{ فلا تخشوا الناس } الآية، الظاهر أن هذا الخطاب لليهود على سبيل الحكاية. والقول لعلماء بني إسرائيل يشمل من كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من علماء اليهود. وفي الكلام التفات خرج من ضمير الغيبة وهو ضمير الرفع في يحكمونك إلى ضمير الخطاب في قوله: فلا تخشوا.
{ ولا تشتروا } هذا نهي للحكام عن أخذ الرشا وتبديل أحكام الله تعالى.
{ وكتبنا عليهم فيهآ } الآية مناسبتها لما قبلها أنه تعالى بين في التوراة أن حكم الزاني المحصن الرجم. وغير التوراة اليهود أيضا ففضلوا بني النضير على بني قريظة وحضوا إيجاد القود على بني قريظة دون بني النضير. ومعنى وكتبنا: فرضنا. وقيل: قلنا والكتابة بمعنى القول. ويجوز أن يراد الكتابة حقيقة وهي الكتابة في الألواح، لأن التوراة نزلت مكتوبة في الألواح. والضمير في " فيها " عائد على التوراة. وفي " عليهم " على الذين هادوا. وقوله: بالنفس جار ومجرور في موضع خبر أن فيتعلق بمحذوف، والأصل فيه أن يكون العامل لفظ كائن أو مستقر والباء في " بالنفس " للمقابلة فقدر ما هو قريب من الاستقرار وهو تقديرهم مأخوذة بالنفس والمعنى أنه إذا قتلت نفس نفسا قتلت بها والمعاطيف على هذا التقدير أي والعين مأخوذة بالعين أي من فقأ عينا فقئت عينه، ومن جدع أنفا جدع أنفه، ومن صلم أذنا صلمت أذنه، ومن كسر سنا كسرت سنه.
وقرىء بنصب والعين إلى قوله: والجروح مراعاة لاسم ان. وقرىء بالرفع قطعا عن اسم ان. وارتفعت الأسماء بالإبتداء وخبرها في الجار والمجرور كما قدرناه، وخبر والجروح قوله: قصاص، والظاهر في قوله: النفس بالنفس، العموم فيخرج منه ما يخرج منه بالدليل ويبقى الباقي على عمومه. والظاهر في قوله: والعين بالعين، العموم فتفقأ عين الأعور بعين من كان ذا عينين، وبه قال علي وأبو حنيفة والشافعي. ولهذه الجنايات أحكام ذكرت في كتب الفقه.
{ والجروح قصاص } أي ذات قصاص. ولفظ الجروح عام، والمراد به الخصوص وهو ما يكن فيه القصاص وتعرف المماثلة فلا يخاف منها على النفس فإن خيف كالمأمومة وكسر الفخذ وغير ذلك فلا قصاص فيها. ومدلول والجروح قصاص يقتضي أن يكون الجرح بمثله فإن لم يكن بمثله فلا قصاص.
{ فمن تصدق به فهو كفارة له } الآية، المتصدق صاحب الحق ومستوفي القصاص من مجروح أو ولي قتل. و " به " عائد على القصاص الشامل للنفس وللأعضاء وللجروح التي فيها القصاص، و " فهو " ضمير يعود على التصدق أي فالتصدق كفارة للمتصدق والمعنى ان من تصدق بجرحه أو دم وليه فعفى عن حقه في ذلك فإن العفو كفارة له عن ذنوبه يعظم الله أجره بذلك ويكفر عنه.
{ ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الظالمون } الآية تناسب فيما تقدم، ذكر الكافرين لأنه جاء عقب قوله: { إنآ أنزلنا التوراة فيها هدى ونور } ، الآية، ففي ذلك إشارة إلى أنه لا يحكم بجميعها بل يخالف رأسا ولذلك جاء ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وهذا كفر فناسب ذكر الكافرين وهنا جاء عقب أشياء مخصوصة من أمر القتل والجروح، فناسب ذكر الظلم المنافي للقصاص وعدم التسوية فيه وإشارة إلى ما كانوا قرروه من عدم التساوي بين بني النضير وبني قريظة.
{ وقفينا على آثارهم } الآية مناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر أن التوراة يحكم بها النبييون ذكر أنه قفاهم بعيسى عليه السلام تنبيها على أنه من جملة الأنبياء وتنويها باسمه وتنزيها له عما تدعيه فيه اليهود وأنه من جملة مصدقي التوراة. ومعنى وففينا أتينا به يقفوا آثارهم أي يتبعها. والضمير في " آثارهم " يعود على النبيين من قوله: يحكم بها النبيون، وليس التضعيف في قفينا للتعدية بل ضمن معنى قفينا جئنا فذلك عداه بعلى والباء.
{ وآتيناه الإنجيل } هذه الجملة معطوفة على قفينا وفيها تعظيم عيسى بأن الله آتاه كتابا إلهيا. وقوله: فيه هدى، في موضع الحال وارتفاع هدى على الفاعلية بالجار والمجرور إذ قد اعتمد بأن وقع حالا الذي حال أي كائنا فيه هدى، ولذلك عطف عليه لما بين يديه. والضمير في " يديه " عائد على الإنجيل، والمعنى أن عيسى وكتابه الذي أنزل عليه هما مصدقان لما تقدمهما من التوراة فتظافر على تصديقه الكتاب الإلهي المنزل.
[5.47-50]
Bilinmeyen sayfa