404

{ فافرق بيننا } ظاهره أنه دعا بأن الله يفرق بينهما. { قال فإنها محرمة عليهم } قال فيه ضمير يعود على الله تعالى، فإنها أي الأرض المقدسة محرمة عليهم، أي محرم دخولها وتملكهم إياها وانتصب أربعين على أنه ظرف زمان والعامل فيه محرمة. قيل: وحكمة هذا العدد انهم عبدوا العجل أربعين يوما فجعل لكل يوم سنة، قيل: ان من كان جاوز عشرين سنة لم يعش الى الخروج من التيه وإن من كان دون العشرين عاش فكأنه لم يعش المكلفون العصاة.

{ يتيهون } التية في اللغة: الحيرة، يقال: تاه يتيه ويتوه وتيهته وتوهته، والياء أكثر. والأرض التيهاء التي لا يتهدى فيها، وأرض تيه. وقيل: العامل في قوله: أربعين، لفظ يتيهون. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون العامل في أربعين مضمرا يدل عليه يتيهون المتأخر. انتهى. لا أدري ما الحامل له على قوله: إن العامل مضمر كما ذكر. بل الذي جوزه الناس في ذلك هو أن يكون العامل فيه يتيهون نفسه لا مضمر يفسره قوله: يتيهون في الأرض. قال ابن عباس: تسعة فراسخ. وقال مقاتل: هذا عرضها وطولها ثلاثون فرسخا. وروى في كيفية تيههم في هذه المدة أنهم كانوا يرحلون بالليل ويسيرون ليلهم أجمع حتى إذا أصبحوا وجدوا جملتهم في الموضع الذي ابتدؤا منه ويسيرون النهار جادين حتى إذا أمسوا إذا هم حيث ارتحلوا عنه فيكون سيرهم تحليقا. وقيل: إنهم كانوا ستمائة ألف مقاتلين. قيل: والحكمة في التيه هو أنهم لما قالوا أنا هاهنا قاعدون عوقبوا بالقعود فصاروا في صورة القاعدين وهم سائرون كلما ساروا يوما أمسوا في المكان الذي أصبحوا فيه وكان هذا التيه خرق عادة وعجبا من قدرة الله تعالى حيث كانوا عقلاء ولم يهتدوا للخروج من التيه، ومات موسى وهارون عليهما السلام في التيه، فكان التيه عذابا لبني إسرائيل ورحمة لموسى وهارون وراحة وروحا ونبأ الله تعالى بعد موتهما يوشع بن نون بعد كمال الأربعين سنة فصدقه بنو إسرائيل وأخبرهم بأن الله سبحانه أمرهم بقتال الجبابرة فبايعوه وسار بهم إلى اريحا وقتل الجبارين وأخرجهم وصار الشام كله لبني إسرائيل وفي تلك الحرب وقفت له الشمس ساعة حتى استمر هزم الجبارين.

{ فلا تأس } أي فلا تحزن يقال: أسى الرجل يأسى أسى، إذا حزن. والظاهر أنه خطاب لموسى عليه السلام ومعنى على القوم الفاسقين على عذابهم وإهلاكهم.

[5.27-30]

{ واتل عليهم } الآية، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وعليهم أي على بقية بني إسرائيل الذين عاصروه عليه السلام وهموا ببسط أيديهم وقالوا إنهم أبناء الله وأحباؤه، وذكرهم موسى عليه السلام بنعم الله تعالى. ومناسبة هذه الآية، لما قبلها أنه كان من آخر كلامهم لموسى عليه السلام اذهب أنت وربك فقاتلا وذلك لجبنهم وخور طباعهم عن قتال الجبارين. وفي قصة ابني آدم جسارة قابيل على قتل النفس التي حرم الله قتلها فتشابها من هذا الوجه فكان قابيل أول عاص في هذه المعصية العظيمة وبنو إسرائيل أول من خاطب رسولهم بقولهم: إذهب أنت وربك فقاتلا، والنبأ الخبر وابنا آدم هما قابيل وهابيل ابناه لصلبه.

{ إذ قربا } إذ منصوب بقوله نبأ. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون بدلا من النبأ، أي إتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت على تقدير حذف المضاف. " انتهى ". لا يجوز ما ذكر لأن إذ لا يضاف إليها إلا الزمان ونبأ ليس بزمان والقربان الذي قرباه هو زرع لقابيل وكبش لهابيل، وكانت علامة التقبل أكل النار النازلة من السماء القربان وترك غير المتقبل.

قال الزمخشري: يقال قرب صدقة وتقرب بها لأن تقرب مطاوع قرب. " انتهى ". ليس تقرب بصدقة مطاوع قرب لإتحاد فاعل الفعلين والمطاوع يختلف فيها الفاعل فيكون من أحدهما فعل ومن الآخر انفعال نحو كسرته فانكسر وفلقته فانفلق، وليس قربت صدقة وتقربت بها من هذا الباب فهو غلط. فاحش.

{ فتقبل من أحدهما } هو هابيل. { ولم يتقبل من الآخر } هو قابيل. { قال لأقتلنك } هذا تهديد شديد ووعيد بالقتل لأخيه. وأكده بالقسم المحذوف وتقديره والله لأقتلنك، ولما هدده بالقتل علم أنه لم يكن متقيا لله تعالى لتهديده بهذه المعصية العظيمة وكان ذلك حسدا له، فقال: { إنما يتقبل الله من المتقين } ومن لم يرض بفعل الله تعالى لم يكن متقيا له، ثم قال: { لئن بسطت } الآية، فبين التفاوت بينهما بأنك إن أردت قتلي فما أريد قتلك، واللام في لئن هي الموطئة المؤذنة بقسم محذوف وإن شرطية، وجواب القسم قوله: { مآ أنا بباسط } وجواب أن محذوف لدلالة جواب القسم عليه وذكر أن الحامل له على أنه لا يريد قتله خوفه من الله تعالى.

قال الزمخشري: فإن قلت: لم جاء الشرط بلفظ الفعل والجزاء بلفظ اسم الفاعل وهو قوله: لئن بسطت ما أنا بباسط؟ قلت: ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع ولذلك أكده بالباء المؤكدة للنفي. " انتهى ". وأورد أبو عبد الله الرازي هذا السؤال والجواب ولم ينسبه للزمخشري وهو كلام فيه انتقاد وذلك أن قوله: ما أنا بباسط ليس جزاء للشرط بل هو جواب للقسم المحذوف ولو كان جوابا للشرط لكان بالفاء فإنه إذا كان جواب الشرط منفيا بما فلا بد من إلقاء إلا أن كانت الأداة ليست من الجوازم في الكلام فلا يحتاج إذ ذاك إلى الفاء كقوله تعالى:

وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات

Bilinmeyen sayfa