Tafsir wal-Bayan li-Ahkam al-Quran
التفسير والبيان لأحكام القرآن
Yayıncı
مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٣٨ هـ
Yayın Yeri
الرياض - المملكة العربية السعودية
Türler
وفي هذه الآياتِ: دليلٌ على أنَّ الثباتَ على الابتلاءِ مِن اللهِ بنوعَيْهِ الشرعيِّ والكونيِّ: مِن أعظمِ مَنَاقِبِ الأنبياءِ وخِصَالِهم، وأنَّ الرأسَ في الحقِّ لا بدَّ أن يُبتلَى أكثَرَ مِن غيرِه؛ كالرأسِ مِن الجسدِ هو أكثرُ الجسدِ بلاءً وفتنةً وإصابةً، وإذا ثبَتَ الرأسُ، ثَبَتَ الجسدُ، وإذا تهاوَى وانتكَسَ، انتكَسَ معه الجسدُ؛ فلا ينتكسُ جسدٌ إلا والرأسُ يَسْبِقُهُ.
وفي سؤالِ إبراهيمَ لربِّه: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾: دليلٌ على عدمِ جوازِ طاعةِ الظالمِ، وعلى عدمِ جوازِ تَوْلِيَتِه بالاختيارِ؛ فعندَ ابنِ جريرٍ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾؛ قال: "لا يكونُ إمامًا ظالمًا" (١).
ورواهُ عن ابنِ أبي نَجيحٍ عن عِكْرِمةَ مِثلَهُ (٢).
ولمَّا كانتْ ذريةُ إبراهيمَ فيها الظالمُ، وامتنَعَ اللهُ عن جعلِ ذريةِ إبراهيمَ جميعهم أئمةً كإبراهيمَ، دلَّ على أنَّ الفضلَ لا يُورَثُ، فأعظَمُ فضلٍ مقامُ النبوَّةِ، فلا يَرِثُهُ وارثٌ، والصلاحُ لا يُورَثُ، وكذلك العِلْمُ، وإذا كان هذا في إبراهيمَ، فكيف بذريَّةِ غيرِه؟ !
ويخرُجُ مِن هذا مَن يولَّى مِن الظَّلَمةِ؛ لدفعِ ظلمٍ أشَدَّ منه، فهذا دفعٌ لمفسدةٍ بما هو دونَها، وكدلك الظالمُ المستبِدُّ الذي يتولَّى قهرًا يُطاعُ بالمعروفِ ما دامَ يُقيمُ الصلاةَ ويُظهِرُ الإسلامَ ويشرِّعُهُ، ولا يُطاعُ في المعصيةِ.
وفي الآيةِ: دليلٌ على أنَّ إمامةَ الناسِ وقيادتَهم لا تكونُ توريثًا، وقد سألَها إبراهيمُ ربَّه، فلم يُعْطَهَا: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾
(١) "تفسير الطبري" (٢/ ٥١٢). (٢) "تفسير الطبري" (٢/ ٥١٢).
1 / 103