الكتاب: تفسير الإمام الشافعي المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (المتوفى: ٢٠٤هـ) جمع وتحقيق ودراسة: د. أحمد بن مصطفى الفرَّان (رسالة دكتوراه) الناشر: دار التدمرية - المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى: ١٤٢٧ - ٢٠٠٦ م عدد الأجزاء: ٣ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: أبو إبراهيم حسانين * * * * * * * * * * * * * * تنبيه وقع محقق الكتاب في وهْمٍ تبعًا للعلامة أحمد محمد شاكر (محقق كتاب الرسالة للإمام الشَّافِعِي) زاعمًا أن الإمام الشَّافِعِي ﵀ قد أخطأ في آية قرآنية ونحن نذكر كلامه والرد عليه إن شاء الله تعالى قال محقق الكتاب ما نصه: قلت: أشرنا في تفسير الآية / ١٣٦ من سورة النساء إلى أن الشَّافِعِي ﵀ ذكر هذه الآية دليلًا على أن اللَّه قرن الإيمان به بالإيمان برسوله، وهنا كلام رائع لمحقق كتاب الرسالة، يستحسن أن ننقله كاملًا بحرفيته كما ورد في تعليقه على هذه الفقرة / ٢٣٧ إذ يقول ﵀: والعصمة لله ولكتابه ولأنبيائه، وقد أبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، كما قال بعض الأئمة من السلف. فإن الشَّافِعِي ﵀: ذكر هذه الآية محتجًا بها على أن الله قرن الإيمان برسوله محمد ﷺ مع الإيمان به، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن، منها: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) . ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) . ولكن الآية التي ذكرها الشَّافِعِي هنا ليست في موضع الدلالة على ما يريد. لأن الأمر فيها بالإيمان بالله وبرسله كافة. ووجه الخطأ من الشَّافِعِي ﵀: أنه ذكر الآية بلفظ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) بإفراد لفظ الرسول وهكذا كتبت في أصل الربيع، وطبعت في الطبعات الثلاثة من الرسالة، وهو خلاف التلاوة، وقد خُيِّل إلي بادئ ذي بدء أن تكون هناك قراءة بالإفراد، وإن كانت - إذا وجدت - لا تفيد في الاحتجاج لما يريد؛ لأن سياق الكلام في شأن عيسى ﵇، فلو كان اللفظ: (وَرَسُوله) لكان المراد به عيسى، ولكني لم أجد آية قراءة في هذا الحرف من الآية بالإفراد. لا في القراءات العشر، ولا في غيرها من الأربع، ولا في القراءات الأخرى التي يسمونها: (القراءات الشاذة) . ومن عجب أن يبقى هذا الخطأ في الرسالة، وقد مضى على تأليفها أكثر من ألف ومائة وخمسون سنة، وكانت في أيدي العلماء هذه القرون الطوال. وليس هو من خطأ في الكتابة من الناسخين، بل هو خطأ علمي، انتقل فيه ذهن المؤلف الإمام، من آية إلى آية أخرى حين التأليف: ثم لا ينبه عليه أحد! أولا يلتفت إليه أحد! وقد مكث أصل الربيع من الرسالة بين يدي عشرات من العلماء الكبار. والأئمة الحفاظ، نحوًا من أربعة قرون إلى ما بعد سنة ٦٥٠ هـ يتداولونه بينهم قراءة وإقراء ونسخًا ومقابلة، كما هو ثابت في السماعات الكثيرة المسجلة مع الأصل، وفيها سماعات لعلماء أعلام، ورجال من الرجالات الأفذاذ، وكلهم دخل عليه هذا الخطأ، وفاته أن يتدبر موضعه فيصححه. ومرد ذلك كله - فيما نرى واللَّه أعلم -: إلى الثقة ثم إلى التقليد، فما كان ليخطر ببال واحد منهم أن الشَّافِعِي، وهو إمام الأئمة، وحجة هذه الأمة يخطئ في تلاوة آية من القرآن، ثم يخطئ في وجه الاستدلال بها، والموضوع أصله من بديهيات الإسلام، وحجج القرآن فيه متوافرة، وآياته متلوة محفوظة، ولذلك لم يكلف واحد منهم نفسه عناء المراجعة، ولم يفكر في صدر الآية التي أتى بها الشَّافِعِي للاحتجاج، تقليدًا له وَثِقَة به، حتى يرى إن كان موضعها موضع الكلام في شأن نبينا ﷺ أو في شأن غيره من الرسل ﵈. ونقول هنا: ما قال الشَّافِعِي ﵀ فيما مضى من الرسالة في الفقرة / ١٣٦: (وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، واللَّه يغفر لنا ولهم) . انتهى كلام محقق الكتاب. أقول: اتهام الإمام الشَّافِعِي ﵀ بالخطأ في آية قرآنية ومتابعة فقهاء الشَّافِعِية له فيه قرونًا عديدة في غاية البعد البعيد، وهذا قد يرد في حقِّنا وحقِّ أشباهنا أما الشَّافِعِي فهيهات ثم هيهات؟؟!!! إنه الشَّافِعِي. ويكفي في رد هذا الوهْم قول الربيع بن سليمان ﵀ قرأت: (كتاب الرسالة المصرية) على الشَّافِعِي نيفًا وثلاثين مرة، فما من مرة إلا كان يصححه. ثم قال الشَّافِعِي في آخره: أبى الله أن يكون كتاب صحيح غير كتابه، يدل على ذلك قول الله ﵎: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) الآية. انتهى كلام الربيع. وكان الأليق بالمحقق أن لا يجزم بتخطئة الإمام ﵀ وفقهاء مذهبه والاكتفاء بردِّ هذا الخطأ إلى الناسخ كما هو حال أكثر المخطوطات. والإمام الشَّافِعِي ﵀ لم يفسر القرآن، والآيات التي جمعها المحقق - جزاه الله خيرًا - ذكرها الإمام مختصرة وغير مرتبة على ترتيب المصحف الشريف حتى يصح هذا الاتهام. ولعل الآية التي تكلم فيها إمامُنا الشَّافِعِي ﵀ هي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) . والله أعلم وأحكم.

1 / 182

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ القسم الثاني قسم التفسير والتحقيق ويتضمن: جَمْعَ ما أُثر عن الإمام الشَّافِعِي - يرحمه الله تعالى - من تفسير لآيات القرآن الكريم مرتبة وفقَ ترتيب السور في المصحف الشريف * * * * * * * * * * * * *

1 / 183

سورة الفاتحة قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) الأم: باب (التعوذ بعد الافتتاح) قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه تعالى: قال اللَّه ﷿: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن سعد بن عثمان، عن صالح بن أبي صالح: أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعًا صوته: (ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم)، في المكتوبة، (وإذا فرغ من أم القرآن) . - (أي: قبل السورة التالية) -. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكان ابن عمر ﵄ يتعوذ في نفسه - أي سرًّا -. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأيهما فعل الرجل أجزأه، إن جهر أو أخفى.

1 / 185

وكان بعضهم يتعوذ حين يفتتح قبل أم القرآن، وبذلك أقول. وأحبّ أن يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) . وإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأي كلام استعاذ به، أجزأه. ويقوله في أول ركعة. وقد قيل: إن قاله حين يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحَسَن، ولا آمر به في شيء من الصلاة، أمرتُ به في أول ركعة. وإن تركه - (قول: الاستعاذة) - ناسيًا أو جاهلًا أو عامدًا، لم يكن عليه إعادة، ولا سجود سهو. وأكره له تركه عامدًا، وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها (من الركعات)، وإنَّما منعني أن آمره أن يعيد؛ أن النبي ﷺ علم رجلًا ما يكفيه في الصلاة فقال: "كبر ثم اقرأ بأم القرآن" الحديث قال الشَّافِعِي ﵀: ولم يُروَ عنه أنه ﷺ أمره بتعوذ ولا افتتاح. فدل على أن افتتاح رسول الله ﷺ اختيار، وأن التعوذ مما لا يفسد الصلاة إن تركه.

1 / 186

مختصر المزني: باب (صفة الصلاة) قال الشَّافِعِي ﵀: بعد قراءة دعاء الاستفتاح - ثم يتعوذ فيقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ثم يقرأ مرتلًا بأم القرآن. .. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) . قال الشَّافِعِي ﵀: وأحبّ أن يقول حين يفتتح قبل أم، القرآن: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) الآية، وأي كلام استعاذ به أجزأه. وقال في الإملاء بهذا الإسناد: ثم يبتدئ، فيتعوذ، ويفول: أعوذ بالسميع العليم، أو يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أو: أعوذ بالله أن يحضرون. لقول اللَّه ﷿: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) .

1 / 187