيء غيره، وهذا قول بعض علماء النحو، وتابعهم فيه بعض المتأخرين.
وقد احتدم النقاش بين الفريقين واستعرض كل واحد منهم أدلته، وأجاب على اعتراض الفريق الآخر، ورد على أدلته حتى أطلق على هذه المسألة "نظرية العامل".
وإن المطلع على هذه النقاشات، وما كتب حول هذه المسألة يتبين له جليا قوة القول بثبوت العامل النحوي، ويرى تهافت القول برفض العامل وعدم قيامه على سند ثابت، وقد تحدث عن هذه القضية الكثير من المؤلفين في هذا الفن، وأذكر لك - أخي القارئ - أبرز ما كتب في هذه القضية إن أردت الاطلاع عليها بتمعن وتمحيص، وهما كتابان قيمان في طرحهما، والتوسع في الاستعانة بالمصادر والمراجع المختصة، وهما:
¬__________
(¬1) النحو الوافي ، عباس حسن . 1 / 73 . وفيه كلام رائق حول هذه القضية .
Sayfa 15
1- كتاب: نظرية الحروف العاملة مبناها وطبيعة استعمالها القرآني بلاغيا، لهادي عطية مطر الهلالي (¬1) .
2- كتاب: العامل النحوي بين مؤيديه ومعارضيه، ودوره في التحليل اللغوي، لخليل أحمد عمايرة.
والسبب في عدم طرق المؤلف - رحمه الله - هذه القضية مراعاته التبسيط والاختصار في التأليف؛ فإنه قد سلك مسلك التبسيط في كتابه هذا، كما سنبين ذلك قريبا - إن شاء الله - ، والحديث حول هذه القضية بكل جزئياتها حديث يطول ، لم يقصده المؤلف في كتابه ، ولذلك أعرض عن ذكره.
د- محتويات الكتاب:
يحتوي هذا الكتاب كما قسمه المؤلف - رحمه الله - على مقدمة، وثمانية أبواب ، وخاتمة.
فالمقدمة: احتوت ذكر اسم المؤلف ، وعنوان الكتاب، وسبب تأليفه ، ومنهجه في التأليف.
والباب الأول: في الكلام وقسمته ، حيث تحدث عن معنى الكلام، وذكر أقسامه، ثم تحدث عن كل قسم وعلاماته، وتحدث عن علامات الإعراب.
والباب الثاني: في إعراب الفعل المضارع: ذكر فيه بداية تقسيم العوامل المائة باختصار، ثم تكلم عن علامة الفعل المضارع، ثم تحدث عن حالة رفعه.
ومن بعد هذا دخل في الحديث عن العوامل المائة حسب ما قسمها من قبل.
فبدأ بتقسيم العوامل المعنوية، وهما عاملان فقط؛ فذكرهما باختصار، وأخر شرحهما.
ثم انتقل للقسم الثاني وهو قسم العوامل السماعية؛ وبدأ بذكر عوامل نصب الفعل المضارع، ثم عوامل جزمه؛ ثم ذكر الأفعال الخمسة؛ وختم الباب بالحديث عن الجزم والسكون والفرق بينهما، وما يختصان به.
والباب الثالث: فيما يرفع الاسم والخبر: تحدث فيه عن النكرة والمعرفة وأقسامهما، ثم تحدث عن حالات رفع الأسماء مبتدأ كانت أم خبرا.
والباب الرابع: فيما يجر به الاسم: تحدث فيه عن خوافض الأسماء، وأفاض الحديث في الإضافة.
¬__________
(¬1) نشر: عالم الكتب - بيروت ، ط ( 1406 ه - 1986 م ) .
Sayfa 16
والباب الخامس: في عوامل نصب الأسماء: تحدث فيه عن إن وأخواتها، وكان وأخواتها، ونعم وبئس وساء وحبذا، ومال وأخواتها، وظن وأخواتها، وتحدث عن أسلوب الإغراء وأدواته، وعن الاستثناء وأدواته، وعن النداء وحروفه، وعن واو المعية ، وعن أسلوبي الاستفهام والتعجب، وعن التمييز- وقد أطال فيه - ، وعن الحال والظروف، وبهذا يكون قد ختم الحديث عن العوامل السماعية.
والباب السادس: في العوامل القياسية: تحدث فيه عن المفعول به والفاعل، وعن أسلوب التحذير ، وعن المصدر، والصفة المشبهة، ثم تطرق لذكر محل التنوين، ثم لخص في النهاية أن العوامل القياسية سبعة، ثم ذكرها مرة أخرى.
وبهذا يكون قد انتهى من ذكر العوامل المائة، ومن الحديث عنها، فقام هنا بذكر تقسيمها وتعدادها واحدة واحدة من أولها إلى آخرها بصورة التلخيص لما ذكره سابقا.
والباب السابع: في فصول متفرقة: تطرق فيه لأمور تتعلق بالنحو والصرف، لا علاقة لها بقضية العوامل، فتحدث عن الأسماء الستة، وعن هاء الضمير، وكاف المخاطب، وعن جمع المؤنث السالم، وعن المثنى، وعن جمع المذكر السالم، وعن نون المثنى، ونون جمع المذكر السالم، ثم تحدث عن البناء والأسماء المبنية، والأفعال المبنية باختصار شديد، وتحدث عن الاسم المقصور والمنقوص، ثم انتقل للحديث عن التوابع وأقسامها، وبعدها تحدث عن الممنوع من الصرف، ثم عن التصغير، ثم عن جمع التكسير، وختم الباب بذكر سبب إدخال هذا الباب في كتابه، وبين عمق واتساع علم النحو، وأن الكلام عن جميع أبوابه يشق على المرء ، خاصة وهو يقصد الاختصار في مؤلفه هذا.
والباب الثامن: عنونه ب«فصول نبه عليها الناظم بالاستعمال لبعض منها»، تحدث في هذا الباب عن إشارته في أبيات المنظومة لفصول نحوية تحدث في الشرح عن بعضها وأعرض عن بعض.
Sayfa 17
والخاتمة : دعا فيها إلى إكمال ما قصر في ذكره وإصلاح ما سها فيه عن صوابه، ثم حمد الله وأثنى عليه لإتمامه المنظومة وإنهاء الكتاب.
وبعدها ذكر تاريخ فراغه من تأليف الكتاب، وختم كتابه بالصلاة والسلام على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
ووضع المؤلف - رحمه الله - هذه العناوين في الكتاب - إلا المقدمة والخاتمة فلم يعنون لهما - ؛ أغنانا من التدخل في النص وإضافة مثل ذلك فيه . إلا أنه عمد إلى ترتيب هذه المواضيع - كما نلاحظ - ترتيبا غريبا فيه بعض الصعوبة إلى حد ما ، إذ كان يقسم طرح بعض المواضيع إلى أماكن مختلفة من الكتاب ، وقد أشار المؤلف - رحمه الله - بنفسه في مقدمة الكتاب إلى ذلك ، حيث قال :-
" ... وخالفت المعهود في استحسان الترتيب في الشرح بالتقديم والتأخير إلى منهج الأسهل له، فنذكر تلو النظم بيان العوامل، وما يحتاج إلي البيان زيادة على ذلك نورده بعد ذلك.وإن كان الأحسن في الترتيب غير ذلك ... " (¬1) .
ه- سبب تأليف كتاب: «التهذيب بالنحو القريب»:
تحدث الشيخ ناصر بن أبي نبهان - رحمهما الله تعالى - عن الدافع الذي دفعه إلى كتابة هذه المخطوطة، وحمله على نظم وصياغة هذا الإنشاء، عند قوله:
«... وسميته كتاب التهذيب بالنحو القريب، شرحت فيه الأرجوزة التهذيبية بالعوامل العربية ، الموضوعة لنظم نسخة مائة عامل للشيخ الجرجاني، وهو من أساطين الأئمة في هذا الفن، مشهور مع علماء النحو، بشرح موجز، سألني أن أرسمهما كذلك بعض من الأولاد من أهل القرابة في النسب، وهو في المكتب حين سمع من عارف عرفه بباب من النحو، فتاقت نفسه إلى معرفة الجلي منه دون الخفي...» (¬2) .
¬__________
(¬1) 1 التهذيب بالنحو القريب ، ( مخطوط ) ، ص 1 .
(¬2) التهذيب بالنحو القريب ، ( مخطوط ) ، ص 1 .
Sayfa 18
أي أن المؤلف - رحمه الله - ألف كتابه استجابة لسؤال أحد طلبة العلم له بأن يشرح له ما اطلع عليه من علم النحو، وغمض عليه فهمه، فكان أن قام الشيخ - رحمه الله - بنظم متن للإمام عبد القاهر الجرجاني بعنوان: «العوامل المائة»، يتناول عوامل النحو وتصنيفها، ثم شرح منظومته شرحا موجزا، فسمى المنظومة باسم «الأرجوزة التهذيبية بالعوامل العربية» وسمى الشرح باسم:«التهذيب بالنحو القريب».
و- منهج المؤلف في هذا الكتاب:
سعى المؤلف إلى جعل هذا الكتاب معينا للمبتدئين في علم النحو، فهو عند شرحه للأرجوزة، يبين أولا حركات الكلمات الواردة في البيت، وهو ما يسميه بإعراب الكلمات، ثم يعرف بالمصطلحات تعريفا مختصرا مع مراعاة سهولة الألفاظ والتراكيب، ولذلك لم يكن يعرف المصطلحات بالتعريفات المتناقلة في كتب النحو، وإنما يصوغها بأسلوبه، بقدر ما يقرب المعنى إلى فهم المبتدئ الضعيف.
ثم بعد ذلك يذكر المسائل الواردة في الأبيات، ويعنون لبداية كل مسألة بقوله «بيان» إلا أنه لا يتوسع في الشرح، ولا يفرط في ذكر الجزئيات الفرعية التي لها صلة بالموضوع، ولا يذكر خلاف النحاة في المسائل، وإنما يقتصر على المشهور، أو الراجح عنده، وقد تطرق لذكر الخلاف في مسألة أو مسألتين فقط.
ولهذا، يبدو هذا الكتاب لمن يقرؤه وهو مطلع على فن النحو ومتمكن فيه، أنه كتاب قليل الفائدة، ركيك الأسلوب؛ ولكن إذا علمنا أنه ألفه للطالب المبتدئ، وأنه راعى فيه جانبي السهولة والاختصار، وأنه لم يلتزم بمصطلحات النحاة في كل شيء لأجل تبسيط المعاني، نعلم حينها العذر للمؤلف، بل ونكبره على همته وقدرته على النزول إلى مستوى الصغار، مع منزلته الجليلة وعلمه الغزير.
ز- المصادر التي اعتمد عليها في التأليف:
Sayfa 19
كما ذكرنا سابقا في منهج المؤلف في التأليف، ما سعى إليه المؤلف من التبسيط والاختصار، والصورة التي ظهر بها كتابه يجعلنا نقول: إن المؤلف - قد يكون - ألف كتابه هذا من حافظته، اعتمادا على علمه بفن النحو من خلال قراءاته ومطالعاته القديمة، كما أنه لم يذكر في كتابه هذا مراجعا اعتمد عليها، إلا ما ذكره من مسائل قليلة نسبها إلى كتاب " الهادي " لابن أبي المعالي الخزرجي فقط.
وهذا لا يضر بالمؤلف ولا بالكتاب، فإن عالما بمنزلة الشيخ ناصر لقادر على ذلك.
وقد سعينا في التحقيق إلى توثيق المعلومات الواردة في الكتاب مع صياغتها صياغة عصرية اعتمادا على كتب النحو المتداولة، وهذا كاف للتدليل على سلامة المعلومات الواردة في الكتاب، وأنها لم تخرج عن إطار فن النحو، وما كان فيه غير ذلك - على قلته - فقد سعينا إلى إبرازه وتعديله، كما سيتبين ذلك في التحقيق.
ط- نسخ الكتاب:
عثرت بعد البحث والتنقيب على نسختين مخطوطتين فقط لهذا الكتاب،ولم
تكن بينهما النسخة التي خطها المؤلف بيده ، وبيانهما كالتالي:
1- النسخة الأولى:
محفوظة بمكتبة معالي السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، وهي في مجلد واحد صغير الحجم، تحت رقم: 960ت، وعدد صفحاتها 71ص، وعدد السطور في الصفحة الواحدة: 18 سطرا، ومتوسط عدد الكلمات في السطر الواحد: 11 كلمة، وقد كتبت بخط جميل واضح، وناسخها واحد لا أكثر، ولم يكتب اسمه، ولا سنة النسخ، وقد تدخل هذا الناسخ بإضافة بعض المعلومات، وقد بين ذلك بنفسه في موضع واحد فقط، حيث قال: «زيادة للناسخ، قال»، وقد كانت زيادة على نفس أسلوب المؤلف في التأليف، مما يجعلني أظن أنه زاد أو تصرف في النص في غير موضع، خاصة في بعض المواضع التي جانبت الصواب، وهي معلومة لمن كان له أدنى اطلاع على فن النحو، إلا أن يكون ذلك من سهو المؤلف.
Sayfa 20