وأفلت منها ابن عمر وحجر
ومجيء أفعل البلوغ على الوجهين المذكورين كثير من لسان العرب فمن مجيىء أفعل البلوغ المكان ودخوله قولهم: أحرم الرجل وأعرق وأشأم وأيمن وأتهم وأنجد إذا بلغ هذه المواضع وحل بها.
ومن مجيء أفعل بمعنى صار ذا كذا قولهم: أعشبت الأرض وأبقلت وأغد البعير وألبنت الشاة وغيرها، وأجرت الكلبة وأصرم النخل وأبلت الناقة وأحصد الزرع وأجرب الرجل وانجبت المرأة. وإذا تقرر أن الصيد يوصف بكونه محلا باعتبار أحد الوجهين المذكورين من كونه بلغ الحل أو صار ذا حل اتضح كونه استثناء ثانيا، ولا يكون استثناء من استثناء إذ لا يمكن ذلك لتناقض الحكم لأن المستثنى من المحلل محرم والمستثنى من المحرم محلل. بل إذا كان المعنى بقوله: بهيمة الانعام الانعام أنفسها فيكون استثناء منقطعا وإن كان المراد الظباء وبقر الوحوش وحمرة ونحوها فيكون استثناء متصلا على أحد تفسيري المحل استثناء الصيد الذي بلغ الحل في حال كونهم محرمين.
فإن قلت: ما فائدة هذا الاستثناء بقيد بلوغ الحل والصيد الذي في الحرم لا يحل أيضا؟ قلت: الصيد الذي في الحرم لا يحل للمحرم ولا لغير المحرم وإنما يحل لغير المحرم الصيد الذي في الحل، ففيه بأنه إذا كان الصيد الذي في الحل يحرم على المحرم وإن كان حلالا لغيره فأجرى أن حرم عليه الصيد الذي هو بالحرم. وعلى هذا التفسير يكون قوله: إلا ما يتلى عليكم، إن كان المراد به ما جاء بعده من قوله:
حرمت عليكم
[المائدة: 3]، الآية. استثناء منقطعا إذ لا تختص الميتة وما ذكر معها بالظباء وحمر الوحش وبقرة ونحوها فتصير لكن ما يتلى عليكم أي تحريمه فهو محرم. وإن كان المراد ببهيمة الانعام الانعام والوحوش فيكون الاستثناء ان راجعين إلى المجموع على التفصيل، فيرجع إلا ما يتلى عليكم إلى ثمانية الأزواج، ويرجع غير محلي الصيد إلى الوحوش، إذ لا يمكن أن يكون الثاني استثناء من الاستثناء الأول وإذا لم يمكن ذلك وأمكن رجوعه إلى الأول بوجه ما جاز. وقد نص النحويون على أنه لم يمكن استثناء بعض المستثنيات من بعض كانت كلها مستثنيات من الاسم الأول نحو قولك: قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا.
فإن قلت: ما ذكرته من هذا التخريج الغريب وهو أن يكون المحل من صفة الصيد لا من صفة الناس ولا من صفة الفاعل المحذوف يعكر عليه كونه كتب في رسم المصحف بالياء، فدل ذلك على أنه من صفات الناس إذ لو كان من صفة الصيد لم يكتب بالياء وكون القراء وقفوا عليه بالياء يأبى ذلك أيضا.
قلت: لا يعكر على هذا التخريج لأنهم كتبوا كثيرا من رسم المصحف على ما يخالف النطق نحو: كتبهم لا أذبحنه ولا أوضعوا منه بألف بعد لام الألف، وكتبهم بأييد بياءين بعد الألف، وكتبهم أولئك بواو بعد الألف ونقصهم منه ألفا، وكتبهم الصلحت ونحوه بإسقاط الفين. وهذا كثير في الرسم وأما وقفهم عليه بالياء فلا يجوز لأنه لا يوقف على المضاف دون المضاف إليه وإنما قصدوا بذلك الاختبار أو بتقطع النفس فوقفوا على الرسم كما وقفوا على سندع من قوله تعالى:
سندع الزبانية
[العلق: 18]، من غير واو اتباعا للرسم على أنه يمكن توجيه كتبه بالياء والوقف عليه بها بأنه جاء ذلك على لغة الازد إذ يقفون على بزيدي بإبدال التنوين ياء فكتب محلي بالياء على الوقف على هذه اللغة وهذا توجيه شذوذ رسمي ورسم المصحف مما لا يقاس عليه. وقرأ ابن أبي عبلة غير بالرفع وأحسن ما يخرج عليه أن يكون صفة لقوله: بهيمة الانعام، ولا يلزم من الوصف بغير ان يكون ما بعدها مماثلا للموصوف في الجنسية ولا يضر الفصل بين النعت والمنعوت بالاستثناء وخرج أيضا على الصفة للضمير في يتلى.
Bilinmeyen sayfa