297

Tahafut Tahafut

تهافت التهافت

Türler

[36] ثم قال فينبغى ان نحقق مذهبهم لتفهمه أولا ثم نشتغل بالاعتراض فان الاعتراض على المذهب قبل تمام التفهم رمى فى غاية البعد والعمدة فى فهم مذهبهم انهم يقولون ذات المبدأ واحد وانما تكثر الاسامى باضافة شىء اليه أو اضافته الى شىء أو سلب شىء عنه والسلب لا يوجب كثرة فى ذات المسلوب عنه ولا الاضافة توجب كثرة فلا ينكرون اذن كثرة السلوب وكثرة الاضافات ولكن الشأن فى رد هذه الامور كلها الى السلب والاضافة فقالوا اذا قيل له اول فهو اضافة الى الموجودات بعده . واذا قيل مبدأ فهو اشارة الى ان وجود غيره منه وهو سبب له فهو اضافة الى معلولاته . واذا قيل موجود فمعناه معلوم . واذا قيل جوهر فمعناه الوجود مسلوبا عنه الحلول فى موضوع وهذا سلب . واذا قيل قديم فمعناه سلب العدم عنه أولا واذا قيل باق فمعناه سلب العدم عنه آخرا ويرجع حاصل القديم والباقى الى وجود ليس مسبوقا بعدم ولا ملحوقا بعدم . واذا قيل واجب الوجود فمعناه انه موجود لا علة له وهو علة لغيره فيكون جمعا بين السلب والاضافة اذ نفى علة له سلب وجعله علة لغيره اضافة . واذا قيل عقل فمعناه انه موجود برىء عن المادة وكل موجود هذا صفته فهو عقل أى يعقل ذاته ويشعر به ويعقل غيره وذات الله هذا صفته أى هو برىء عن المادة فاذن هو عقل وهما عبارتان عن معنى واحد . واذا قيل عاقل فمعناه ان ذاته الذى هو عقل فله معقول هو ذاته فانه يشعر بنفسه ويعقل نفسه فذاته معقول وذاته عاقل والكل واحد اذ هو معقول من حيث انه ماهية مجردة عن المادة غير مستورة عن ذاته الذى هو عقل بمعنى انه ماهية مجردة عن المادة لا يكون شىء مستورا عنه ولما عقل نفسه كان عاقلا ولما كان نفسه معقولا لنفسه كان معقولا ولما كان عقله لذاته لا بزائد على ذاته كان عقلا ولا يبعد ان يتحد العاقل والمعقول فان العاقل اذا عقل كونه عاقلا عقله لكونه عاقلا فيكون العاقل والمعقول واحدا بوجه ما وان كان عقلنا فى ذلك يفارق عقل الاول فان ما للاول بالفعل أبدا وما لنا يكون بالقوة تارة وبالفعل أخرى . واذا قيل خالق وفاعل وبارئ وسائر صفات الفعل فمعناه ان وجوده وجود شريف يفىض عنه وجود الكل فيضانا لازما وان وجود غيره حاصل منه وتابع لوجوده كما يتبع النور الشمس والاسخان النار . ولا تشبه نسبة العالم اليه نسبة النور الى الشمس الا فى كونه معلولا فقط والا فليس هو كذلك فان الشمس لا تشعر بفىضان النور عنها ولا النار بفىضان الاسخان فهو طبع محض بل الاول عالم بذاته وان ذاته مبدأ لوجود غيره ففيضان ما يفيض عنه معلوم له فليس به غفلة عما يصدر منه . ولا هو ايضا كالواحد منا اذا وقف بين مريض وبين الشمس فاندفع حر الشمس عن المريض بسببه لا باختياره ولكنه عالم به وهو غير كاره أيضا له فان المظل الفاعل للظل شخصه وجسمه والعالم الراضى بوقوع الظل نفسه لا جسمه وفى حق الاول ليس كذلك فان الفاعل منه هو العالم وهو الراضى أى انه غير كاره وانه عالم بان كماله فى ان يفيض منه غيره . بل لو أمكن ان يفرض كون الجسم المظل بعينه هو العالم بعينه بوقوع الظل وهو الراضى لم يكن ايضا مساويا للاول فان الاول هو العالم وهو الفاعل وعلمه هو مبدأ فعله فان علمه بنفسه فى كونه مبدأ للكل علة فيضان الكل فان النظام الموجود تبع للنظام المعقول بمعنى انه واقع به فكونه فاعلا للكل غير زائد على كونه عالما بالكل اذ علمه بالكل علة فيضان الكل عنه وكونه عالما بالكل لا يزيد على علمه بذاته فانه لا يعلم ذاته ما لم يعلم انه مبدأ للكل فيكون المعلوم بالقصد الاول ذاته ويكون الكل معلوما عنده بالقصد الثانى فهذا معنى كونه فاعلا . واذا قيل قادر لم يعن به الا كونه فاعلا على الوجه الذى قررناه وهو ان وجوده وجود يفيض عنه المقدورات التى بفيضانها ينتظم الترتيب فى الكل على أبلغ وجوه الامكان فى الكمال والحسن . واذا قيل مريد لم يعن به الا ان ما يفىض عنه ليس هو غافلا عنه وليس كارها له بل هو عالم بان كماله فى فيضان الكل عنه فيجوز بهذا المعنى ان يقال هو راض وجاز ان يقال للراضى انه مريد فلا تكون الارادة الا عين القدرة ولا القدرة الا عين العلم ولا العلم الا عين الذات فالكل اذن يرجع الى عين الذات . وهذا لان علمه بالاشياء ليس مأخوذا من الاشياء والا لكان مستفيدا وصفا وكمالا من غيره وهو محال فى واجب الوجود ولكن علمنا على قسمين علم شىء حصل من صورة ذلك الشىء كعلمنا بصورة السماء والارض وعلم اخترعناه كشىء لم نشاهد صورته ولكن صورناه فى أنفسنا ثم أحدثناه فيكون وجود الصورة مستفادا من العلم لا العلم من الوجود وعلم الاول بحسب القسم الثانى فان تمثل النظام فى ذاته سبب لفىضان النظام عن ذاته . نعم لو كان مجرد حضور صورة نقش او كتابة خط فى نفوسنا كافيا فى حدوث تلك الصورة لكان العلم بعينه منا هو القدرة بعينها والارادة بعينها ولكنا لقصورنا فليس يكفى تصورنا لايجاد الصورة بل نحتاج مع ذلك الى ارادة متجددة تنبعث من قوة شوقية ليتحرك منهما القوة المحركة للعضل والاعصاب فى الاعضاء الآلية فيتحرك بحركة العضل والاعصاب اليد او غيره ويتحرك بحركته القلم او آلة أخرى خارجة وتتحرك المادة بحركة القلم كالمداد او غيره ثم تحصل الصورة المتصورة فى نفوسنا فلذلك لم يكن نفس وجود هذه الصورة فى نفوسنا قدرة ولا ارادة بل كانت القدرة فينا عند المبدأ المحرك للعضل وهذه الصورة محركة لذلك المحرك الذى هو مبدأ القدرة وليس كذلك فى واجب الوجود فانه ليس مركبا من اجسام تنبث القوى فى اطرافه فكانت القدرة والارادة والعلم والذات منه واحدا . واذا قيل حى لم يرد به الا انه عالم علما يفيض عنه الموجود الذى يسمى فعلا له فان الحى هو الفعال الدراك فيكون المراد به ذاته مع اضافة الى الافعال على الوجه الذى ذكرناه لا كحياتنا فانها لا تتم الا بقوتين مختلفتين ينبعث عنهما الادراك والفعل فحياته عين ذاته ايضا. واذا قيل له جواد اريد به انه يفيض عنه الكل لا لغرض يرجع اليه والجود يتم بشيئين احدهما ان يكون للمنعم عليه فائدة فيما وهب منه فلعل من يهب شيئا ممن هو مستغن عنه لا يوصف بالجود والثانى ان لا يحتاج الجواد الى الجود فيكون اقدامه على الجود لحاجة نفسه وكل من يجود ليمدح أو يثنى عليه او يتخلص من مذمة فهو مستعيض وليس بجواد وانما الجود الحقيقى لله تعالى فانه ليس يبغى به خلاصا عن ذم ولا كمالا مستفادا بمدح فيكون الجواد اسما منبئا عن وجوده مع اضافة الى الفعل وسلب للغرض فلا يؤدى الى الكثرة فى ذاته . واذا قيل خير محض فاما ان يراد وجوده بريئا عن النقص وامكان العدم فان الشر لا ذات له بل يرجع الى عدم جوهر او عدم صلاح الجوهر والا فالوجود من حيث انه وجود خير فترجع هذه الاسماء الى السلب لامكان النقص والشر وقد يقال خير لما هو سبب لنظام الاشياء والاول مبدأ النظام كل شىء فهو خير ويكون الاسم دالا على الوجود مع نوع اضافة . واذا قيل واجب الوجود فمعناه هذا الوجود مع سلب علة لوجوده واحالة علة لعدمه أولا وآخرا . واذا قيل عاشق ومعشوق ولذيذ وملتذ فمعناه هو ان كل جمال وبهاء وكمال فهو محبوب ومعشوق لذى الكمال ولا معنى للذة الا ادراك الكمال الملائم ومن عرف كمال نفسه فى احاطته بالمعلومات لو احاط بها وفى جمال صورته وكمال قدرته وقوة اعضائه وبالجملة ادراكه لحضور كل كمال هو ممكن له لو امكن ان يتصور ذلك فى انسان واحد لكان محبا لكماله وملتذا به وانما تنتقض لذته بتقدير العدم والنقصان فان السرور لا يتم بما يزول أو يخشى زواله والاول له البهاء الاكمل والجمال الاتم اذ كل كمال هو ممكن له فهو حاضر له وهو مدرك لذلك الكمال مع الامن من امكان النقصان والزوال والكمال الحاصل له فوق كل كمال فاحبابه وعشقه لذلك الكمال فوق كل احباب والتذاذه به فوق كل التذاذ بل لا نسبة للذاتنا اليها البتة بل هى أجل من ان يعبر عنها باللذة والسرور والطيبة . الا ان تلك المعانى ليس لها عبارات عندنا فلا بد من الابعاد فى الاستعارة كما نستعير له لفظ المريد والمختار والفاعل منا مع القطع يبعد ارادته عن ارادتنا وبعد قدرته وعلمه عن قدرتنا وعلمنا ولا بعد فى ان يستبشع عبارة اللذة فىستعمل غيره . والمقصود ان حالته أشرف من أحوال الملائمة وأحرى بان يكون مغبوطا وحالة الملائكة أشرف من احوالنا ولو لم تكن لذة الا فى شهوة البطن والفرج لكان حال الحمار والخنزير أشرف من حال الملائكة وليس لها لذة أى للمبادى من الملائكة المجردة عن المادة الا فى السرور بالشعور بما خص بها من الكمال والجمال الذى لا يخشى زواله ولكن الذى للاول فوق الذى للملائكة فان وجود الملائكة التى هى العقول المجردة وجود ممكن فى ذاته واجب الوجود بغيره وامكان العدم نوع شر ونقص فليس شىء بريئا عن كل شر مطلقا سوى الاول فهو الخير المحض وله البهاء والجمال الاكمل ثم هو معشوق عشقه غيره او لم يعشقه كما انه عاقل ومعقول عقله غيره أو لم يعقله وكل هذه المعانى راجعة الى ذاته والى ادراكه لذاته وعقله له وعقله لذاته هو عين ذاته فانه عقل مجرد فيرجع الكل الى معنى واحد فهذا طريق تفهيم مذهبهم وهذه الامور منقسمة الى ما يجوز اعتقاده فنبين انه لا يصح على اصولهم والى ما لا يصح اعتقاده فنبين فساده . ولنعد الى المراتب الخمسة فى اقسام الكثرة ودعواهم نفيها ولنبين عجزهم عن اقامة الدليل ولنرسم كل واحد مسألة على حيالها

[37] قلت قد اجاد فى اكثر ما ذكره من وصف مذاهب الفلاسفة فى كون البارى سبحانه واحدا مع وصفه باوصاف كثيرة فلا كلام معه فى هذا الا ما ذكره من تسميته عقلا انه يدل على معنى سلبى وليس كذلك بل هو الاسم الاخص بذاته عند الفلاسفة المشائين بخلاف ما يراه افلاطون من ان العقل غير المبدأ الاول وانه لا يوصف بانه عقل وكذلك قوله فى العقول المفارقة ان فيها امكانا وعدما وشرا ليس هو من قولهم

[38] فلنرجع الى ما ذكره فى الرد عليهم فى المسائل الخمس

Sayfa 310