وإن كان اختيار المباشرة والرضا بها ثابتان فيه كما أن الأولين منفيان عنه { وينفذ مع خيار الشرط وهو ينافي الاختيار } أي اختيار الحكم { أصلا } وإن وجدا في جانب السبب وفي الاكراه لم ينتف الاختيار في السبب ولا في الحكم لكنه فسد والفاسد ثابت من وجه بخلاف المعدوم من كل وجه فانتفاء شرائط كمال النفاذ في الاكراه أقل فهو بالقبول أولى والنفاذ فيه أظهر وإلى هذا أشار بقوله { فلن ينفذ } الاقوال التي لا ينفسخ بالاكراه { وهو يفسد الاختيار أولى } فإذا وقع الطلاق والعتاق في الهزل من غير اختيار الحكم والرضاء به فوقوعهما في الاكراه مع فساد الاختيار أولى واعترض على هذا بان اختيار السبب والرضا به حاصل في الهزل بدون الفساد أما في الاكراه فلا رضاء بالسبب اصلا واختيار السبب موجود مع الفساد فلا يلزم من الوقوع في الهزل الوقوع في الاكراه واجيب عنه بان في كل من الاكراه والهزل أمرين من الأمور الأربعة إلا أن الذين في الاكراه أقوى من جهة أن الحكم هو المقصود والسبب وسيلة غليه وأن الاختيار هو المعتبر في عامة الاحكام ونفاذ التصرفات والرضاء قد يكون وقد لا يكون والفاسد بفساد الاختيار بمنزلة الصحيح فيما لا يحتمل الفسخ لأنه إذا انعقد ينفذ ولا يحتمل تخلف الحكم { وإذا اتصل } الاكراه { بقبوله المال في الطلاق } بأن اكراه امرأته بوعيد تلف أو حبس على أن تقبل من زوجها الخلع على ألف درهم فقبلت ذلك منه وهي مدخوله { يقع الطلاق بلا مال لأنه } أي لأن الاكراه { بعدم الرضاء بالسبب والحكم فكان المال لم يوجد فلم يتوقف الطلاق عليه } لا يتوقف على الرضاء ولم يوج { كما في خلغ الصغيرة فإنه يقع الطلاق بلا مال } لبطلان التزامها وإنما اشترط تاتصال الاكراه بقبول المال لأنه لو اكره علىتطليق امرأته على مال يقع الطلاق لأن الاكراه لا يمنع ولزمها المال لأنه التزمت المال طائفة باذاء ما سلمت لها من البينونة { بخلاف الهزل } فإنه إذا اتصل الهزل بقبول المال يصح التطليق لكن يتوقف الطلاق على التزام المرأة المال والرضاء به فإن التزمه وقع الطلاق ولزم المال والا فلا طلاق ولا مال { أما عند أبي تحنيفة فلان الرضاء بالسبب ثابت } في الهزل { دون الحكم فيصح غيجاب المال فيتوقف الطلاق عليه } أي على المال في الخلع بطريق الهزل { كما في خيار الشرط في جانبها } أي إذا خالعها بشرط الخيار لها يتوقف الطلاف على قبولها المال وأما في جانب الزوج فلا يصح فيالخلع لأن الخلع يمين في نحقه ومعاوضة في نحقها { وأما عندهما فالهزل لا يؤثر في بدل الخلع فيجب } بدل الخلع ويقع الطلاق من غير توقف على الرضاء لأن الهزل بعدم الرضاء والاختيار في الحكم دون السبب فهو لا يؤثر في الخلع بالمنع كشرط الخيار { وإن كانت الاقوال مما ينفسح ويتوقف علىالرضاء كالبيع والاجارة يفسد والملجىء وغيره هنا سواء لعدم الرضاء وكذا الاقارير كلها } من الماليات وغيرها { القيام الدليل على عدم المخبر به } وهو الاكراه وعدم الرضاء { والافعال منها ما لا يحتمل ذلك } أي كون الفاعل آلة للحامل { فأن لزم من جعله آلة } له { تبديل محل الجناية يقتصر عليه } أي على الفاعل { أيضا } ولا يتعلق بالحامل { لأن فيتبديل ا لمحل مخالفة الحامل } لأنه إنما حمله بالاكراه على الجناية في ذلك المحل { وفيها } أي في مخالفة الحامل { بطلان الاكراه } لأنه عبارة عن حملالغير على ما يريده الحامل ويرضاه على خلاف رضاء الفاعل وهو فعل معين في محل معين وإذا فعل غيره كان طائعا لا مكرها واتى لذلك بمثالين لأن تبديل محل الجناية قد لا يستلزم تبديل ذات الفعل وقد يستلزمه فالأول { كاكراه المحرم } المحرم { على قتل الصيد فقتله يقتصر على الفاعل لأنه } أي لأن الحامل { إنما حمله على الجناية على احرامه } لا احرام الفاعل فلم يكن اتيا بما اكرهه عليه فلا يتحقق الاكراه وأشار إلىالمثال الثاني وهو ما يكون تبديل محل الجناية مستلزما لتبديل ذات الفعل بقوله { وكما أكره } غيره { علىالبيع والتسليم فالتسليم يقتصر عليه ولو جعل آلة يصير تسليم المغصوب } لان التسليم من جهة الحامل يكون تصرفا في ملك الغير على سبيل الاستيلاء { ويتبدل ذات الفعل ايضا } لانه يصير البيع والتسليم غصبا { والاعتاق وان كان لا يحتمل ذلك } أي كون الفاعل آلة له { لأنه من الأقوال لكن الاتلاف فعل يحتمله } وتفصيل ذلك أن الاعتاق تصرف قولي لكنه اتلاف ففي المعنى الأول لم يجعل آلة فيعتق على الفاعل وفي المعنى الثاني وهو الاتلاف يحمل آلة فيضمن الحامل { فينتقل غلىالحامل فيضمن ويكون الولاء للفاعل } لأنه بالاعتاق وهو مقتصر علىالفاعل { وإن لم يلزم منه التبديل } أي وإن لم يلزم من جعله آلة تبديل محل الجناية يجعل آلة كاتلاف المال والنفس فيصير كأنه ضربه هليه واتلفه فيخرج الفاعل من البين فيضاف } الاتلاف { على الحامل ابتداء } لا نقلا من الفاعل { فموجب الجناية } نحو ضمان المال والقصاص والدية والكفارة { عليه } أي على الحامل { فقط } فإن كان عامدا يقتص هو فقط عند ابي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا قصاص على واحد منهما بل الواجب الدية على الحامل من ماله ثلث سنين { لكن في الاثم لا يمكن جعله آلة لأنه أكرهه بالجناية على دينه ولو جعل آلة لتبدل محل الجناية } إذا الجناية يكون على دين الحامل وهو لم يأمر الفاعل بذ ... لك فينتفي الاكراه وإذا لم يمكن جعله ألة { فياثم كل منهما } أما الحامل فلقصده قتل نفس محرمة وأما الفاعل فلا طاعته المخلوق في معصيته وإيثاره نفسه على من هو مثله { والحرمات } { أنواع حرمة لا تسقط ولا يدخلها الرخصة كالقتل والجرح والزنا } أي زنى الرجل بالمرأة لأنه الزاني حقيقة وأما المرأة فممكنة منه فزناها من قبيل ما يحتمل الرخصة على ما يأتي { لأن دليل الرخصة خوف الهلاك وهما } أي القاتل والمقتول { في ذلك سواء } فلا يحل للفاعل قتل غيره لتخليص نفسه { وكذا جرح الغير } إذا أكره عليه بالقتل لا يحل له الجرح { لا جرح نفسه } حتى { لواكره على قطع يده بالقتل يحل له لأن حرمة نفسه فوق حرمة يجده ولا كذلك بالنسبة إلى الغير } حتى لو اكرهه بالقتل على قطع يد الغير لا يحل له ذلك { والزنا قتل معنى } لأن من لا نسب له بمنزلة الميت ولانه لا يجب النفقة بولد الزنا على الزاني لعدم النسب ولا على المرأة لعجزها عن ذلك فيهلك الولد فإن أكره على الزنا لا يحل الزنا { وحرمة تسقط كالميتة والخمر والخنزير والاكراه الملجىء يبيحها } أي يبيح المحرمات التي يحتمل السقوط { حتى ان امتنع اثم لان الاستثناء من الحرمة حل } وقد استثنى عن تحريم الميتة ونحوها حالة الاضطرار بمعنى أنه لا يثبت الحرمة فيها فيبقى الاباحة الأصلية ضرورة لقوله تعالى وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما ضطررتم إليه { لا غير الملجىء } فإنه لا يبيح المحرمات { لعدم الضرورة } لكنه تورث الشبهة حتى لو شرب الخمر بالاكراه غير مالملجىء لا يحد { وحرمة لا تسقط } أي لا يحل متعلقها أصلا { لكن يحتمل الرخصة } في فعله مع بقاء حرمته { وهي أما في حقوق الله تعالى التي لا يحتمل السقوط كاجراء كلمة الكفر } فإن الاكراه عليه إكراه على حرام لا يسقط حرمته { فإن حرمة كلمة الكفر لا يحتمل السقوط أبدا } اعلم أن التكلم بكلمة الكفر حرام ابدا إلا أن الشرع رخص فيه حالة الاكراه بشرط اطمئنان القلب بالايمان لقوله عم فإن عادوا فعد وقوله تعالى إلا من أكره وقلبه مطئن بالايمان { وأما في تحقوقه التي يحتمل السقوط في الجملة } بالاعذار { كالعبادات } من الصلاة والصوم والحج فإن الاكراه على تركها اكراه على حرام حرمته لا تسقط به ممن هو أهل للوجوب } حتى قتل { صار شهيدا وقد مر فيفصل الرخصة وزنا المرأة من هذا القسم } أي إذا اكرهت المراة على الزنا بالملجىء رخص لها فإن العصمة من ا لزنا حق الله تعالى وتركها حرام لا يسقط ابدا ولكن يحتمل الرخصة { إذ ليس فيه معنى قطع النسب } إذ لا نسب من المراة فلا يكون بمنزلة قتل ا لنفس { بخلاف زناه } فإنه بمنزلة القتل لأنه قطع النسب { ولما رخص } بلااكراه بالملجىء { لا يحد }
المرأة بالزنا بالاكراه { بغير الملجىء للشبهة } أي لشبهة الرخصة في زناها بغير الملجىء { ويحد هو } أي الرجل في زناه بغير الملجىء لأنه لا يرخص فيه بالملجىء فيحد لعدم الشبهة { وأما في حقوق العباد كاتلاف مال المسلم } فإنه حرام حرمة هي في حقوق العباد لان عصمة المال ووجوب عدم اتلافه حق العبد والحرمة متعلقة بترك العصمة { وحكمه حكم أخويه في أنه يرخص بالملجىء وإن صبر صار شهيدا } لأنه بذل نفسه لدفع الظلم لكن حرمة اتلاف مال المسلم لا يسقط بحال لأنه ظلم وحرمة الظلم مؤيدة وإنما رخص فيها لأن حرمة النفس فوق حرمة المال والمراد باخويه ما يحتمل السقوط وما لايحتمله لكنهما لم يسقطا وهما حق الله تعالى { ويجب الضمان بوجود العصمة } أي يجب على من اكره غيره على اتلاف مال ا لمسلم ضمان ما اتلف لان المال معصوم حقا لصاحبه فلا يسقط بحال معصوما حقا لصحابه فلا يسقط بحال الحمد للخالف الجبار والفاعل المختار وأصلي على سيد الاخيار محمد قامع الكفار وعلى آله الأطهر وصحابته الأخيار على توفيق إتمام طبع هذه النسخة الشريفة بمعرفة العبد الضعيف شهاب الدين الفلوي اسكنه الله مع والديه في أعلى غرف الجنان سنة تسع وثلثمائة بعد الألف من هجرة من له العز والشرف .
Sayfa 391