{ فصل التكليف بما لا يطاق جائز } إذ لا يجب على الله تعالى شيء ولا يقبح منه شيء { خلافا للمعتزلة } لناء على خلافهم في الأصل الأول { وللماتريدية } بناء على خلافهم في أصل الثاني { ولا يتمسك للمخالفين فيه نحو قوله تعالى لا يكلف الله نفسا لأن دلالته على عدم الوقوع لا على عدم الجواز } لا يقال كل ما أخبر الله تعالى بعدم وقوعه لا يجوز وإلا لزم إمكان كذبه وهو محال وإمكان المحال محال لأن التلازم بين الشيئين وقوعا لا يستلزم التلازم بينهما إن كان ألا يرى أن عدم المعلول الأول ممكن وما يلزم من عدم الواجب تعالى غير ممكن فامتناع الكذب من الله تعالى لا يستلزم امتناع ما يلزمه من وقع ما أخبر الله تعالى بعدم وقوعه { واحتجاجهم بأنه لا يليق الحكمة مبناه على وجوب رعاية الحكمة في أفعاله تعالى وهو غير مسلم } وبعد تسليمه نقول لا يلزم من عدم علمنا بالحكمة في تكليف ما لا يطاق عدمها في الواقع { إلا أنه غير واقع للنص المذكور } يعني قوله تعالى { لا يكلف الله نفسا } ولقوله تعالى { وما جعل عليكم في الدين من حرج } { وأما في الممتنع لذاته } كالجمع بين الضدين وقلب الحقائق { فباتفاق الجمهور } من الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة { خلافا لمن تمسك بتكليف أبي لهم بالإيمان } نسبة هذا الخلاف إلى الأشاعرة فرية ما فيها مرية { تقرير أنه مكلف بتصديق النبي عليه السلام في جميع ما علم مجيئه ومن جملته أنه لا يؤمن } فقد كلف بأن يصدقه في أن لا يصدقه وهو محال فيلزم وقوع التكليف بالممتنع بالذات قلنا لا ثم أنه عليه السلام أخبر أنه لا يؤمن قطعا { وغاية ما ورد فيه قوله تعالى } { سيصلى نارا ذات لهب } وليس في ذلك ما يدل على الإخبار بعدم تصديقه للنبي عليه السلام قطعا فإنه لا يمتنع تعذيب المؤمن عندنا وعلى تقديره امتناع ذلك أمكن أن يكون الخبر المذكور بتقدير أن لا يؤمن كذا قال الآمدي { ولو سلم } أنه من جملة ما أخبر به { لكن لا يلزم منه أن يكون من جملة ما علم مجيئه به } حتى يلزم المحذور المذكور فإن المراد من الثاني الأحكام التبليغية والأول أعم منه كما لا يخفى { وأما الممتنع بالغير } سواء كان ذلك الغير فقد شرط أو وجود مانع { فقد عزى فيه الخلاف إلى الأشعري } من قوله أن القدرة مع الفعل وإن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى بسبب تكليف المحال إليه وإلا فهو لم يصرح به { وعلمه تعالى بأنه لا يقع وإخباره به لا يخرجه عن حيز الطاقة } جواب عن استدلال المخالف في عدم وقوع التكليف بالممتنع بالعين تقريره أن العاصي مأمور ويمتنع منه الفعل لأن الله تعالى قد علم أنه لا يقع وخلاف معلومه محال وإلا لزم جهله وأيضا أخبر أنه لا يؤمن في قوله تعالى سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون وخلاف خبره محال وإلا لزم كذبه { لأن الأخبار تابع للعلم والعلم تابع للمعلوم } ضرورة أنه ظله { فلا يصلح للتأثير فيه } لا إيجابا ولا منعا { وما يلزم الأشعري لإنكاره كون العباد خالقا لأفعاله أن يكون التكاليف كلها تكليفا بما لا يطاق يلزم الماتريدية أيضا للاشتراك في العلة } المذكورة وإثباتهم القدرة العبد تأثيرا في أفعاله توسطا بين الجبر والقدر لا يجدي نفعا لأن العبد غير قادر على إيجاد الفعل بل يوجد بخلق الله تعالى فيكون التكليف بالفعل تكليفا بالمحال { وكما أن له أن يقول في الجواب للعبد قصد اختياري والمراد بالتكليف بالفعل التكليف بالقصد إليه } ثم بعد القصد الجازم منه يخلق الله تعالى الفعل بإجراء العادة { كذلك للأشعري أن يقول في الجواب للعب كسب اختياري } والمراد بالتكليف بالفعل التكليف بالكسب الاختياري وبعد ذلك يخلقه الله تعالى على حسب جري العادة { ثم القدرة شرط لوجوب الأداء لا لنفس الوجوب لأنه قد ينفك عن وجوب الأداء فلا حاجة فيه إلى القدرة } ويأتي الفرق بين نفس الوجوب ووجوب الأداء في الفعل الآتي { بل هو } أي نفس الوجوب { يثبت بالسبب والأهلية على ما يأتي في فصلها والقدرة نوعان ممكنة ومسيرة فالممكنة أدنى ما يتمكن به المأمور على أداء المأمور به } أي من غير خرج غالبا وإنما قيدنا به لأنهم جعلوا الزاد والراحلة في الحج من قبيل القدرة الممكنة مع أنه قد يتمكن من أدائه بدونها نادرا { وهي شرط لوجوب أداء كل واجب بدنيا كان أو ماليا فضل من الله تعالى فلهذا يصح التيمم مع العجز والصلاة قاعدا أو موميا معه } أي مع العجز { ويسقط الزكاة إذا هلك المال بعد الحول قبل التمكن اتفاقا فعلى هذا } أي بناء على اعتبار الشرط المذكور { قال زفر لا يجب القضاء على من صار أهلا للصلاة في الجزء الأخير من الوقت لعدم القدرة فلا يجب الأداء ووجوب القضاء فرع وجوبه وقال الثلاثة إنما يشترط حقيقة القدرة للأداء إذا كان هو الفرض أما ههنا فالفرض القضاء فقد وجد السبب فإمكان القدرة على الأداء بإمكان امتداد الوقت } كما كان لسليمان عليه السلام { كاف للقضاء } ولم يعتبر إمكان القدرة في الحج بدون الزاد والراحلة وإمكان قدرة الشيخ الفاني على الصوم والمقعد على الركوع والسجود وزوال عمى الأعمى مع أن هذا أقرب من امتداد الوقت لأن القضاء أيضا متعذر في هذه الصور { كما في مسالة الحلف بمس السما } فإنه ينعقد اليمين لإمكان البر في الجملة كما كان النبي عليه السلام فإمكان الأصل وهو البر كاف لوجوب الحلف وهو الكفارة { على أن القدرة التي شرطناها متقدمة هي سلامة الآلات والأسباب فقط وقد وجدت هنا فأما القدرة الحقيقة فإنها مقارنة للفعل جواب تسليمي تقريره سلمنا أن إمكان القدرة على الأداء غير كاف لوجوب القضاء بل يشترط له وجود القدرة على الأداء فوجود القدرة عليه حاصل هنا لأنها عبارة عن سلامة الأسباب والآلات وهي حاصلة و/ا القدرة التامة الحقيقة فلا يشترط لأنها مقارنة للفعل ضرورة أن العلة التامة تكون مقارنة للمعلول كيلا يلزم تخلف المعلول عن العلة { أو نقول } جواب ثالث عن دليل زفر { القضاء يبتنى على نفس الوجوب لا على وجوب الأداء كما في قضاء المسافر والمريض الصوم ولا يشترط بقاء هذه القدرة } أي الممكنة { لبقاء الواجب إذ التمكن على الأداء يستغنى عن بقائها } أي استمرارها { فلهذا لا يشترط(1)
Sayfa 170